مازال وضع العملة يتدهور يوم بعد يوم في ظل استمرار غياب الرؤى الاقتصادية الشاملة للحكومة في معالجة ألازمة والسيطرة على تبعاتها الموجعة للمجتمع جراء التضخم و تراجع القوة الشرائية للريال .استمرار ضعف الأداء الاقتصادي وتراجع مساهمة القطاعات الحيوية في الناتج المحلي الإجمالي اثر بشكل كبير على أداء الميزان التجاري و ميزان المدفوعات وسبب زيادة حادة في أسعار الصرف و تراجع لقيمة الريال أمام العملات الأجنبية . الحكومة حتى الآن تؤكد ان السبب الرئيسي للمشكلة يرجع الى استيلاء المتمردين الحوثه على البنك المركزي وعلى احتياطاته من العملة (5.4مليار دولار) وهذا سبب منطقي ونتفق معه كون تلك الاحتياطات كغطاء نقدي كانت تؤمن إلى حد كبير استقرار نسبي لقطاع التجارة الخارجية فيما يتعلق بتامين الواردات من المواد الأساسية للبلاد و للطلب الحكومي و بالتالي أوجدت استقرار نسبي للريال في سوق الصرف ، بيد أن هذا الطرح لا يعفي الحكومة من مسؤولياتها في وضع خارطة طريق استثنائية للملمة شمل الاقتصاد المتهالك بفعل استمرار الحرب و توجيه جهودها صوب اعتماد سياسات اقتصادية طارئة تواكب طبيعة الظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد. الانكشاف الاقتصادي الحالي واختلال الميزان التجاري ( حجم الصادرات للواردات ) أصبح يمثل عبئ كبير على ميزان المدفوعات في ظل تراجع عائدات الدولة من العملة الصعبة و من التحويلات و المنح و الهبات الخارجية ، الأمر الذي دفع و سيدفع مستقبلا الى مزيد من التعقيد في أوضاع السوق وبالتالي إلى مزيد من الارتفاعات في أسعار الصرف للريال أمام العملات الأخرى لتغطية فاتورة الواردات فيما إذا ظلت الحكومة و أدواتها المالية و النقدية مشلولة او غائبة. تحسن الأوضاع الأمنية و بسط الحكومة الشرعية سيطرتها على كل المحافظات الجنوبية والشرقية و محافظة مأرب و معظم محافظة تعز تقريبا كان ينبغي ان يعطيها أفضلية في إدارة الملف الاقتصادي في المناطق المحررة. باعتبار ان هذه المناطق تمثل ثقل اقتصادي كبير و معظم مواردها تحت سلطة الحكومة الشرعية وكان يمكن لهذه الموارد ان تلعب دور لا يستهان به في تامين مصادر تمويل للحكومة في إطار خطة اقتصادية طارئة . لكن من الواضح ان الحكومة لم تستثمر هذه الفرصة بشكل فاعل و لم يحظ الملف الاقتصادي بالنصيب الأوفر من اهتمامها - رغم الجهود المبذولة - وتركز اهتمامها "أي الحكومة" في كيفية توفير السيولة و لجئت الى الإصدار النقدي على المكشوف دون القيام بعمل مواز لاستنهاض و إعادة الدورة الاقتصادية للقطاعات الحيوية في المناطق المحررة لتحسين أداء قطاع صادراتها ولو في حدوده الدنيا (قطاع النفط و الغاز و النقل البحري و المحاجر و التعدين و الأسماك ) لمساعدتها في تحسين وضع ميزان مدفوعاتها و تامين استقرار عملتها أمام العملات في سوق الصرف. كما ان غياب البيان المالي الأول للحكومة " الموازنة العامة للدولة" خلال العامين الماضيين وضعف أداء الأجهزة الرسمية للدولة في تحصيل الإيرادات و إحجام بعض المصالح و المؤسسات الايرادية و المحافظات عن توريد الأموال الى البنك المركزي والاحتفاظ بالسيولة و المضاربة بها في السوق الموازي سرع من