تطرح العمليات العسكرية التي يشنها التحالف المكون من عدة دول عربية وإسلامية منذ 26 مارس الماضي ضد جماعة أنصار الله الحوثيين باليمن، التركيز على قضية مصادر تمويل الحوثيين، باعتبارها ركناً هاماً في مدى واتجاه سير وتطور الحرب على مدار الأشهر المقبلة، وعلى قدر ما هو متوافر من معلومات، فيحدد لنا الخبراء والمراقبين أن مصادر تمويل الحوثيين تتنوع ما بين موارد داخلية وأخرى خارجية، وتعد إيران من أكبر الممولين للجماعة سواء بالعتاد العسكري أو الدعم المالي، فيما داخلياً، فيقوم تمويل الحوثيين على التبرعات والزكاة من الأتباع والجميعات الخيرية الموالية، بالإضافة إلى التجارة غير المشروعة (المخدرات وتحديدا القات)، وغيرها من المصادر الأخرى. ومنذ بدء شن العمليات العسكرية ضد الحوثيين، فقد نجحت قوات التحالف في إحكام السيطرة على المنافذ البحرية والجوية، بما قطع فرص التمويل الخارجي بنجاح، ولكن تبقى مصادر التمويل الداخلية كالتبرعات الأهلية والتحويلات المالية بحاجة إلى مزيد من الرقابة والسيطرة. وهذا، وإن كان في الوقت الراهن ما بالإمكان السيطرة عليها في ظل رخاوة مؤسسات الدولة، فإن هناك صعوبة فيما يتعلق تشديد الرقابة على النظام البنكي، وتفكيك المؤسسات والجهات الموالية للحوثيين. مصادر متعددة: تتعدد مصادر تمويل الحوثيين سواء داخلياً أو خارجياً، ولا يوجد حصر دقيق وشامل، لما يملكه الحوثيين من أموال أو أصول مادية، وإن كانت ظهرت بعض التقديرات غير الرسمية، التي حاولت تحديد التمويل الذي تتتلقاه الجماعة من الخارج، على وجه الخصوص. 1- مصادر خارجية: لما يملكه الحوثيين من روابط قوية بالشيعة بالمنطقة، سواء كانوا رجال ذو ثراء، أو مؤسسات وجمعيات شيعية، أو حتى من بعض الدول، فقد مكن الجماعة من أن تحوز على تمويل كبير من الجهات السابقة، وعلى صعيد الدول: قد منحت إيران على مدى ربع قرن دعماً مالياً يقدر بنحو 500 دولار للحوثيين، بحسب بعض التقديرات غير الرسمية. فيما أيضاً كان يتلقى الحوثيين دعماً من أطراف إقليمية أخرى قبل الثورة اليمنية في 2011، وقد وجه مسئولين سابقين في نظام علي عبدالله صالح اتهامات لنظام معمر القذافي بتمويل الحوثيين فيما من جهة أخرى تعتبر التبرعات مصدراً هاماً للتمويل الخارجي، ويتلقى الحوثيين دعماً مالياً من دعم من رجال الأعمال الشيعة في عدد من دول المنطقة، كما يتلقون أموالاً من الجمعيات والهيئات الشيعية بالخارج. 2- مصادر داخلية: وتلعب التجارة غير المشروعة، أيضاً دوراً مهماً في تمويل الحوثيين، وتشير تصريحات يمينة لوزير الداخلية اليمني الأسبق، رشاد العليمي، ثبوت تورط الحوثيين بعمليات تهريب للمخدرات، ولا يمكن تجاهل التبرعات الداخلية كأحد أهم الموارد الدائمة لتمويل الجماعة، سواء كانت في صورة زكاة أو صدقات من أتباع والمواليين الحوثيين، أو في إطار التبرعات التي تحصل عليها الجمعيات الخيرية التابعة لهم، بالإضافة لما يتحصلون عليه من نذور ووقوف. وفي هذا السياق، حاول الحوثيين منذ بداية العمليات العسكرية لقوات التحالف في توظيف الموالين لتعبئة الموارد المالية، ومع إعلان حالة التعبئة الشعبية من قبل عبد الملك الحوثي، حثت الجماعة الموالين على التبرع للجماعة بالحسابات البنكية التابعة لها بإحدى البنوك اليمنية. فيما، توجه اتهامات للميليشيات الحوثية عقب سيطرتها على العاصمة صنعاء منذ سبتمبر الماضي، في نهب أموال المؤسسات الحكومية والخاصة، ويدعي بعض المراقبين سيطرة الحوثيين على أموال طائلة تقدير بملايين الريالات اليمنية من البنك المركزي بصنعاء وأمولاً أخرى من المؤسسات الحكومية. واللافت في ظل السياق السابق، بالرغم من أن القبائل المحلية المسلحة بالمحافظات الغنية بالنفط (مأرب، شبوة، حضر موت) مازالت تؤمن بقوة إلى الآن أنشطة الإنتاج والتصدير للشركات النفطية، ولكن قد يضع اقتراب الحوثيين من الجنوب، بل اشتداد المعارك العسكرية بعدن وغيرها من المدن الجنوبية، أن تصبح الحقول النفطية أحد أهداف الحوثيين، الأمر الذي إذ نجحو في السيطرة على حقول النفط، أن يغير معادلة التمويل كليةً. تحجيم التمويل: جاءت الضربات الجوية للتحالف، الذي تقوده السعودية ضد الحوثيين، في تحجيم مصادر تمويل الحوثيين الخارجية، لاسيما مع السيطرة على المنافذ البحرية والجوية: 1- المجال الجوي: نجحت الضربات الجوية التي يشنها التحالف على عدة مواقع بصنعاء وغيرها من محاظفات اليمن في منع وصول طائرات إيرانية إلى المقاتلين الحوثيين، وتشير تصريحات لمسئولين يمنيين أن الحملة العسكرية منعت استمرار الخط الجوي القادم إيران، والذي كان يزود الحوثيين بعتاد عسكري وأموال. 