الثقة التامة بالنفس تتطلب جوانب عدة من المعرفة والعلم واتضاح الرؤية والهدف، وبالتالي عندما تكون بين يديك مثل هذه الأدوات فأنت لن تكون بحاجة إلى من يأتي ويعطيك آراء مؤيدة، أو أن يمتدح مسيرتك واستراتيجياتك، أو أن يشيد بخططك ومنجزاتك، أو أن يوجه نحوك نقداً لاذعاً وقاسياً، ففي كلا الحالين، تدرك أن نجاحك وإخفاقك أنت الوحيد المعني بهما، وأنت الوحيد الذي ستحصد النتائج المثمرة الجميلة أو ستجد الواقع السيئ ماثلاً أمامك بكل قسوة.
عادة بلادنا (المملكة)، وكثير من أبنائها وبناتها، أنهم على ثقة بالنفس، مع ترحيب بأي نقد بناء مفيد يقوم المسيرة ويدفع بك نحو الرقي ومزيد من الإنجازات، أما كلمات التقليل ومحاولة النيل من المنجزات، وتغليفها بطابع الناقد المحب، فهذا تدمير غير مقبول، تجاوزناه منذ أمد، فلا يمكن أن تسمح بتمريره لأنه يهدد أهم خصلة وهي العمل الجاد المتقن.
أستحضر مقالة الكاتب الأميركي توماس فريدمان، خلال حديثه عن المملكة، بعد زيارته إلى الرياض لبضعة أيام، بعنوان: رسالة من السعودية، ونشرت في نيويورك تايمز. كانت تحمل الإيجابية عن مجتمع متحمس ومتطلع للمستقبل بتحفز وتحدٍ، وبلاد تدفع الغالي والرخيص لبناء إنسانها، وتواجه في مسيرتها كثيراً من الأشواك والعقبات، وعلى رغم هذا لم تتوقف أو تتراجع، بل إن مسيرة التحديث والرقي متواصلة. الكلمات التي دونها الكاتب فريدمان، تنم عن دهشته من قدرة شعب تمكن خلال سنوات، تعد في عمر الأمم والشعوب قليلة، من الاستمرار في العمل والتطوير والتحديث، ويقف على رأس هذه العملية الجوهرية في البناء وتركيز أعمدة وثوابت العدالة والمساواة، قيادة شابة تحدث عنها الكاتب.
يقول في بداية مقالته: «المملكة العربية السعودية هي الدولة التي يسهل الكتابة عنها عن بُعد». وهذا بالفعل ما يحدث دوماً، وهو صحيح 100 في الم ئة، وهو السبب نفسه، الذي جعل السيد فريدمان في مناسبات ماضية، ومعه كثيرون يكتبون من دون معرفة، ومن دون أي تقصٍ ودرس لواقع بلادنا، وعندما قرر فريدمان، الاقتراب والزيارة، وجد ما أذهله، وما يجهله، لكن قدومه لم يكن إلا لرؤية ما يعتبر حقيقة راسخة في ذهنيات بعض الأميركيين والغربيين عن المملكة، وأنها مصدرة للإرهاب والإرهابيين، هو نفسه ذكر هذا في مقالته، عندما قال: «أتيت إلى هنا في الأسبوع الماضي؛ لكي أبحث عن بعض التلميحات عن جذور الدولة الإسلامية، التي ضمت 1000 شاب سعودي ضمن صفوفها». ببساطة متناهية هو جاء لرؤية «داعش»، ولو سلمنا بصحة هذا الرقم الذي ذكره عن السعوديين المنضوين تحت هذا الفصيل المتطرف الإرهابي، ألا توجد دول أخرى، البعض من أبنائها بعشرات الآلاف في صفوف الإرهاب؟ على رغم سعادتي بكلمات السيد فريدمان وترحيبي بها، إلا أنني دائماً أقول إن بلادنا وقادتنا أعلى وأسمى من عامود صحافي هنا أو هناك، مهما كان كاتبة. لم يسطر السيد فريدمان سوى مشاهدات طفيفة عن الورشة التنموية التي تخوضها بلادنا، في الوقت الذي يعاني العالم برمته من تدني أسعار النفط، إلا أن مشاريعنا مستمرة، وجيشنا يخوض معركة في صف الشرعية ولدعم الأشقاء في اليمن، تحت مظلة القانون الدولي.
أعود للسيد فريدمان، الذي على غير عادته، كتب إيجابياً عن بلادي، والسبب أنه اختار هذه المرة الموضوعية والدقة، اختار الحضور إلى السعودية والتأكد من صحة مسلماته، قبل أن يكتب كلمات مجحفة عن شعب وأمة عريقة أسمها المملكة العربية السعودية، هذا الحضور والالتقاء بالناس عن قرب هي التي منحته الفرصة لمقابلة شبان وفتيات يتقدون ذكاء ونبوغاً وفكراً وإلهاماً وتميزاً، تحت قبة مركز الملك سلمان للشباب، وللسيد فريدمان، وغيره من الصحافيين، لا نريد دائماً إلا تطبيق أخلاقيات ومعايير الصحافة الدولية النزيهة، ومنها التأكد من صحة المعلومة من مصدرها قبل الكتابة. أقول هذا لمن يريد أن يرى الحقيقة المشرقة لنا، وأما من لا يستطيع أن يرى، لهدف في نفسه، فلن يراها وإن كانت واضحة وجلية أمامه.