تهاوي سعر صرف الريال وضاعف من أزمة السيولة لدى البنك المركزي و البنوك التجارية و الجهاز المصرفي ككل . في نفس الوقت لم يتم تبني او اعتماد أي خطة "طارئة " في جانب السياسات النقدية تساعد على خلق استقرار تدريجي لنشاط الجهاز المصرفي لتبديد حالة الذعر في السوق و إعادة الثقة للجهاز المصرفي كي يتمكن من أداء دوره في امتصاص اكبر قدر ممكن من السيولة المحتجزة خارج النشاط الاقتصادي و نشاط المصارف وهذا وضع اثر بصورة سلبية على فعالية البنك المركزي و قاد الى انكماش وتراجع دوره و ضعف أدائه و اقتصار مهامه على عملية صرف المرتبات في ظل استمرار عجزه عن تأمين السيولة الكافية و ضعف حركة دوران النقدية من و إلى البنك و التي قادت في نهاية المطاف بالبنك إلى إصدار قرار تعويم سعر صرف العملة بشكل كلي لسد عجز السيولة كي يتمكن من الإيفاء بالتزاماته تجاه الحكومة و التزاماته تجاه البنوك التجارية. لذا نرى انه من الأنسب اليوم في ظل التوجهات الجديدة للحكومة بشان إعداد الموازنة العامة 2018م ان يصاحب هذا الإعلان وضوح في السياسات المالية و النقدية التي ينبغي الأخذ بها لإنجاح أهداف و توجهات الموازنة المعلن عنها مع ضرورة الأخذ بعين الاعتبار أهمية خلق توافق سياسي مع جميع الأطراف في المناطق المحررة و تأمين اتفاق ولو في حده الأدنى لإدارة الملف الاقتصادي بعيدا عن تعقيدات الملف السياسي لتخفيف حالة الاحتقان المجتمعي القابل للانفجار في حال غياب الحلول الرشيدة . بهذا الصدد نرى انه من الضروري التركيز على تأمين مصادر محلية مستقرة ولو "نسبيا "لتمويل الموازنة " علها تصلح ما "أفسده الدهر" وفقا للتوجهات التالية: - في جانب السياسات المالية:. - تعزيز دور الأجهزة الايرادية خصوصا الجمارك و الضرائب و فتح قنوات جديدة لتحصيل الضرائب و الرسوم على أنشطة "اقتصاد الظل" و مكافحة عمليات التهرب الضريبي و غسل الأموال و تجارة التهريب و الأنشطة غير الشرعية و تعزيز هيبة الدولة في تحصيل الإيرادات العامة و إحكام قبضتها على المنافذ التي تحت سيطرتها. - العمل على تفعيل قطاع الصادرات (قطاع النفط و المعادن تحديدا ) و القطاعات الاقتصادية الأخرى بحسب المتاح من الإمكانيات لتحسين وضع ميزان المدفوعات. -. إتباع سياسات أكثر حصافة في إدارة طلب السوق الاستهلاكي خصوصا سلع الكماليات و تقنيين تجارة الاستيراد للآليات و المعدات و الأجهزة التي تستنزف قدر كبير من الموارد النقدية للبلاد و تزيد من حدة المضاربة على العملة في سوق الصرف و ترفع من فاتورة استهلاك الوقود و بالتالي مضاعفة فاتورة الاستيراد و إنهاك ميزان المدفوعات المنهك أصلا بفعل تراجع عائدات الدولة من تجارة النفط و الغاز " و تخلق ارتدادات سلبية في سوق الصرف للريال أمام العملات الأجنبية. - تقديم الدعم لقطاع التجارة الخارجية من خلال تشجيع التجار على استيراد السلع الحيوية ( الغذاء و الدواء) و الاستفادة من الاتفاقية الموقعة مع منظمة التمويل الدولية IFC في جانب دعم بعض السلع و منح امتيازات و مسموحات جمركية و ضريبية مشجعة للتجار مقابل تثبيت أسعار أهم السلع الأساسية و رفع الضرائب و الرسوم الجمركية على الواردات التي يمكن للمنتج المحلي تغطيتها. - توريد الأموال و الإيرادات العامة أولا بأول الى البنك المركزي.