ما يحدث في حضرموت حقيقة عصي على الفهم والإدراك، بداية من سقوطها بيد القاعدة والمآسي التي انهمرت فوق رؤوس الجميع في الساحل وبالذات مدينة المكلا، من نهب المال العام إلى الانقطاع الطويل الأمد للتيار الكهربائي، وفساد المجلس الأهلي، وتفشي ظاهر السوق السوداء لبيع الديزل والبترول تحت أنظار إدارة ماتعرف بالحسبة، وما نتج عنها من أزمات خانقة في الوقود والمشتقات النفطية وغلاء جنوني في الأسعار.. حتى داهمنا إعصار تشابالا ودمر أشلاء البنية التحتية في المكلا وضواحيها، وقطع الماء عنها لمدة تجاوزت الأسبوع، وفضح القائمين عليها وكشف مدى عجزهم وقلة حيلتهم وبراعتهم فقط في استدرار الأموال بطريقة مشروعة أو غير مشروعة. أهالي حضرموت وبنسب متفاوتة "ساحلا وواديا" يشعرون بأنهم تعرضوا للخذلان من دول التحالف العربي، وقبلهم السلطة المحلية وحكومة خالد بحاح، طبعا كلمة (خذلان) البعض قد يرى انها دبلوماسية أكثر من اللازم، ومنهم من قد يجزم ان توصيف (مؤامرة) هو الأدق والأكثر شمولية للوضع العام السائد في حضرموت اليوم، إن لم يكن (الانتقام) من أبنائها لتبنيهم مواقف موغلة في القدم أو حتى انية لست في صدد ذكرها أو استعراضها الان.. كانت ومازالت مرتبطه بأرث اجتماعي أو التمسك بنهج ديني معتدل لا يجنح للغلو والتطرف. المصيبة أن فصول المسرحيات الهزلية في حضرموت لم ولن تقف عند هذا الحد.. بالأمس فقط توعد تنظيم داعش في شريط فيديو مصور قاعدة اليمن بالويل والثبور وعواقب الأمور لان قيادتها في حضرموت متهمة بموالاة الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي، الله أكبر. لم يتسنى لنا أن نستوعب صدمة هذا التهديد ونحاول التحقق من مصدره ونواياه، حتى جاءت غزوة "شبام المباركة" التي اوقعت عشرات الجنود قتلى وجرحى وعرضت مباني اثرية للتشقق والانهيار. بدأنا في مرحلة (تعويم) الشك في كل من حولنا ومن يدعي أنه يقف إلى جانبنا، أول اسم قفز للواجهة في ظل هذه الأحداث والتطورات هو القائد العسكري عبدالرحمن الحليلي؛ فجنوده في المنطقة العسكرية الأولى أيضا قاموا في الأيام الأخيرة بتحركات استفزازية مريبة، احتلال مساجد وتحويلها لقواعد عسكرية فوق مبانيها منصات مضادة للطيران. وعاد السؤال القديم الجديد يتداول مرة اخرى على نطاق واسع: الحليلي الذي أعلن تأييده لشرعية هادي.. مع من وضد من؟، معنا ولا علينا. ضدهم أو متحالف معهم؟. الإجماع يشير بأن الرجل يعمل لمصلحته عادة.. براجماتي أصيل حضرته ولو كان قائد عسكري كبير، لكن في اليمن كل شيء جايز ووارد ومعقول!. وقد يكون حن لأصله وفصله!، أو يطمح ليزيد غلة أرباحه في ظل الانباء التي تحدثت عن صرف السعودية مبلغ خمسة مليار ريال سعودي لهادي لشراء ولاءات مشائخ وقادة عسكريين محسوبين على المخلوع صالح. ولو سلمنا بالخيار الثاني فيمكنا إذا تفسير تكرار عمليات استهدافه من تنظيمات إرهابية مرتبطة بصنعاء في محاولة لتوريطه في مواجهة تفتح باب الجحيم ليس عليه وحده هو ورجاله وأنما على حضرموت ككل. وبالتالي مشاغلة قوات التحالف وجرها لساحة حرب أخرى تخلط أوراقها المبعثرة أصلاً وتربك حساباتها المعقدة، خصوصا مع عودة هادي للعاصمة عدن واشتعال جبهات القتال في تعز. حقائق كثيرة كشف عنها الوضع الكارثي الذي يعاني منه كل من في حضرموت منذ أكثر من ثمانية اشهر، حيث يعتقد البعض أن هدوءها النسبي جعلها ك(رقم) لا تشكل أهمية أو أولية لدول التحالف والحكومة اليمنية، على الرغم من موقعها الاستراتيجي المهم وثرواتها التي لا تنضب. كما أن صرخات الاستغاثة التي يطلقها القاطنين بداخلها لا يسمع لها أي صدى جدي لا في الرياض أو حتى في عدن. الان ربما يتم الالتفات نحو حضرموت قليلاً بعدما يستشعر الجميع الخطر، ويدرك أيضا أن توقيت عمليات داعش وتهديداتها للقاعدة يهدف بالدرجة الأساس لانقاذ ما يمكن إنقاذه في تعز وصنعاء.