منذ خمسة اشهر تشتعل مناطق عده في الصبيحة وتحديدا ناحية طورالباحة وكرش، حيث الطوق الشمالي والغربي الذي يحيط بعدن كاحاطة السوار بالمعصم، ومن خلف هذه المناطق التي تمثل الحدود السابقة للجنوب مع الشمال، يشتعل الطوق الثاني المطل على قاعدة العند من ناحية القبيطة وصولا الي مرتفعات جبال حيفان جنوبتعز. في الخمسة الاشهر الاخيرة تطورت المعارك هناك لاسيما بعد تمكن المليشيات من السيطرة على قمة جبل الركيزة الاستراتيجي المطل على خبت الرجاع، والوهط، وصولا الي عدن، وتقع قمة جبل الركيزة في وادي شعب نحو 8 كيلوا متر شرق عاصمة الصبيحة طورالباحة.
تلقى مركز مسارات للاستراتيجيا والاعلام اتصالات عديدة خلال الشهرين الماضين من قبل جنود وضباط ومقامون يرابطون في تلك القمم، والوديان، يفيدون بانهم يتعرضون للقنص، وان اعدادا من الضحايا يسقطون يوميا هناك لاسيما من الشباب المنخرطون في صفوف المقاومة، ويشكون من نقص العتاد العسكري، والتغذية، وغياب الارادة لدى قيادة الجيش في حسم المعركة التي قالوا انها لن تستغرق ايام.
ورصد التقرير قبل حوالي شهرين حادثة مقتل الشابان وجدان احمد صالح وعبدالحبيب سالم بالقرب من جبل الركيزة، حيث نفذ عدد من شباب المقاومة الجنوبية في وادي شعب هجوما مباغتا على افراد المليشيات وبسبب نفاذ الذخيرة وقعوا في كماشة القناصة، استشهد وجدان، وعبدالحبيب، في العشرينات من العمر، واصيب نظير علي محمد، وعبدالمغني عبدالقادر.
معركة غير متكافئة، وبسبب غياب الدعم، تستنزف المقاومة والجيش الوطني، وتمنح المليشيات نفوذا جديدا للسيطرة النارية على مناطق الصبيحة، وخبت الرجاع، وصولا الي عدن.
الوضع العسكري
تبدو المعارك المشتعلة في مناطق طوق عدن بحاجة الي التوقف مليئا امامها لمعرفة ابعادها العسكرية، والسياسية، وما الجدوى من استمرارها على النحو الذي يراكم معاناة السكان، ويشكل ضغطا على العاصمة عدن، والمدن المحررة، ويحرم الالاف من مصادر العيش، ويلقي بهم في مهاوي التشرد ،والنزوح.
لماذا لاتحسم هذه المعارك اذن؟ سؤال طرحه مسارات على عدد من القادة العسكريين الميادنيين، البعض اجاب بسبب قلة الدعم، والامكانات، واخرون قالوا ان امر الحسم بيد التحالف، وقيادة الشرعية المقيمة في الرياض.
وفيما يقول جنود، وسكان محليون، ان قيادة المنطقة العسكرية الرابعة، وقادة الجبهات، غير جادون ،ويتعمدون اطالة المعركة، للحصول على مكاسب، يبدو الوضع العسكري في مناطق طوق عدن غامضا لاسيما في ظل ورود فرضيات تتحدث عن وجود خطة لحصر المعركة في الحدود السابقة بين الجنوب والشمال، تمهيدا للتوصل الي تسوية سياسية، باشراف التحالف، وقوى خارجية.
وهذا الفرضية كما يرى خبراء في مركز مسارات تظل في دائرة التكهنات، لانها ستكشف عن قصور في الرؤية السياسية للتحالف، والشرعية، تمنح المليشيات واذرع ايران، تفوقا سياسيا، وعسكريا كبيرا في اية محادثات قادمة.
