تحتل القضية الجنوبية مساحة كبيرة في نقاشات السياسيين , ( قادة و مهتمين) أو حتى على مستوى رجل الشارع العادي, كل من وجهة نظره الخاصة , أو إنعكاس لموقف الجهه المنتمي إليها ( أياكانت ) . جميعها تُناقش قضية واحده وهي وحدة جنوب اليمن القليل السكان والكبير في مساحته و خلافاته السياسيه والشحيح في مواردهالطبيعيه ( انذاك) , مع شمال اليمن الغزير بالسكان و الوديان و الامطار , الفقيرللقوانين و النظم الاداريه ( انذاك) . يناقش استحواذ الشمال بكل أنظمته العتيقة الباليه , بكل منظومته القبلية , على كل الجنوب من غير استثناء . يناقش السبل التي تمكنه من الخروج من هذا الكابوس بأقل الخسائر . ولكنه لم يتطرق احد في نبش الأبعاد السياسية الدولية لهذه القضية والخوض في تحليل و ربط ما يجري في الساحة الدولية من تفاعلات سياسية من بداية الوحدة وتأثيرها على منطقة جنوب الجزيرة العربية ( اليمن الجنوبية ) . اليمن لمصلحة من ؟! تقع جميع محافظات جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية سابقاً ( جنوب اليمن ) على شواطئ منطقة بحر العرب ( خليج عدن ) ابتداء من مضيق باب المندب وحتى بداية سلطنة عمان ولكل محافظة منفذ بحري يطل على موقع محدد من بحر العرب المشرف على الممرات البحرية العالمية و باب المندب بينما تقع الجمهوريه العربية اليمنية (اليمن الشماليه) أعلى الجنوب في مساحه أصغر و مطلة على شواطئ البحر الاحمر .
هذا الموقع اعطى اليمن ككل أهمية في الصراعات الدوليه المستمرة من أجل الهيمنة على أهم ممرات المياه العالمية و أعطى لجنوب اليمن بالتحديد أهميتها الخاصة لعدة اسباب اهمها أسباب جغرافيه . (راجعوا احتلال بريطانيا لعدن) . وبغض النظر عن الصراعات الداخلية في الجمهورية اليمنية للاستحواذ على الحكم فيها لما فيه من منافع كبيرة وثروات مختلفة, تعود بالنفع للحاكم (اشخاص او جهه سياسيه) , يظل التأثير الخارجي على المستوى الاقليمي او الدولي سيد لهذه الصراعات الداخلية فهو المغذي و الممول و المخطط لهذه الصراعات . منذ احتلال بريطانيا لجنوب اليمن و احتلال تركيا لشماله ثم إنهيار الامبراطوريه التركيه ( العثمانيه ) و بعدها امبراطورية بريطانيا العظمى ( لن نتحدث عن الاسباب ), وحتى عند ظهور القوى الجديده في العالم بعد الحروب العالميه الاولى و الثانيه متمثله في المعسكر الاشتراكي و المعسكر الرأسمالي كنظريتين إقتصاديتين متنافستين لتسيير العالم . لم تغيب عدن و الجنوب اليمني بالذات من ذهن قادة العالم كعصب هام و مركز استراتيجي مهم للسيطرة على للملاحه الدوليه . انحنت بريطانيا العظمى لرياح التغيير السياسي العالميه واوعزت لبعض مناصريها السياسيين اليمنيين بالانخراط في ركب الثوار الاشتراكيين الجدد و ضرب اي فكر قومي عربي فيها . أوعزت لأصدقائها ( مناصريها !! ) بالانضمام ومساندة الجبهة القوميه , على حساب تكتل القوى الثوريه الجبهة القومية منظمة التحرير , والذي تم الاتفاق و التوقيع عليه في القاهرة تحت اسم ( جبهة التحرير) ثم النشاط تحت شعار الاشتراكية .
