تشهد الساحة اليمنية تطورات متسارعة ومتضاربة في ذات الوقت، فقبل مقتل الرئيس المخلوع صالح حدثت تحولات، كان أهمها خروج صالح عن تحالفه مع الحوثي، وهو الخروج الذي تؤكد كل الدلائل بأنه لم يكن قراراً منفرداً لصالح، وأن دول «التحالف العربي»، أو إحداها، كانت خلف قرار صالح المفاجئ الذي كان السبب في مقتله لاحقاً، هذا التحول في موقف صالح ثم حادثة مقتله أفرزت على الواقع توجهات جديدة لبعض دول «التحالف» تسير باتجاه خلق تحالفات جديدة مع بعض قوى اليمن، خاصة تلك التي كانت تتبع المخلوع صالح. كان لكل ذلك انعكاساته على الجنوب الذي تحررت جل أراضيه في بداية تحرك قوى التدخل، ورغم ذلك استمرت خارج اهتمام «التحالف»، بل إن بعض أطراف «التحالف» قد حولت تلك المناطق إلى ساحة للميليشيات التي صنعتها على أساس الولاء المطلق لها، وباتت تلك الميليشيات تشكل قوى خارج إطار «الشرعية» التي جاء التدخل بناء على دعوة منها!
ومن المفارقات والظواهر المتضادة في كل تلك المتغيرات على الساحة: أولاً، أن المخلوع صالح الذي استمر منذ ما قبل تحرك دول التدخل إلى قبل مقتله بأيام خصماً وعدواً ل«التحالف» وحليفاً وفياً للفئة الانقلابية التي جاء التدخل لردعها واستئصالها لأنها تمثل رأس الحربة للتمدد «التحالف» في الجنوب قد تخلى عن وعوده للبعض الجنوبي الذين استخدمهم الفارسي في الجزيرة العربية، أصبح في ليلة وضحاها صديقاً ل«التحالف» وموالياً له، ولولا تدخل القدر وموت الرجل لأصبح بديلاً عن «الشرعية» ذاتها. ومن المتضادات أيضاً، أن «حزب الإصلاح» الخصم اللدود لدولة الإمارات التي تخوض حرباً ضده، ليس على مستوى اليمن، بل والوطن العربي أيضاً، بات حليفاً وصديقاً وشريكاً في الأيام الأولى لمقتل صالح، كما أن البوصلة جنوباً قد توقفت عن تحديد مسارات جديدة لطرف «التحالف» هناك مع ميليشيات ومجالس الجنوب، وتجمدت حركة شوكة تلك البوصلة على اتجاه واحد وهو البقايا من رائحة المخلوع صالح من أولاده وأولاد إخوته وأقربائه وأعضاء حزبه، وباتت المؤشرات تؤكد أن أطراف «التحالف» في الجنوب قد أعادت ترتيب حلفائها حسب الأهمية، حيث بات أتباع وأسرة المخلوع يأتون أولاً، و«حزب الإصلاح» يأتي ثانياً، و«الشرعية» اليمنية تأتي ثالثاً، وبقية الأدوات في الجنوب والشمال يأتون في مؤخرة الاهتمام!
لم يكتف طرف «التحالف» في الجنوب بالميليشيات الأمنية والعسكرية التي شكلها، بل دخل إلى المربع السياسي أيضاً، في معركته الفرعية مع هادي الجنوبي الذي اختلف معه في مواقف عدة رفض فيها الرئيس هادي أن يكون مطية وأداة لبعض المشاريع التي تمس سيادة اليمن عامة والجنوب على وجه الخصوص، مثل محاولة السيطرة على الجزر الجنوبية، سقطرى وميون، التي رفض هادي التوقيع على تسليمها للسيادة الاقتصادية الإماراتية، كما أن ميناء عدن والمنطقة الحرة وغيرها كانت محل خلاف بين الإمارات و«الشرعية» ممثلة بالرئيس هادي، كل ذلك كان سبباً في إشهار بعض التكوينات السياسية في الجنوب لاستخدامها كفزاعة في وجه «الشرعية» ممثلة بالرئيس هادي!
اليوم، رياح التحالفات تحولت إلى أعاصير، وبات مسارها يجمع بين المتضادات في الشمال والجنوب في محطات عديدة، وفي خطوة تؤكد أن طرف «التحالف» في الجنوب قد تخلى عن وعوده للبعض الجنوبي الذين استخدمهم ووعدهم باستقلال الجنوب، وهي الوعود التي تحدث بها هذا البعض كثيراً في سره وعلنه، ولم يذكرها أو يشير إليها أو حتى يلمح إلى حدوثها ذلك الطرف التحالفي، وفي اعتقادي أن أدوات الشمال القادمة ستجتاح كل الأدوات وتحل في المقدمة، وستكون أدوات الجنوب هي الأدوات الخاسرة والتي ستزداد درجة خسرانها، لأنها ستجد نفسها تمضي دون رضاها لبناء تحالفات ترضي مشاريع طرف «التحالف» المهيمن على الجنوب، وتتعارض مع أهداف ثورة شعب الجنوب، وسنجد ما تبقى من بقايا المخلوع صالح في حلف مع تلك الأدوات في الجنوب في محاولة جديدة لمعاقبة هادي لرفضه التفريط في سيادة الأراضي والجزر الجنوبية!
ختاماً، ما يحدث اليوم في الجنوب من ترد لحالة المعيشة والخدمات للمواطن ما هو إلا نتيجة لصراع طرف «التحالف» المهيمن على الجنوب مع «الشرعية» التي منحته الحق في التدخل، وعلى ذلك فإننا في الجنوب يجب أن نرفع أصواتنا أولاً للمطالبة بوضع حد لعبث هذا الطرف في الجنوب، وكذلك نرفع أصواتنا للأدوات الجنوبية التي جندت نفسها لتكون أداة بيد هذا الطرف لعرقلة تثبيت الأمن وتوفير حياة معيشية صحية للمواطن الجنوبي، ونرفع أصواتنا في وجه من يصر على توظيف احتياجات الناس الضرورية في معركته مع خصومه!