وفي مقاربة للوضع العسكري في النطاق الجغرافي الممتد من مكيراس في الحدود مابينالبيضاءوابين، مرورا بالصبيحة، وصولا الي المخا في الساحل الغربي، تبدو المعارك وقد تحولت الي مغارة كبيرة لالتهام افراد المقاومة الجنوبية الذين يسقطون بصورة يومية بين شهداء وجرحى، ولا احد منهم يعلم ما هو الهدف من استمرار هذه المعارك، لاسيما وان عدد من هذه المناطق سبق وان اعلن التحالف تحريرها بالكامل، وما تلبث ان تعود فيها المواجهات من جديد في سر لم يكشف حتى الان.
يبدو المجلس الانتقالي مغيب تماما عن المعارك التي تدور في طوق عدن الشمالي والغربي، تحديدا في الرقعة الجغرافية التي تتشكل فيها منطقة الصبيحة من كرش وحتى باب المندب.
يقول ضباط متعاونون مع مسارات ان المجلس الانتقالي لم يستشعر حتى الان خطورة هذه المعارك، وامتدادها على العاصمة عدن، رغم المطالبات المستمرة لقياداته بالتحرك والتدخل لدى التحالف بهدف تحريك الطيران، وحسم هذه المعارك لتأمين الحدود الشمالية والغربية لعدن، ومنع اية اطراف يمكن ان تستخدم المليشيات هناك لزعزعت سيطرة الانتقالي الامنية والعسكرية، على الجنوب.
ورصد التقرير قبل شهر ونيف زيارة رئيس المجلس الانتقالي اللواء عيدروس الزبيدي لمنطقة مريس في محافظة الضالع، وهو يرتدي البزة العسكرية، وقد فهمت هذه الزيارة بكونها تمثل دعما لجهود التحالف في تحرير الشمال من قبضة المليشيات، ويومها نصح خبراء عسكريون عبر مواقع التواصل الاجتماعي قيادة المجلس الانتقالي بعدم اهمال جبهات الصبيحة التي تمثل خطورة مباشرة على العاصمة عدن.
قبل ثلاثة ايام اسشهد الشاب العشريني صابر محمد عبدالدائم في المخا، حينما ورد الخبر برز السؤال التالي لدينا في مسارات:اليست المخا محررة؟ نعم المخا محررة ولكن الاصابة كانت بقذيفة هاون حسب مصادرنا، استشهد فيها صابر 22 عام،وجرح اثنان من المقاومة الجنوبية.
مايزال الحوثيون يهددون المخا، ويقصفونها بالهاونات، بينما تقول قيادة الجيش ان قواتها قد بلغت حيس بالقرب من زبيد ناحية الحديدة.
معركة الساحل الغربي تمنح التحالف والشرعية تفوقا سياسيا وعسكريا كبيرا، لكن التقدم الي الامام بسرعة مع ترك ثغرات مهمة في الخلف، تكلف كثيرا ماديا، وبشريا، وقد راينا كيف وقع جنود امارتيون في كمين حوثي قبل اسابيع بالقرب من المخا، وتمت الاستعانة بفرقة خاصة من لواء العمالقة من ابناء الصبيحة لتخليصهم ولكن بعد سقوط شهداء وجرحى.
ومن منظور عسكري فان المعركة الرئيسية هي في تعز، والحديدة، وما يحدث في طوق عدن من معارك يؤخر تحرير تعز، ويمنح المليشيات فرصة الاستمرار في السيطرة على مواردها الاقتصادية لدعم المجهود الحربي، كما هو الحال مع ميناء الحديدة الهام.
اذا اراد التحالف والشرعية والمجلس الانتقالي، تأمين عدن وباب المندب، فانه يترتب عليهم حسم المعارك سريعا في محيط عدن، والتوجه مباشرة الي تعز، والحديدة، مالم فانهم يمنحون المليشيات اوراقا سياسية، وعسكرية، بالقرب من عدن وباب المندب ، ويطيلون امد المعاناة الانسانية، والاقتصادية، للسكان.