2- المنافذ البحرية: أعلنت القيادة العسكرية منذ بدء عملية عاصفة الحزم حظر اقتراب السفن من الإقتراب من الموانىء اليمنية، وتزامن ذلك مع قيام قطع بحرية تابعة للتحالف بمراقبة الموانئ اليمنية، وإغلاق الموانيء البحرية الرئيسية، وهي (عدن والمكلا والمخا والحديدة)، لتقطع بذلك تلك الإجراءات الإمداد العسكري للحوثين عبر البحر، أو إمدادهم بالأموال. 3- تجميد الأموال: قبيل بدء الضربة الجوية، مدد مجلس الأمن العقوبات المفروضة على كل من الرئيس السابق علي عبدالله صالح، وشقيق زعيم الحوثيين عبد الخالق الحوثي والقائد الميداني للحوثيين أبو علي عبد الله الحاكم، لمدة عام آخر، وذلك وفق لقرار مجلس الأمن قراره رقم 2041 في فبراير 2014، والذي يقضي بتجميد أموالهم ومنع السفر، نظراً لتورطهم في الأعمال المعرقلة للمرحلة الانتقالية وتهديد أمن واستقرار اليمن. 4- إحكام التحويلات والتبرعات الخارجية: شددت عدة دول بالمنطقة رقابتها وسيطرتها على حركة أموال اليمنيين المقيمين بها، من أجل منع وصول أي تمويلات مشبوهة للحوثيين، وفي هذا الصدد، أدانت محكمة سعودية مؤخراً يمنياً قام بدعم الحوثيين بالمال وجمع التبرعات لهم، وحكمت بالسجن 20 سنة وتغريمه 5 ملايين ريال سعودي. ويعد تجفيف منابع التمويل الخارجية أحد الوسائل الهامة لقطع تمويل الحوثيين. إجراءات قاصرة بالرغم من نجاح العمليات العسكرية في حصار مصادر تمويل الحوثيين عبر السيطرة على المنافذ الجوية والبحرية، ومنع أي اختراقي خارجي للبلاد، إلا منع الوصول تماماً إلى التمويل يحتاج لخطوات موازية، ولاسيما لإحكام السيطرة على مصدر التمويل الداخلية خلال الأشهر المقبلة، على النحو التالي: 1- تشديد الرقابة على القطاع المصرفي: يتطلب تحجيم تمويل الحوثيين الرقابة والسيطرة على الحسابات البنكية التي يمتلكها الحوثيين بالبنوك المحلية ليس فقط، وإنما من الضروري تجميد الأصول المالية للجماعة بالبنوك المحلية، ولاسيما أن الحوثيين في أعقاب السيطرة على العاصمة صنعاء سبتمبر الماضي، نجحوا في فرض سيطرتهم على عدد من المؤسسات المالية (كبنك التسليف التعاوني والزراعي)، وهو ما يقتضي إيقاف شبكة التعاملات المالية مع البنوك الموالية للحوثيين. وجدير بالإشارة أن الجماعة أعلنت عقب بدء العمليات العسكرية تلقيها التبرعات على حسابات بنكية بالبنك السابق ذكره. 2- تطبيق عقوبات رادعة: في ظل رخاوة مؤسسات الدولة اليمنية في الوقت الحالي، يبدو من الصعب تطبيق عقوبات رادعة على ممولي الجماعة، حيث تعيش المؤسسات اليمنية الحكومية حالة من التخبط والفوضي، ولكن خلال الأشهر المقبلة يتطلب الأمر، مع عودة الهدوء السياسي، إقرار عقوبات على كل من الأفراد والمؤسسات المتورطة في تمويل الحوثيين. 3- تأمين الحقول النفطية: مع امتداد المعارك إلى المناطق الجنوبية بين مسلحي الحوثيين والقبائل المحلية، والتي طالت بعض المناطق القريبة من الحقول النفطية، فثمة تقديم مزيد من الدعم اللوجستي والعسكري للقبائل أمراً ملحاً، لمنع أي سيطرة للحوثيين على مصادر الثروة النفطية. 4- تجميد أموال وأصول الحوثيين: على الرغم من تأييد مجلس الأمن لتجميد أصول وحظر السفر لبعض الشخصيات اليمنية داخليا وخارجياً، فقطع التمويل محلياً لن يتأتى فاعليته المنشودة دون تجميد أموال الحوثين البنوك المحلية، وتفكيك الجمعيات الخيرية المتورطة في تمويلهم. 5- دعم الوسائل الإعلامية: يمكن للأجهزة الإعلامية أن تقوم بدور مساند في قطع تمويل الحوثيين، من خلال بث رسائل مستمرة تحظر وتحذر من تمويل الحوثيين في عملياتهم العسكريين ضد قوات التحالف. وخلاصة القول، فعلى الرغم من نجاح عاصفة الحزم في إحكام السيطرة على المنافذ البحرية والجوية، بما منع نفاذ أي تمويل خارجي للحوثيين، إلا أنه مازال بحاجة إلى اتخاذ مزيد من الإجراءات الداخلية لتحجيم مصادر التمويل الداخلية.