تقرير سياسي مطول يطرق ولأول مرة في تاريخ الصحافة الجنوبية .. خفايا تفكيك الحراك الجنوبي.. -كيف بدأ الحراك الجنوبي موحدا وظل قويا حتى سقوط نظام صالح؟ - لماذا فشل صالح في تفكيك الحراك ونجح عبدربه؟ -قيادات الحراك كيف صمدت أمام تحديات السجون وسقطت أمام المناصب؟ - هل أضعف البيض وناصر والقيادات التاريخية الحراك الجنوبي ام عززوا قوته؟ - الريال السعودي ودوره في أضعاف القضية الجنوبية وحضورها شراء مالا يشترى؟ من فكك الحراك الجنوبي؟؟ ظلت «القضية الجنوبية» طيلة العقدين الماضيين في صدارة القضايا السياسية على مستوى الساحة اليمنية، وازدادت حضوراً وفاعلية بعد الإعلان عن تشكيل «الحراك الجنوبي» في عام 2007 برئاسة حسن باعوم، واندماج عديد قوى وحركات سياسية جنوبية يسارية ويمينية في إطاره، معلنة التصالح والتسامح بين الجنوبيين، بهدف إغلاق كافة ملفات الثارات السياسية الدموية، التي كانت من أبرز ثمار الصراعات، منذ فجر استقلال الجنوب في نوفمبر عام 1967، والتي كانت – وربما ما تزال – من أصعب العوائق التي تحول دون إمكانية التقاء الجنوبيين على طاولة سياسية واحدة، إلا أن قوى الحراك الجنوبي استطاعت حشد أبرز قيادات الصراعات الجنوبية، وتوجيهها نحو هدف واحد، وهو فك الارتباط وتحقيق استقلال دولة الجنوب بحدود ما قبل عام 1990، وصاحب ذلك صخباً إعلامياً كبيراً، على مستوى الداخل والخارج، سواء من خلال الصحف المقروءة التي لاقت رواجاً واسعاً في عدن ومعظم المحافظاتالجنوبية، أو من خلال عديد مواقع صحفية واخبارية، تروّج لذات الخيارات التي أعلنها «الحراك الجنوبي»، وتعمل جنباً إلى جنب مع القنوات الفضائية التي ظلت تعمل من بيروت وغيرها من العواصم العربية، بتمويل وإشراف من مكتب نائب الرئيس والرئيس الجنوبي السابق علي سالم البيض. وهدفت تلك الحالة الإعلامية الصاخية، إلى عرض أخبار الشارع الجنوبي، والتفرغ لتغطية مختلف الأحداث والمهرجانات والاعتصامات الجماهيرية التي يقودها «الحراك» ونشر البيانات والتقارير الميدانية، واستضافة القيادات التاريخية الجنوبية، وعرض رؤاها حيال التطورات التي شهدتها الساحة الجنوبية، ناهيك عن بث الأناشيد الحماسية، والأفلام الوثائقية التي أججت الشارع الجنوبي، وخلقت رأياً عاماً مندفعاً نحو الانفصال وفك الارتباط عن الشمال. وهي ذات اللغة التي اتبعتها الحشود الالكترونية التابعة للحراك، عبر شبكات التواصل الاجتماعي، (فيسبوك، تويتر، وغيرها)، والتي أعدت بعناية لتؤدي نفس الأهداف الاقناعية، وعلى الرغم من ذلك لم يتمكن الحراك الجنوبي من تحقيق الحد الأدنى من أهدافه السياسية المعلنة، خاصة بعد التحولات التي شهدتها اليمن، بعد أحداث ثورة الشباب في 11/ فبراير/ 2011، التي سرعان ما انتقلت باليمن إلى مربع المبادرة الخليجية، والتي بدورها فتحت الباب على مصراعيه أمام الأطماع والنزاعات الإقليمية، لتتحول اليمن إلى ساحة حرب بالنيابة، ولم تكن فصائل الحراك الجنوبي بمعزل عنها. تفكيك الحراك بدأ الحراك الجنوبي موحدا في العام 2007 ورغم المحاولات المستميتة التي قام بها نظام علي عبدالله صالح طوال سنوات وتنوعت مابين عمليات قمع للتظاهرات ومحاولة شراء ذمم بعض