الوضع الاقتصادي و الانساني
تشير الاحصائيات الي انه اكثر من 5000 الاف سرة نزحت من مناطق الطوق الي كل من عدن ولحج، وهولا الذين يقدرون افرادا بالالاف، فقدو مصادر ارزاقهم، ومهنهم التقليدية في الريف اليمني، واصبحوا ينتظرون في طوابير طويلة للحصول على المساعدات الانسانية الشحيحة التي تقدمها المنظمات الدولية، والمحلية، في واقع حياة جديد، وصعب ومكلف، ماديا واقتصاديا.
شكلت موجة النزوح من مناطق الطوق، ومناطق شمال البلاد، ضغطا مستمرا على عدن، وكان لهذه العملية مترتبات اقتصادية، واجتماعية، اهمها ارتفاع اسعار ايجارات العقارات السكنية، وارتفاع منسوب استهلاك الخدمات، وازدياد ظاهرة التسول وارتفاع معدلات البطالة في العاصمة عدن، التي تفتقد لادارة ناجحة لادارة الازمات، وحالة الطوارئ العامة.
ويرى التقرير ان ذلك ربما يساهم ايضا في انتشار معدلات الجريمة بسبب الفقر، وانعدام الدخول الاقتصادية وغياب الاستقرار المعيشي، لاغلب الاسر.
تؤكد مصادر حضرت مؤخرا اجتماعا لرئيس الوزراء احمد عبيد بن دغر قبيل سفره الي الرياض انه تحدث وبكل وضوح عن عدم امتلاك حكومته لبرنامج عمل، وقال ايضا والكلام منسوب لمصادرنا ان التحالف هو الاخر لايمتلك خطة عمل لادارة العاصمة عدن والمدن المحررة، والكلام لبن دغر.
وبصرف النظر عن مدى صحة الكلام السابق من عدمه، الا ان ما تعيشه المناطق المحررة لاسيما عدن، يكشف عن وجود خلل اداري كبير تسبب في تعقيد الاوضاع الاقتصادية، بسبب انعدام المرتبات لعدد من الوحدات العسكرية، والامنية، والمدنية، وارتفاع اسعار المحروقات الي الضعف بسبب رفع الدعم الحكومي عنها، بالاضافة الي الاحتكار في الاستيراد، وازدهار السوق السوداء باشراف جهات عليا، الامر الذي ادى الي ارتفاع اسعار المواد الغذائية، والاستهلاكية، وصاحب ذلك ارتفاع صرف اسعار العملات الاجنبية مقابل الريال، وعدم وجود موازنة للدولة، وغياب الشفافية في تحصيل ايرادات الدولة، وفشل البنك المركز في ادارة العملية المصرفية، وغيرها من المترتبات الاقتصادية الاخرى التي ساهمت في تعقيد الوضع الانساني للسكان، وبدلا من ان تفتح الباب امام ايجاد حلول حقيقية للخروج من هذه الازمات، تحولت قضية التغيير التي طالب بها الناس الي لعبة للاجندات، والمساوامات، والمناكفات، وهو الامر الذي جعل التحرك الشعبي في يناير المنصرم، يفقد بريقه، وتاثيره حتى الان، ويجعل الباب مفتوحا امام كل الاحتمالات.
وينظر مسارات الي ان الحالة الانسانية المتفاقمة للسكان، لاسيما النازحين، هي نتاج اعمال عسكرية معادية كان يمكن الحد منها من خلال حسم المعارك وعدم توسيع رقعتها لو وجدت رؤية متكاملة للتعامل مع ملف المعركة في اليمن بكافة ابعاده.
الارهاب
ماتزال المناطق المحررة في الجنوب تواجه خطر الارهاب..مايزال الارهاب يشكل عامل تهديد للامن في العاصمة عدن، والمدن المحررة، رغم الجهود الكبيرة التي بذلها التحالف العربي، والمقاومة الجنوبية، في محاربته.
