بداية لست مع أو ضد بن علي، وإنما أقدم قراءت لما أراه من واقع يفرض نفسه، يقفز كثيرون من عليه، أو يتجاهلونه ولا يريدون الأعتراف به، قد أكون مصيبا وقد أكون مخطئا، وإنما أعبر عن وجهة نظري لا أكثر ولا أقل، كما أن وجهة النظر هذه التي أقدمها كانت بناء على مقابلة بن علي مع قناة العربية بتاريخ 23/12/2012م. ومن خلال المقابلة المذكورة، تكلم بن علي كما قيل من منطق قوة، وأنه يريد الدخول في مؤتمر الحوار الوطني، لأسباب يراها داعية لذلك، ونعت من لايريد الدخول في مؤتمر الحوار الوطني بألا عقل له، كما استعرض إنجازاته على أرض الواقع سواء في عدن أو في أبين .. الخ ما ورد في تلك المقابلة. إن بن علي عندما يتكلم في ذلك، لا يتكلم من لندن أو باريس، ولا يتكلم من برج عاجي، أو من خلف الكيبورد، بل يتكلم من على أرض الواقع، مسندا كلامه بوقائع حدثت أو شارك في إحداثها، ولا يستطيع أحد أن ينكرتلك الوقائع التي أشار إليها في حديثه. إن بن علي عندما يتكلم لا يعبر عن نفسه فقط ولا يمثل نفسه فقط، كما يروج البعض، بل أنه يتحدث بلسان حال منظومة سياسية و... جنوبية، متكاملة لها قاعدة شعبية لا بأس بها، ولها مبادئها وأهدافها المرسومة بوضوح بالنسبة لها على الأقل وإن كانت هذه المنظومة غير مؤطرة قانونا ضمن إطار سياسي واضح يتكلم باسم منظومة لها من التنظيم والوسائل ما لا يمتلكه أي مكون جنوبي آخر، يتكلم بلغة الأمر الواقع الذي لا يستطيع أي مكون جنوبي تجاوزه أو تهميشه كما تم تهميش غيره وقد كانت إشارته إلى ذلك واضحة في مقابلته المذكورة، وإن كانت هناك غشاوة على عيون البعض، أو تجاهل ذلك البعض الآخر، ولا يعني بأي حال من الأحوال التقليل من قيمة تلك المقابلة، بسبب عفوية بن علي في الكلام، أو افتقاره إلى لغة الساسة من أقرانه. وقد جاء موقف بن علي هذا، مؤكدا أيضا فيما سمي (بيان صادر عن الاجتماع المشترك للهيئات الرئاسية المنبثقة عن المؤتمر الوطني الجنوبي) الذي صدر مؤخرا بتاريخ 25/12/2012م الذي صيغ بطريقة سياسية احترافية، وكان ذلك واضحا في البند الثاني من التأكيدات التي أختتم بها البيان. بالمقابل فمثل ما يمتلك بن علي ومن ورائه، من التنظيم والوسائل التي لا تسمح بتجاوزهم أو تهميشهم، فإن الأطراف الجنوبية الأخرى، تمتلك هي أيضا مثل ذلك وإن بدرجة أقل، ولن يستطيع بن علي ومن معه، تجاوز تلك الأطراف، إلا أن ما يعيب تلك الاطراف هو أنها لا ترى غيرها في الساحة، وترى أنها الممثل الشرعي والوحيد للجنوب، ونتمنى أن تصحوا من غفلتها تلك، قبل أن تجلب على الجنوب ما لا يحمد عقباه. صوت العقل، ينبغي أن يسود في مثل هذه المرحلة التاريخية الحرجة، وليس صوت الأنفعاليين والعاطفيين، الذي لا يقدرون الآخرين حق قدرهم، لأن القفز على الواقع، والتقليل من الاخرين ووسائلهم، والسعي إلى تهميشهم، سوف يضع الجنوبيين أمام تحديات خطيرة، وربما أمام مشهد يتكرر فيه سيناريو جنوبي مرير، لايرغب جميع الأطراف الجنوبية بدون استثناء في تكراره، ومن هذا المنطلق يبدو أن الدكتور/ ياسين سعيد نعمان يرى نذر ذلك بعين بصيرة، فحذر من ذلك، لأنه يعرف رفاقه في جميع الاطراف أكثر من غيره. لقد غاب صوت الحكمه والواقعية عن الشارع الجنوب، وحضر بدلا عنه صوت التعبئة والشحن العاطفي، ومثل هذه الأصوات لا تصنع حلولا بقدر من تصنع أزمات، ولا تصنع قادة بقدر ما تصنع متسلطين ومنتفعين، لا يهمهم إلا ما سيجنوه من وراء ذلك، أيا كانت الكلفة الوطنية. إن أي تسوية للقضية الجنوبية لا يمكن بأي حال من الأحوال، أن تمر على أرض الواقع الجنوبي ويكتب لها النجاح، إلا متى ما كانت بمشاركة جميع الأطراف الجنوبية، ومنها بن علي ورفاقه، ومتى ما كانت واقعية تلتمس الظرف الحالي للجنوب، ويتم قبلها تقييم انعكاس تلك التسوية سلبا أو إيجابا على الجنوب على المديين القصير والبعيد.