قليلة جداً البرامج التلفزيونية التي تأتينا من كوريا أو عنها. لذا فإنّ البرامج التي تغطي جانباً من الحياة فيها تلفت انتباه الجمهور الباحث دوماً عن نوعية البرامج الوثائقية النادرة. وفي هذا السياق، يأتي الوثائقي «بشرة بيضاء مثل الثلج» ضمن جولته في القارتين الآسيوية والأفريقية ليحمل بعض المفاجآت عن الآسيويين والأفارقة. فمن غير الشائع عن الشعب الكوري هوسه بعمليات التجميل وتبييض البشرة على رغم لون بشرته الفاتح نسبياً لكن يبدو أن النموذج الجمالي الأوروبي «المثالي» ما زال راسخاً في الثقافة المحلية الآسيوية ويُغذي باستمرار الذهنية الكورية. ويقول طبيب التجميل يانغ في هذا الإطار: «الناس في كوريا يفضلون الظهور مثل الغربيين ويحبون أن تكون وجوههم متقاربة على ما هي عليه عندهم: عيون كبيرة مفتوحة، أنف دقيق وفك مدبب قليلاً. والحقيقة أن كثيرين من مرضاي يعانون من عقدة نقص واضحة إزاء الغرب ونموذجه الجمالي». في عيادته يلتقي الوثائقي التلفزيوني شابة يابانية تقيم في سيول أثناء تهيؤها لإجراء عملية تصغير الفك بعد قيامها بعمليتين سابقتين للعينين والأنف. وهي تبرر ذلك بقولها: «إذا أراد المرء أن يكون جميلاً في كوريا واليابان فلا بد أن يكون وجهه صغيراً ويشبه الأوروبيين. فالمظهر والشكل الأوروبي يفتحان أبواباً واسعة للحصول على فرص عمل جيدة ومكانة اجتماعية مرموقة». يراجع الوثائقي تاريخ عمليات التجميل في كوريا ويجد أن ظهورها اقترن بوجود الجيش الأميركي في البلاد خلال الحرب الكورية في خمسينات القرن العشرين وأن عمليات التجميل والتفتيح كانت تقريباً محصورة ببائعات الهوى، ولكن مع الوقت بدأت بالاتساع لتشمل كل الفئات الاجتماعية. وفي وقتنا الحالي تعد كوريا الجنوبية من بين أكثر دول العالم إجراءً لعميات التجميل حيث بلغت نسبة النساء اللواتي قمن بها أكثر من خمس عددهن في المجتمع وأكثر من هذه النسبة بين مستخدمات كريمات تفتيح البشرة، التي تلعب شركات بيعها دوراً في نشر تلك الثقافة وفي شكل خاص في شرق آسيا، مما دفع بعض سكانها للوقوف بالضد من نشر الثقافة الجمالية الغربية والترويج لفكرة «الأبيض هو الأفضل». ومن بين هؤلاء التايلاندية بو ماهاتان التي يعاني طفلها من التمييز بسبب سمار بشرته. «يقول لي الناس في الطريق عندما أكون مع طفلي: آه كم هو جميل ولو كانت بشرته بيضاء لكان أجمل بكثير!». تُنظم ماهاتان مع مجموعة من النشطاء الآخرين حملة توعية بالآثار السلبية الناتجة من تقديم النموذج الغربي كمثال أعلى «لا يتوقف صراخ المُروجين لها ليل نهار، فتسمع في كل مكان تكون فيه ذات العبارات: «الأبيض أنقى، أحسن، أذكى، أجمل، أما الكفاءة والمعرفة فلا يأتي أحد على ذكرهما». من بين المتحمسات للعمل ضمن المجموعة الناشطة عبر وسائل التواصل الاجتماعي مقدمة البرامج التلفزيونية لاكانا بونغيشاي التي لا تُحيل أسباب هوس الناس بالبياض إلى الثقافة الاستعمارية فحسب، بل إلى النظرة «الجمالية» الصينية التي سبقتها وترسخت عبر قرون من خلال نفوذ الطبقات التايلاندية الحاكمة المنحدرة من أصول صينية بيضاء البشرة ولهذا اقترن لونهم بالسلطة والمجد». في القارة الأفريقية تبييض البشرة يطغى على عمليات التجميل. والنساء، على وجه الخصوص، يطلبن اللون الفاتح ويفضلنه على ألوانهن الأصلية لأسباب قريبة لما ذكره الآسيويون، أي قبول أكبر اجتماعياً وفرص عمل أحسن، مع كل ما في ذلك من مفارقة صارخة تتجلى بوضوح في المقابلات التي أجراها البرنامج في جنوب أفريقيا، البلد الأكثر تضرراً من سياسة التمييز العنصري على مدى قرون. في جوهانسبورغ قابل البرنامج شابة اسمها ايلي ماتيكزيلا تستخدم كريمات التفتيح منذ أكثر من خمس سنوات وتصر على الاستمرار فيها، وتقول: «لاحظت فرقاً كبيراً خلال استعمالي كريمات التفتيح وأنا مرتاحة لذلك وأشعر نفسي أكثر جمالاً من قبل». وللتعرف إلى نظرة المجتمع حول ميل النساء إلى اللون الأبيض، أجرى الوثائقي مجموعة لقاءات سريعة في شوارع المدينة. وعلى رغم تباينها، يبقى المشترك بينها رغبة غالبية الشابات الجنوب أفريقيات بامتلاك بشرة بيضاء. هذه الرغبة تفسرها طبيبة الأمراض الجلدية نوري موتي «بعقدة البياض المتأثرة بوجود الأبيض بيننا لقرون». ولكن ما يهمها أكثر هو المخاطر الجسيمة الناتجة من استخدام كريمات تفتيح تضر البشرة وتسبب أمراضاً سرطانية، فإن «معظم الكريمات المباعة في المحلات غير مجازة طبياً ولا تتوافق مع المواصفات العالمية لاحتواها على مواد كيماوية ممنوعة تتلف البشرة وتسبب حروقاً مزمنة فيها». لكنّ تحذيراتها لا تلقى استجابة من مستخدميها الذين يتكاثرون على رغم تأكيد معظم من التقاهم الوثائقي على أنه سلوك متأثر بفكرة «تفوق الجنس الأبيض» العنصرية. وبحسب الإحصاءات ثمة 59 في المئة من نساء توغو يُقبلن على شرائها و77 في المئة من النيجيريات لاعتقادهن بأن الأفضلية في كافة مجالات الحياة للأشخاص الأكثر بياضاً.