يحاصر الحوثيون أنفسهم هذه الأيام بالهزائم العسكرية، بعد أن أصبحت قوات الشرعية اليمنية تضغط عليهم بالتقدم على مشارف صنعاء، كما حاصر الحوثيون أنفسهم بالفشل السياسي بعدم اقتناصهم فرصة التفاوض مع الشرعية للوصول إلى حل ملائم غير الاستمرار في حربهم العبثية بالنيابة عن طموحات إيران، وبدلاً من ذلك قرروا الاستمرار في حربهم الطائفية ومواصلة الانقلاب ضد الشرعية، فيما حالوا شرعنة الانقلاب دون جدوى أو اعتراف بمغامرتهم التي استغلها المخلوع «صالح»، محاولاً العودة للحكم من وراء ستار. وبطبيعة الحال عندما تفشل السياسة تعود لغة الحرب، وهذا ما يجري في اليمن عقب فشل الجولة الأخيرة من مفاوضات الكويت بين الشرعية والانقلابيين، نتيجة لتمسك أنصار الحوثي بالمماطلة والتعنت وعدم السماح بالتقدم خطوة واحدة على طاولة التفاوض. كان حوار الكويت فرصة للاتفاق على وقف الحرب ولجم الفوضى والترتيب لعودة سلطات الدولة الشرعية لمهامها، بعد أن تسبب الحوثيون في ازدهار جماعات «القاعدة» و«داعش» وغيرهما، وأشعلوا فتنة طائفية يتطلب إخمادها استعادة الاستقرار وبسط نفوذ الدولة على كل المحافظاتاليمنية، لكنهم ذهبوا بالتوازي مع آخر جلسات مشاورات الكويت إلى خطوات انفرادية، بهدف شرعنة انقلابهم، وقدموا صورة مرتبكة عن جماعتهم، تعكس تخوفهم من أي نتائج منطقية كان يمكن أن يفضي إليها لقاء الكويت.
يعرف الحوثيون أن عودة السياسة إلى اليمن بدلاً من الحرب ستضعفهم وتلزمهم بمسار سياسي يقوض انقلابهم على الحكم بالقوة. ومثل كل الجماعات المسلحة التي تخشى السلم الأهلي والسياسة، يواصل الحوثيون تجميل العنف والتبرير له في أوساط أتباعهم، وإضافة إلى نيتهم المسبقة في إفشال مفاوضات الكويت، قاموا بخطوتهم الانفرادية مع شريكهم المخلوع «صالح»، وأعلنوا ما أسموه بالمجلس السياسي الذي ولد ميتاً وغير شرعي، وأشهروا من خلاله التحالف العلني بينهم وبين بقايا قوات المخلوع، بوصاية إيرانية مكشوفة. وبحسب متابعين، فقد ظهر التدخل الإيراني عبر فرض طهران اسماً قيادياً قبلياً شهيراً بموالاته لها، تم إدراجه ضمن لائحة المجلس المزعوم بطلب إيراني، وهو يقيم منذ عامين في ضيافة «حزب الله» اللبناني ويدير إحدى وسائل إعلام الحوثيين في بيروت. ومعلوم أن قرار جماعة الحوثيين ليس بأيديهم، إنما يصغون للإملاءات الإيرانية التي تورطهم وتجعلهم يراوحون مكانهم في كل جولات التفاوض، بدءاً بجنيف وانتهاءً بالكويت. وفي خطابهم الإعلامي استعارات مباشرة من الأسلوب الإيراني القائم على استعداء الجميع وإيهام الجمهور بتحويل الهزائم إلى انتصارات، والهروب المتعمد من أي مسار سياسي يفضي إلى حل عملي. لا يملك الحوثيون للتغطية على فشلهم السياسي وتعنتهم إلا ترديد الشعارات والمراهنة على التمترس في أوساط المدنيين، ويبدو أن عودة لغة الحسم العسكري بعد فشل جولة مفاوضات الكويت فرضت نفسها على الحكومة الشرعية وعلى دول التحالف العربي، ولا ننسى أن دول مجلس التعاون الخليجي بذلت جهوداً عديدة لإعادة الاستقرار وتدشين مسار سياسي آمن يجنب الشعب اليمني الفوضى والعنف وغياب الدولة، بدءاً بالمبادرة الخليجية التي رعت ترتيب الانتقال السياسي إثر انهيار نظام «صالح»، مروراً برعاية أممية وخليجية لمؤتمر الحوار اليمني الذي انقلب عليه الحوثي، وانتهاءً بدعم جولات التفاوض بين الحكومة الشرعية والانقلابيين في جنيف ثم في الكويت أخيراً، إلى جانب جهود عسكرية بذلتها دول الخليج لدعم قوات الشرعية اليمنية، وما تخلل ذلك من دعم إغاثي وإنساني لم ينقطع، لكن الانقلابيين يصرون على تحويل اليمن إلى حديقة خلفية لإيران في قلب الجزيرة العربية، بهدف استنساخ تجربة «حزب الله» اللبناني على حساب الحكومة الشرعية. وفي المحصلة النهائية لا تهتم إيران إذا ما تم تعطيل وجود الدولة اليمنية وإضعاف جيشها كما يحدث في لبنان، وكما يحدث في العراق من تعميم للفوضى وازدهار للمجموعات الإرهابية والطائفية المسلحة. وإذا ما واصل الانقلابيون تعنتهم وتهربهم من المسار السياسي، سيبقى خيار الحسم العسكري في الواجهة.