نظر الأجانب برثاء إلى جبال عدن وقال احدهم أهذه التي كانت حتى عام 1967 في نظر الدنيا بأسرها أم المدن في الجزيرة العربية ؟ أهذه city state of Aden (المدينة الدولة ) إنني ارثي لها أنها pity state (أي دولة مأسوف عليها ). بقهر مسحت دموعي انا المواطنة البسيطة الغيورة على وطنها لكنني لم استطع ان امسح دموع المدينة الدولة وهي تذرفها بحرقة وصمت يقطع الأفئدة ويدمي القلوب .
بلا قيود دعونا نتكلم عدن اليوم ضحية تحت رحمة كل من تأبط شرا أو حمل معولا حتى أضحت (( قرية)) مكتظة تنام على صوت الرصاص وتصحو على أصوات الأغنام والغربان فحينما فتحت ذراعيها وأرادت ان تضم الكل في حضنها كان كلا منهم يرطن بطريقته الخاصة – كان ينتزع من نسيجها خيوط لبدله مفصلة على مزاجه الخاص – فتهكت خيوط النسيج الحضاري المدني الراقي وإذا به ( شطف وشماطيط)) وإذا بالمدينة الدولة (قزمة معوقة مرمية في زاوية جزيرة العرب).
منذ الاستقلال وعدن مرهونة محجوزة كساحة للتقوقع وراء الخصومة المحفورة في ذهن وضمير بعض الشخوص – تترحل صراعات إلى عدن المسالمة لتبقى شاهدة على النزيف الأبدي لدماء الإخوة هابيل وقابيل حتى أصبحت (عدن مقبرة ) لم أراد ان يشعللها صراعات ويهدم المعبد على رؤؤس الجميع . بلا قيود دعونا نتكلم كيف نستأنس الأمن والأمان في ظل السلاح وفي ظل الصراعات التي تترحل إليها تحت كل المسميات !! ولما يصمم مهندسو الديكور المصروع رسم الصراعات بالألوان المبهرة بينما المضمون اسود قاتم مضرج بلون الدم والضحايا وهم أبنائنا جميعا .
ان عدن وديعة بنكية أودعها خالق الكون أمانة في أيدينا كان علينا ان نرعاها ونحتفظ بها ( أمانة) وعهدة في بنك القلوب أنها ليست مقبرة لرجال السياسة بل هي سندات إلاهية استثمارية ، هي هبة ربانية تطعمنا من جوع وتأمنا من خوف وكل ماعدا ذلك هو هراء . أما وقد أصبحت اليوم الوحيدة في اليمن بل وفي العالم اجمع أرضا مستباحة دونما بسملة تنهك ودون رحمة تنتهك حتى أضحت مهددة بكارثة بيئية بعد ان أغرقها طوفان البسط العشوائي الرهيب وطغى على جبالها وبحارها ومداخلها ومخارجها ومجاري السيل والتصريف الصحي بل وملاعبها ومتنفساتها حتى وصل العبث الهمجي إلى أثارها ومتاحفها ومساجدها ومدارسها ومقابرها .
ان هذه المنكوبة اليوم تحترق وتتكوم بقهر تحت رماد يجرح العين ويخدش الذوق ويطعن الفؤاد 7 طعنات في اليوم الواحد . إنني أخشى ان أموت ولا أجد مساحة لدفني في عدن لذا فأنني مواطنة بسيطة لكني أتوسل لمن سيستلم مقاليد الحكم ان يأمر بتوقيف كل فوضى البناء وان يتكرم وعلى وجه السرعة بتخطيط عاصمة جديدة على ارض تبن القريبة من عدن عاصمة جديدة تزيح الفقر وتعيد شموخ التاريخ على ارض كان اسمها (ارم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد ) ناطحات سحاب عمودية ذات العماد نخططها بالمسطرة والقلم ونرسمها لوحة إبداع نهديها بسمة على صفحات الرمال المتجهم أنها تبن المنبسطة الكريمة بلا حدود عاصمة ملك كل الناس بيتا كبيرا يهدئ النفوس ويؤمن وقبل كل شيء مسكن وماوئ لطوابير المظلومين والمحرومين والمعدمين وطنا ومقرا ومنزلا للأغنياء والقادرين – ارم ذات العماد – ستكون ملتقى (برح وشرح ومرح) لكل من أحب هذه الأرض ورحمة وشفقة لهذا الحشر المتكدس البائس والتعيس المشحور بين هذه الجبال البركانية في أخاديد عدن .
