هل يتوفر في واقعنا الجنوبي من يصدِّق من أن الفيدرالية التي يروج لها السائرون في فلك الاحتلال ستكون بلسماً لجراحنا ونهاية لآلامنا وأحزاننا ونكباتنا.. ؟! لا لا لا أظن ذلك مطلقا بالنسبة للذين اكتووا بظلم هذا المحتل العابث وعانوا من ويلاته وخبروا أكاذيبه وتدليساته ومغالطاته على مدى أكثر من عشرين عام ، ففي هؤلاء أجمعين وهم غالبية الشعب الجنوبي من لُدغ من قبل المحتل بغير حساب وبنحو لم يُعد بالمستطاع تقبل أي لدغة جديدة حتى ولو اجتمعت دول المعمورة كافة لإقناعه ، لان الفيدرالية التي يسوِّق لها المحتل ليست ذلك المصطلح الذي قرأنا عنه في الكتب والصحائف .. إنها فيدرالية من نوع خاص يتفرد بها الاحتلال اليمني !! وإلى من لا يعرف عن فيدرالية المحتل نورد الآتي : إذا ما وافق أبناء الجنوب على الفيدرالية فيعني ذلك بكل بساطه أن حرب 1994م ليست غزو واحتلال وإنما هي حرب أهلية حدثت في وطن واحد وهذا يعني نفي كُلِّي للقضية الجنوبية بطريقة مريحة وتفريطاً بدماء آلاف الشهداء والجرحى الجنوبيين وعذابات المعتقلين . سيكون من المُستصعب جداً على أبناء الجنوب أن يجاهروا في وقت آخر بأنهم يرزحون تحت احتلال طالما وقد قبلوا بالفدرالية وبلا شك أن المحتلين سيشرِّعون ما يطيب لهم من القوانين التي تجرِّم التفوُّه بكلمة احتلال من قبل أي جنوبي وعندئذ ستكون كل الأبواب مؤصدة أمام أي نزوع جنوبي نحو الاستقلال . حتى لو كانت الفيدرالية مزمنة ومشروطة بإجراء استفتاء فأن النتيجة ستكون لصالح المحتل لأنه خلال فترة ما قبل الاستفتاء سيجند طاقاته للإخلال بالتركيبة السكانية من خلال مضاعفة الاستيطان في مدن الجنوب وبحيث تكون الغالبية من سكان الشمال وهنا ستكون وضعية الاحتلال مؤبدة على أبناء الجنوب وسوف يضِيع الجنوب بشعبه وتاريخه وهويته وثقافته . ليس ما نسوقه هنا عباره عن تكهنات وإنما هي مستلهمة من معطيات على غايه من الوضوح لكل ذي عقل وبصيره ، ولنا من التجارب الماضية مع هذا المحتل أبلغ العبر إذ ما من اتفاقيات سابقه معه إلا ونكثها ووظفها لصالحه وتذكروا جيدا كيف فعل بوثيقة العهد والاتفاق التي وقِّعت في عمان – الأردن التي أعقبها الاحتلال المباشر للجنوب قبل أن يجف مدادها ، ثم تفكروا كم عهود وكم وعود نكثها المحتلون حتى تلك التي قطعها أمام المجتمع الدولي لم تجابه بردة فعل عقابية لان المجتمع الدولي بطبيعته لا يراعي حقوق الشعوب وإنما يراعي مصالحة في المقام الأول ، فحيث مصلحته يتحدد موقفة ثم ان ما يفرض على الواقع يكون ميالا للتعاطي معه تماشيا مع مصالحه .. ثم هناك حقيقة ماثلة على الساحة الشمالية خبرناها منذ زمن وهي أن القوى المتصارعة عليها لا تنصر حقاً ولا ترفع مظلمة وإلى أن هذه القوى بطبيعتها المتخلّفة جدا مهما تصارعت وتقاتلت تبقى دائماً متحدَّة ومتعاضدة في مواجهة الجنوبيين الذين لم يجيدوا حتى الآن كيف يتحدوا للدفاع عن حقوقهم !! . وختاماً مهم التوضيح لكل الجنوبيين بأنه من المهم بل من المهم جداً أن يستمسكوا بقضيتهم مهما كانت جسامة تضحياتهم وأن لا يخذلوا رئيسهم الصامد علي سالم البيض الذي أبدأ موقفاً صلباً وشجاعاً تجاه قضية الشعب الجنوبي ، كما أن على الجميع أن يفهم وبصورة أكيدة أن محاكمة ماضي هذا الرجل على أخطاء كانت وليدة المتغيرات الدولية آنذاك إنما ستخدم وبشكل أكيد توجُّه المحتل الذي يسعى جاهداً لتشويه تاريخ هذا الرجل لعزله عن قيادة شعبه في هذا الظرف العصيب ليسهل تمرير ما يريد من خلال آخرين متذبذبين وجد فيهم ضالته.. فهل يرتقي الجميع إلى مستوى المسؤولية ويدرك جيداً ما يحاك لطمس قضيته إلى الأبد ؟! .