من جميع المصالح و الهيئات و المؤسسات الحكومية و من جميع المناطق المحررة و تعزيز سلطة الإشراف للبنك المركزي على كل الفروع دون استثناء . - تنظيم تجارة الاستيراد ووضع قائمة بالسلع المسموح دخولها للسوق في ظل الظروف الاستثنائية التي يمر بها الاقتصاد و البلد.و تقييد الطلب الحكومي و خفض الإنفاق للصف الأول و الثاني من القيادات . - تقييد وترشيد الإنفاق الاستثماري من الموازنة العامة و الاكتفاء مؤقتا بمشروعات الدعم المقدمة من قبل الدول المانحة الى حين استقرار الوظيفية المالية للحكومة. -.وضع ضوابط وآليات ملزمة لجميع المصالح و الهيئات و المؤسسات المعنية بتحصيل الضرائب و الجمارك في ( المنافذ الرئيسية ) و تفعيل دور جهاز الجمارك و إدخال التطبيقات الجديدة لنظام الاسيكودا (ASYCUDA) في عمله . - إطلاق حملات توعية بأهمية وضرورة دفع الضرائب كإيراد عام لصالح المجتمع و العمل على توفير مناخ امن و مستقر لممارسة الأعمال و الاستثمار في المناطق المحررة بالتوازي مع تثبيت التوافق السياسي في الملف الاقتصادي مع المكونات المؤثرة في المجتمع خصوصا في العاصمة عدن . في جانب السياسات النقدية: - تشجيع المصارف التجارية و المنشات المالية على نقل أعمالها و إداراتها المركزية و بالتالي قرارها المالي الى عدن وإلزامها بالتعامل مع البنك المركزي في كل المعاملات و الوساطات المالية و فتع الاعتمادات ...الخ - إعادة النظر بأسعار الفائدة و رفعها و تحريكها من حين لآخر بحيث تتماشى مع المسارات التضخمية في الاقتصاد للسيطرة على ظاهرة دولرة العملة و اكتنازها و المضاربة بها. - إيجاد مصادر تمويل إضافية لإنعاش ميزان المدفوعات من خلال ( المنح و الهبات و المساعدات و القروض) و التفاوض مع دول التحالف بشان الوديعة المعلن عنها و سرعة تمكين البنك المركزي منها. - رفع رأس المال التأسيسي للبنوك و المنشات المصرفية و نسبة الاحتياطي الإلزامي. وفق رؤيا يقرها البنك المركزي للإصلاح النقدي الشامل للمساعدة في امتصاص فائض السيولة و عدم استخدامها في تقويض أوضاع سوق الصرف. - تشجيع منشات الأعمال المصرفية ( محلات الصيرفة ) في المحافظات على تأسيس شركات مساهمة بهدف خلق نواة لعمل مصرفي منظم يسهم في ضبط إيقاع سوق الصرافة و يتناغم مع توجهات و سياسات البنك المركزي. - إلزام قطاع الصيرفة بإصدار كوبونات" فاتورة شراء – بيع للعملة "و تحديد ضريبة مستقطعة لكل شريحة من العملات المتداولة (بيع - شراء ) يتفق بشأنها مع البنك المركزي و مصلحة الضرائب . - إحكام استخدام أذون الخزانة في حال ما إذا تم إعادة العمل بها مجددا و توجيهها فقط نحو مشروعات حقيقية تخلق قيمة مضافة و ليس لتمويل العجز في الإنفاق الحكومي. - منح البنوك التجارية مرونة في عمليات المقاصة المالية و فتح الاعتمادات و تمويل الصفقات و تحديد سقف الائتمان مع تعزيز رقابة البنك المركزي . اخيرا .. .نؤكد بأن تحسن الوضع الاقتصادي مرهون بالدرجة الأولى بإخراج البلاد من دائرة الحرب والاقتتال و كذا بمدى صدق و عقلانية الحلول السياسية القادمة ..ان وجدت...ما دون ذلك .. "خرط القتاد". .