وان يتكرم من بيده مقاليد الأمور أيضا بتخطيط ارض أبين وفيها بحمد الله كل الخير من المعادن والثروات البحرية ويجعلها أرضا للمصانع والورش والمعامل لتزدهر الصناعات وتتحرك الحافلات والقطارات والقوارب فتنقل العمال من والى كل أنحاء المعمورة . أما عدن (المنكوبة) فاني ادعوا الله ان يبعث لها وكيل يرحمها ويأخذ بيدها وكيل مصلي عالنبي لكي تؤدي الدور الرباني الذي خلقها الله من اجله أنها ميناء عالمي فقط شأنها في ذلك شأن دبي بالنسبة للإمارات وشأن هونك كونج بالنسبة للصين . يتساءل المستثمرون دائما هذه المساحات في عدن المحصورة لاتكفي لمشاريع مستقبلية هل تدركون هذا؟ أنها لاتكفي لبناء المستودعات الضخمة والمراسي والمكاتب الدولية أنها لاتكفي لان تكون مركزا عالميا للشركات ومساحات شاسعة ومطارا دوليا للطائرات ومساجد وجوامع ضخمة لملتقى الثقافات ، لاتكفي لملاعب رياضية عالمية وفنادق سياحية عالمية وجامعات عالمية ولاتشجع لمشاريع استثمارية دولية .
وبحكم إنني رئيسة سيدات الأعمال في الغرفة التجارية والصناعية بعدن فقد لمسنا الاستخفاف بما نعرضه ولمسنا الريبة منا بل والازدراء عند المستثمرين ولعل في مؤتمر الاستثمار الذي عقد في مدينة عدن عام 2009 تحت عنوان ( عدن بوابة اليمن على العالم ) لأكبر دليل على ذلك ، فرغم الدعوات التي وجهتها الغرفة التجارية إلى المستثمرين والشركات الكبيرة والصغيرة في كل أنحاء العالم إلا ان أحدا لم يكلف نفسه ويشرفنا بالحضور - ولو من باب المجاملة -فهل كانت دبي أو هونك كونج ستلقى هذا الخذلان وهذا الهوان. ان عدن (قمر) لكن لن يتغزل بها السواح .. ولن يتمناها الاستثمار ولن يخطب ودها رجال الأعمال ولن تتقدم لها عروض التنمية لان المكشوف الان ودائما وجه القمر المشوه بفوهاته وصخوره المخيفة ، أنها في نظرهم مسرح لاجترار الصراعات ويكذب من يبيع لنا الوهم ، ذلك الذي يزيف واقعنا ويوهمنا ان الاستثمار والازدهار سيتزاحم في طوابير على عدن وهي بهذا الثوب البالي المرقع وبهذا الوجه المشوه.
نحن الذين كتمنا أنفاس ( ميناء عالمي ) وحرمنا البشرية منه وأغضبنا الله – فتعالوا – ننقشع (جميعا) عن صدره وتعالوا نعتق من الأسر حتى يستطيع ان يشق طريقه كميناء عالمي ، تعالوا نطلق يده لكي نعطيه الفرصة ليحركها كي يطعم أفواه ملايين الجياع بعيدا عن السياسة التي لاتغني ولاتسمن من جوع ( ان دخل دبي من الميناء خمسين مليار دولار سنويا) فيا باعث ياوكيل ابعث لنا وكيل عاقل من عندك . نقطة ضوء : سقطت (أم المساكين) في بئر عميق الكل يبكي عليها والكل يستغيث (أنقذوها أغيثوها) تدافع الناس لإنقاذها عقدوا لها ربطة صغيرة في طرف حبل طويل ورموه لها ثم شدوها إلى اعلي وعندما أخرجوها من البئر كانت ( مأساة ) لقد كانت الربطة الصغيرة يادوب دخلت إلى عنقها ومع شدهم للحبل كانت المسكينة تختنق تتبغرر فما ان وصلت إلى الأعلى إلا وهي جثة هامدة ياحسرتاه لقد خنقوها بأيديهم وهم يعتقدون أنهم أنقذوها . *رئيسة سيدات الأعمال في الغرفة التجارية والصناعية بعدن - خاص "عدن الغد"