اكتفت بريطانيا المهزومة عالميا بوجودها في الصفوف الخلفيه تدير المؤامرات و تقتل صفوة المثقفين القوميين عبر( مندوبيهم ) من الثوار الجدد , بل و سلمت لهم الحكم في جنوب اليمن مقابل تنازلات عن اتفاقيات دوليه في برنامج تصفية الاستعمار الذي اصدر فيه القرار رقم 1514/15 في تاريخ الرابع عشر من ديسمبر عام 1960 من الجمعيه العامه للأمم المتحدة. الذي ينص على تحمل الدول المستعمره مسئولياتها في الانفاق و تأهيل الكوادر لإدارة البلد حتى يستطيع الاعتماد على نفسه و التعويض عن فترة الاستعمار .... وخرجت بريطانيا من قيادة العالم . انسحبت من مستعمراتها . و ظللت في الساحة السياسيه نشيطه عبر عملائها داخليا و دوليا كحليف استراتيجي لامريكا . بقيت بريطانيا تدير اللعبه السياسيه من وراء الكواليس لكثير من المستعمرات السابقه و من ضمنها جنوب اليمن ومنذ ذلك الوقت اشتد التنافس و توالت الخطط السياسيه للسيطرة على هذه المنطقه بين عدة دول و قوى اقليميه و دوليه متشابكه. ظهر فيما بعد لهذه القوى أنصار و متعاونين و منفذين لسياساتها و تكونت احزاب عده كانت غالبيتها مخترقه من قبل الاستخبارات البريطانيه , و لكن ظل الفكر الوطني القومي و التخوف من إحتمال تناميه في هذه المنطقه من الجزيره العربيه و انتشاره الى المناطق المجاوره الاخرى مصدر القلق الاول لدي السياسيين الغربيين الطامعين في السيطره على ثروات الشعوب ولدي دول الجزيرة و الخليج على السواء. قامت مجموعه من الحكومة الوليده بعد عام من الاستقلال من خلق فوضى و تمرد على قيادتها الشابه القوميه الوطنيه في الاصل , والتي استميلت في السابق للتمرد على رفاقها للاستحواذ على الحكم منفردة , انتهت بالاطاحه بالرئيس (قحطان الشعبي) وبقية القيادات المنشقه سابقاعن القياده التاريخيه للحركه الثوريه الجنوبيه ( جبهة التحرير ).
ثم قامت بتصفية قيادات قوميه وطنيه اخرى بطرق مسرحيه هزيله , كانت قد كشفت هذه المخططات الخارجيه للسيطره على الوطن و قدمت برامج وطنيه بالانفتاح على كل دول العالم وعدم حصر العلاقات مع منظومه بعينها وفتح ميناء عدن ميناء حر امام الملاحه الدوليه و غيرها من قرارات مؤتمر الدبلوماسيين الاول في عام 1973م . و استمر الصراع المغلف خارجيا و الملموس في داخل الوطن عبر اقتتال وراء اقتتال رافعين شعارات مستورده لا يعرفون معناها ولكنها وسيله لسفك الدم و التخلص من المنافسين و المعارضين للإجراءات المتطرفة , مستغلين في ذلك تنصيب قيادات جاهلة على كرسي الحكم , يملون عليها خططهم مثلما يكتبون لها خطاباتهم انتهت جميعها بالاطاحه بالرئيس و مجاميعه من المواليين له مهما كانت اتجهاته السياسيه (يمين ام يسار). و أصبح واضحا أن من يحكم الجنوب لا يمكن إلا ان تكون جهه خارجيه تمتلك أجنده خاصة بها تنص في مضمونها على عدم ألموافقه على استقرار و نمو الجنوب !! . مع انهيار و تدمير المعسكر الاشتراكي المنافس و نظريته الاقتصاديه الاشتراكيه, أصبح العالم يحكمه قطب سياسي واحد , يتحكم في خريطته الجغرافيه و تركيبته ألاجتماعيه بل وفي ثقافته و تفكيره , عوضا عن موارده الاقتصاديه . وهنا كانت الضربه القاضيه لدولة جنوب اليمن ارضا و تاريخا و فكرا , يناير 1986م . تم تدمير اللُحمه الفكرية للمواطن قبل كل شيء . بعد ان هيئات لها الظروف السياسيه المناسبه بالتدريج , عن طريق افتعال خلاف بسيط و غير جوهري ينقسم فيه فريقين ثم يتطوَر و يتحول إلى تكتل و ما إلى ذلك ..... وتم إلتهام الكعكه بالكامل ( وحدة اليمن ) . ظهرت النوايا الدفينة لخطط الغرب بتدمير كل ما يمت بصله للفكر الاشتراكي ( بعد تدمير النزعه القوميه , الانتماء القومي في داخل الانسان اليمني و بالقضاء على الرموز القياديه لهذا الفكر) مؤسسات و افراد . وصل الظلم إلى اعلى درجاته , ووصلت المهانة لأفراد الشعب وللمواطن الجنوبي بالذات من قبل أقل من إحدى عشر عائله من شمال اليمن إلى مستوى لا يطاق مستندين إلى حماية قوات خاصة و متعددة . وأزداد الفساد و النهب لأراضي الجنوب و ثرواته . و كثرت رموزه و أصبح من لا يملك يبيع لمن لا يستحق صوريا بأقل الاسعار و يتم تعميد البيعه من قبل أجهزتهم الرسميه . و تفاقم الغليان و الرفض للوضع الاقتصادي السياسي المزري !! و أصبح الوضع قابل للانفجار في اية لحظه وإلى اتجاه سياسي غير معروف و غير مخطط له ولكنه يحمل مطالب وطنيه 100% !!.
