زياد احمد صالح عبدالحبيب الإهداء: إلى كل مناضلي الجنوب الذين ظلوا دوما حامين لمكتسبات الثورة وملتزمين بمبادئ وثوابت وطنية. مرة اخرى بعد نشر مقال سابق جاء تحت عنوان ( رسالة من شاب جنوبي الى النخب الجنوبية) كنت قد تحدثت فيه من وجهة نظر الجيل الجنوبي الصاعد المتطلع للمعرفة مخاطبا نخبتنا وفي مقدمتها النخبة السياسية، استمح القراء من نخبتنا الجنوبية الجليلة للحديث في ذكرى الرابع عشر من اكتوبر من وجهة نظر يشاركنني فيها الكثير من اقراني الشباب الجنوبي بشكل او بآخر (على الاقل كما ازعم) وان بدت وجهة النظر هذه قاتمة وربما متوترة.
تاتي هذه الرسالة المتواضعة في الوقت الذي تمثلون لنا قيمة ورمز للكفاح الطويل والخبرة والتجربة الواسعتين والمعرفة والحكمة المتراكمتين، وفي الوقت الذي نحن على ثقة ان لديكم الكثير لتقدموه، واقل ذلك دوركم كمرشدين كما هو حال النخب في كل زمان ومكان، ودوركم في مساعدتنا نحن الجيل الفتي - قليل الخبرة كثير الطاقة والانفعال- من خلال النصح والتوجيه وتعزيز استقرارنا الفكري وانضاجه. تاتي هذه الرسالة في ذكرى ثورة الرابع عشر من اكتوبر التي كانت بلا شك حدثا استثنائيا وتحولا جذريا نقل الجنوب الى مرحلة الدولة المتماسكة والكيان القوي، كما انها تاتي في الوقت الذي نعيش فيه في ظل شي من التخبط في قراءة الثورة وتحليلها يعزوه البعض الى وجود مشكلة حقيقية في جانب التوثيق.
وفي الوقت الذي ستظل ثورة اكتوبر كما كانت دوما وفيما مضى امرا ملهما في البناء والعمل وينبوع من ينابيع ثقافة التحرر وعنوانا ورمزا للتحول، فإنها ستظل كذلك، لكن اسمحوا لنا ان اضع رايي ونحن في العقد الثاني من الالفية الثالثة وقد تغير فكر الثورة كثيرا بإعتباري عضو في هذ الجيل الصاعد. انني أرى اننا مادمنا كجيل جديد نفتقر لوجود قراءة وتحليل بسيطين ومتقاربين للثورة ومسيرتها ومشروعها السياسي آنذاك ونتائجها المدروسة وحتى مقدماتها والاهم من ذلك انعكاساتها وتداعياتها وانسحابها على حاضرنا ونضالنا الراهن وعلى المستقبل.
واننا مادمنا نجهل حتى اليوم ادني المعلومات عن مكامن ومواطن التحريف في تاريخ الثورة، ومازلنا حتى اللحظة نعيش شي من البلبلة في التحليل والتناول والقراءة، وقبل ذلك في العقول. واننا مادمنا اليوم لا نعيش اي شيئا من مكتسبات ومنجزات ثورة 14 اكتوبر بعد ان ذهبت ادراج الرياح ولم يعد لتاثيرها اي وجود بعد ان ضيعها صانيعها ولم يحمها الثوار ولم يصنها الاحرار. واننا مادمنا حتى اللحظة نجهل عما اذا كانت الثورة جاءت للتغيير السياسي والاجتماعي والاقتصادي الجذري على الارض فقط، ام ان تغيير بعض الشكليات كالتسميات كانت جزاءا من اهدافها الرئيسية؟
اننا مادمنا بعد 48 سنة منذ انطلاقة الثورة، لازلنا نعيش مايمكن ان نسميه "اشكالية الهوية" ونفتقد لاي ثقافة وطنية ان لم نقل نفتقد للهوية. انه ما دام هناك العديد من نخبتنا الجنوبية في السلطة والمعارضة ومن المستقلين ايضا من يتعامل مع ثورة اكتوبر بشكل مباشر او غير مباشر على انها ثورة ربيبة لثورة سبتمبر او الثورة الابنة لثورة سبتمبر الام.
واننا ما دمنا نجهل حتى اليوم كيف يمكن ان تكون العلاقة بين نضال شعبنا اليوم ونضال شعبنا في الستينيات وبما يحقق التناغم والقوة، لان سماعنا عما سمي "بعزل الثورة عن مشروعها السياسي في التحليل" قد جعلنا نفهم ان المقصود هو ان اهداف النضال في إطار الحراك السلمي الجنوبي قد بني بطريقة اعتباطية وعلى ضوء معطيات مفصولة عن مشروع ثورة اكتوبر. بعد كل هذا، فإن الكثيرين من ابناء الجيل الجنوبي الشاب يرون حتى تسقط المعطيات السابقة - وان لم يصرحوا بذلك- ان الثورة التي نفهم فيها ذاتنا الجنوبية وهويتنا وندركها مثلما هو حال الثورة السلمية التي تفجرت منذ اربع سنوات، وان الثورة التي لمكتسباتها واجب الدفاع عنها حتى الموت، وان الثورة التي لاتأكل ابنائها ولا يتخلى عن مبادئها صانيعها ورجالها، هي الثورة الاولى والاحق بان تكون رمزنا الاكثر إلهاما كجيل صاعد مليئ بالطموح وتواق للحرية وداع للتماسك والتلاحم والوحدة الوطنية وحامل لغصن الزيتون على الدوام.