يحق للمرأة الجنوبية الفخر ، ويحق أيضا للمجتمع الجنوبي الفخر أنه سبق - لن أقول دول عربية ، بل - دول أوروبية كثيرة في إنصاف المرأة ومنحها حقوق سياسية لم تمتلكها نظيراتها من الأوروبيات . في سياق بحث قدمه الكاتب لأحد الأكاديميات السويسرية تحت عنوان " الكفاح المرير من أجل حق المرأة السويسرية في الانتخاب" لفتني وبقوة من خلال بحثي إشارة صحف سويسرية بارزة وكتب للمرأة في جنوباليمن وحصولها على حق الانتخاب قبل نظيرتها في سويسرا.! كان ذلك في إطار النقد الذي وُجِه أنداك للحكومة السويسرية الذكورية.
حتى قبل عقود قليلة كانت المرأة في أوروبا لا تقل تهميشا وإقصاءا ونظرة دونية من مثيلاتها في دول عربية عديدة. ففي سويسرا مثلا لم يمنح قطاع الذكور - وهم السلطة المطلقة في الدولة منذ تأسيس سويسرا الحديثة – المرأة السويسرية حقها في الانتخاب والترشح حتى العام 1971.
سويسرا هي آخر بلد أوروبي تمنح فيه المرأة هذا الحق على المستوى الاتحادي في 71 ، بل أن ولاية ابنتزل فيها هي آخر ولاية في سويسرا استمرت في رفض منح المرأة هذا الحق حتى العام 1990.! ويا للغرابة هذا التاريخ هو نفسه الذي قتلت فيه أحلام الشعب الجنوبي وأبيدت فيه حقوق المرأة (عام الوحدة).
لأكثر من مئة عام وحتى سبعينيات القرن الماضي ظلت النخبة السياسية الذكورية في سويسرا تنظر للمرأة السويسرية على أنها مجرد "أم" و "ربة منزل" لا يتجاوز دورها ذلك ، بل لا يحق لها أن ترفض قرارا في الدولة فضلا عن أن تصنعه. هذه النظرة السطحية للمرأة التي تشبه النظرة السائدة حاليا كثيرا في مجتمعاتنا العربية، صنعت ما يمكن تسميته داخل سويسرا "ثورة" ، انطلقت مع بدايات القرن العشرين كافحت فيه المرأة بشراسة منقطعة النظير لانتزاع حقها في الانتخاب والترشح في الدولة مثلا بالمثل كنظيرها الرجل. هذه الثورة التي استمرت قرابة تسعين عاما خاضتها نقابات واتحادات نسوية يسارية وبدعم من الأحزاب اليسارية ك الديمقراطي الاشتراكي.
لم يكن هذا الكفاح سهلا ولا مفروشا بالورود ، فقد اصطف بالمقابل قطاع من النساء المحافظات التي توجهها سلطة الرجال في الأحزاب اليمينية والدينية بوجه ثورة المرأة التي طالبت بحقها في الانتخاب. وخرجت نساء ومنظمات سويسرية مختلفة تحذر وتهول من خطورة وكارثة انخراط المرأة في السياسة بمبررات واهية كانت تتركز حول "دور الأم" ودمار البنية المنزلية وتعرضها للاختلال. (مرفق صورة لاحد اللافتات الإعلامية التي ترفض هذا الحق وعليها كتب "دعونا خارج اللعبة ، لا .. لحق المرأة في الانتخاب".
بالمقابل تقول إحداهن وهي تلقي خطابا بمتظاهرين قدموا من مختلف الولايات السويسرية أمام المقر الاتحادي السويسري في برن في العام 1969 في إطار الضغط على سلطة الرجال لمنحهن حقوقهن السياسية" لنرى كيف سيفعلون.! دعوا رجالنا يمسحون أحذيتهم بأنفسهم، يغسلون ثيابهم بمفردهم ويطبخون طعامهم." ، ثم تهتف أخرى "هل تثقون في النساء؟ حَقُ المرأة يعني حَقُ الإنسان".
بعد انقضاء ستة أشهر منذ أن شهدت سويسرا يومها التاريخي في 7 فبراير 1971 بإقرار حق المرأة في الترشح والانتخاب بنسبة تصويت ايجابية بلغت ثلثي المصوتين الذكور، استطاعت اثنا عشرة امرأة من الدخول ولأول مرة إلى المجلس الاتحادي الذي ظل عقود طويلة قصرا محصورا على الرجال وعينت احداهن وزيرة في الحكومة الاتحادية. ومنذ ذلك الحين استطاعت المرأة أن تلعب دورا فاعلا في نهضة سويسرا وساهمت في تغيير كثير من القناعات وشاركت ولا تزال بحماس كبير في قضايا الأمة السويسرية ، وتقلدت منصب الرئيس لأكثر من مرة.
الخلاصة : على المرأة الجنوبية أن تحمي حقوقها المكتسبة، وألا تخضع لتبعات التهميش الذي تعرضت له منذ احتلال الجنوب من قبل قطعان التطرف الديني الشمالي. ان انتزاع الحقوق ليست عملية سهلة، والحفاظ عليها تتطلب الكثير من الكفاح والمواجهة. * كتب/ إياد الشعيبي - زيورخ