يرى التقرير ان المقاومة الجنوبية والجيش الوطني يخوضان معركتان في الجنوب، الأولى مع المليشيات في مناطق طوق عدن المعروفة، والثانية مع التنظيمات الارهابية داخل الاراضي اليمنيةالجنوبية، وكل منهما له كلفة باهظة مادية وبشرية تدفعها المقاومة والجيش، ومن خلفهما التحالف .
من الخطا ان تظل هناك جبهات ومعارك مفتوحة مع المليشيات في تخوم عدن ومحيطها، في الوقت الذي يضرب الارهاب بقوة داخل العاصمة، ومدن الساحل العربي، في ابين وشبوة وحضرموت الغنية بالثروة السمكية والنفطية.
كان يمكن تقليل الخسائر وحالة الاستنزاف التي تتعرض لها القوات الجنوبية من خلال اتخاذ قرار حاسم بحسم المعارك مع المليشيات في الصبيحة وكرش والوازعية والساحل الغربي وملاحقة المليشيات الي تعزوالحديدة وهزيمتها، فما الجدوى من استمرار هذه الجبهات مفتوحة تلتهم خيرة الشباب بينما هناك جبهة اهم يفترض ان تتفرغ لها القوات الجنوبية وهي جبهة الارهاب.
ما الذي ينبغي فعله
اولا:يتطلب الان على نحو عاجل سد الفراغ الاداري الموجود في العاصمة عدن، والذي سينعكس بدوره على المناطق المحررة، اما عبر تشكيل حكومة وطنية جديدة بمشاركة الجميع، وتكون بمثابة حكومة طوارئ لادارة المعركة الاقتصادية، والخدمية، والانسانية، واستعادة مؤسسات الدولة، واما ان يتحمل المجلس الانتقالي مسؤولياته امام الناس، ويتصدى لادارة الامور في عدن، والمدن المحررة.
استمرار الوضع في حالة من الفراغ، والاتكال، والتواكل، والتفرغ للمناكفات السياسية، ينذر بمخاطر كبيرة جدا.
ثانيا:يرى التقرير اهمية اعادة ترميم العلاقة بين مكونات الشرعية واطراف في التحالف لتشكيل غرفة مشتركة لادارة المعارك العسكرية وحسمها في محيط عدن، والتوجه صوب تعز، والحديدة، حيث المعركة الرئيسية والأهم بالنسبة للتحالف والشرعية لتحقيق مكاسب عسكرية، وسياسية، بالاضافة الي التنسيق المشترك، ووضع رؤية لادارة المناطق المحررة ،بمشاركة المجلس الانتقالي الذي تسيطر قواته على عدن، ومناطق جنوبية اخرى.
ثالثا:على الشرعية ان تسلم بالواقع، وتعترف بان المجلس الانتقالي اصبح امرا واقعا لا يمكن تجاوزه، او القفز عليه، وانها هي من ساهمت في صناعة هذا الواقع، اذا ارادت الابقاء على حضورها في المدن المحررة ،وذلك من خلال تسوية وطنية تشمل الجميع، مالم فانه يتوقع ان يبقى حضورها شكليا في الجنوب، تحت سلطة المجلس الانتقالي الامنية، والعسكرية، وهذا قد يؤثر على معركتها في الشمال، ففاقد الشيء لايعطيه.
رابعا:استنتج التقرير ان بقاء المليشيات على تخوم عدن، والابقاء على جبهات الطوق مفتوحة، فان ذلك يؤجل تحرير تعز، ويضع العقبات امام القوات الجنوبية في محاربة الارهاب، والتخلص منه،ويستنزف الجيش والمقاومة دونما سبب وجيه، ويمنح ادوات ايران نفوذا بالقرب من عدن، وباب المندب، ويكسبها اوراقا سياسية، وعسكرية، يبدو ان التحالف، والشرعية، في امس الحاجة اليها.