وهنا اتى دور الرعاة السياسيين الدوليين و الاقليميين في احتواء هذا الغليان الشعبي و تهذيبه وتوجيهه بما لا يضر بمصالحهم و تحديد ساعة الصفر لقيام ألانتفاضة (الثوره) . وضِع له سيناريو سريع و غير مترابط , كان الهدف منه إخماد هذا الغليان المدمر لكل الاتفاقيات الغير مشروعه و الغير موافق عليها منذ الحرب العالميه الاولى . ناهيك عن مئات الالاف من الخروق الدستوريه الداخليه التي تضر بمصلحة المواطن و الوطن و التي سيحاكم عليها الالاف من علية القوم !!؟؟. ولكن وبعد ان وثق الغرب في نهاية القرن الماضي ( بعد انهيار و تفكك المنظومه الاشتراكيه) من هيمنته التامة , كقوه وحيده مسيطره على العالم ككل و منطقة الشرق الاوسط ومنابع الثروات النفطية فيها بالتحديد . تمادى في وضع في أجندته الاخيرة خطة لضمان الهيمنة المطلقة لفترات طوال على منطقة الشرق الاوسط , والانتقال الى مناطق النفط الاسيوية الاخرى إبتداءا بمنطقة القفقاز (القوقاز) , و الهيمنه المطلقه للثروات والممرات البحريه في العالم. ففي منطقة الشرق الاوسط أستغل انحلال اتحادات الشباب العالميه ذات التوجه الاشتراكي نتيجة تفكك المعسكر الاشتراكي , ليحل محله في رعاية الشباب و تأهيلهم فكريا عبر منظمات غير حكوميه و معاهد مختلفة تقدم دورات مجانية للمبرزين و النشيطين فيها . مثل معاهد اللغات و معاهد الديقراطيه و المعاهد التي تعنى بالمرأه ( النوع الاجتماعي ) ......الخ . استعدادا حتى يحين الظرف المناسب . خاصة و انه سبق ان جهز جيش اممي اسلامي سني داعما لخططه العسكريه للحرب عنه في اي منطقه في العالم الاسلامي , ضد (الزحف الشيوعي) في افغانستان أولا ثم الزج به في حروب في بعض دول التوجه الاشتراكي السابق (لنصرة الاسلام)و للتدرب على فنون القتال و اسقاط الانظمة . ثم ارساله إلى لدول العربية مستغلين في ذلك الفساد و الغليان الشعبي الحاصل في تلك الانظمة . تحت مسميات وشعارات مختلفة . في اليمن , كان لوجود هيمنة اسرة و قوى اقليميه طائفيه ( تختلف في اجندتها عن الدول الغربية ) , بل و رؤية اوروبية مختلفة عن رؤية امريكا , سبباً لتأخير تغير النظام. ان الانقلاب الحاصل في موازين القوى الدولية وظهور اقطاب سياسية عسكرية اقتصادية جديدة متمثله في روسيا و الصين, وتكوّن حلف اقتصادي سياسي قوي جديد ( مجموعة دول البركس ) ,أعطى مؤشر خطر للدول الغربيه و حلفائهم العرب على الخارطة الجيوسياسيه للمنطقة , للعقود المقبلة . واستطاع فرملة الانطلاقة القوية لما يسمى بالربيع العربي في بقية البلدان العربية . بل و كشف حقيقة من يقف وراء ما سمي بالربيع العربي