القيادات إلا أن نظام صالح فشل فعليا في إحداث أي اختراق لجسد الحراك الجنوبي. وظل الحراك الجنوبي قويا وفاعلا حتى اندلاع الحرب الأخيرة ومع انتهاء الحرب برزت إلى السطح ظاهرة التحالف بين الحراك الجنوبي والحكومة الشرعية والتحالف العربي. نجحت اطراف التحالف العربي والحكومة الشرعية في جر الحراك إلى مربع الامتيازات والأموال التي انهالت بشكل كبير وضخم على قيادات الحراك والمقاومة الجنوبية وباتوا جزء من الحكومة الشرعية . يرى كثيرون ان المناصب والامتيازات دفعت الكثير من القيادات إلى التخلي عن القضية الجنوبية والتماهي مع واقع المناصب الجديد. دمرت إلى حد كبير امتيازات الشرعية وأموال التحالف العربي الحراك الجنوبي وذهب الأمر إلى تهافت القيادات الجنوبية سعيا لطلب رضا التحالف العربي والحكومة الشرعية وذهب طرف ثالث إلى الارتماء في أحضان قطر وايران وعمان. وتحول الجنوب بحسب مراقبين بسبب التقافز والتسابق على المناصب والأموال إلى ساحة كبيرة لتقديم القضية الجنوبية من قبل كل الأطراف إلى الطرف الذي يقدم التمويل. لم يتسنَّ لفصائل «الحراك الجنوبي» توحيد موقفها من الحرب التي أعلنها الجنوبيون في مواجهة الحرس الجمهوري والقوات الخاصة المواليتان للرئيس السابق علي عبد الله صالح، والقوات التابعة ل«أنصار الله»، لتجد المقاومة الشعبية نفسها في عدنوالمحافظاتالجنوبية المجاورة لها، أن معظم فصائل الحراك توارى دورها، وغاب حضورها، فيما بدا الدور واضحا لجماعات تابعة لحزب «الإصلاح» و«السلفيين»، خاصة في محافظة عدن وأنحاء واسعة من محافظتي لحج وأبين. ويرى مراقبون؛ أن «التحالف العربي» بقيادة السعودية والإمارات قدم الدعم لتلك الجماعات، إلا أنه سرعان ما سحب البساط من تحت أقدامها، وأبقى على الدعم السياسي والعسكري والإعلامي لعناصر كانت تمثل فصائل في «الحراك الجنوبي»، ووضع عناصرها القيادية على قمة هرم المقاومة الجنوبية، على الرغم من أنهم من مناطق لم تشهد بعضها أية مواجهات، كمناطق في محافظة لحج، التي صارت تستحوذ على نصيب الأسد من دعم «التحالف» في القيادة العسكرية والسياسية في الجنوب. وفي السياق، تحدث الدكتور أحمد عبد الرحمن، الباحث في جامعة عدن، قائلاً: «في اعتقادي أن دعم التحالف لفصائل حراكية جنوبية، وحرمان اتباع حزب الإصلاح وغيرهم من أي دعم، دليل على أن هدف التحالف هو تفكيك قوى الحراك الجنوبي، من خلال دعم العناصر الموالية له، والترويج لهذه العناصر أنها الوحيدة تستطيع تحقيق أحلام الجنوبيين وطموحهم في الاستقلال عن الشمال». وأشار عبد الرحمن إلى دور اعلام «التحالف» في الترويج لهذه الجماعات، معتبراً أن «إعلام التحالف استطاع تبني شخصيات سياسية وعسكرية ودعوية جنوبية غير معروفة في الشارع الجنوبي، وليس لها تاريخ أو رصيد نضالي يمكن الاعتداد به، إلا أنه تمكن من فرضها على القضية الجنوبية، وبفعل الإعلام والأموال الطائلة صار لهم الحضور الواسع». وعلل عبد الرحمن الأسباب التي تقف وراء اتباع «التحالف» هذه الخطوة التفكيكية للحراك، بقوله إن «قيادات الحراك الجنوبي تقيم علاقات مباشرة مع حزب الله في لبنان، وكلنا يعلم عن علاقة فادي باعوم وعلي سالم البيض بحزب الله وغيرهم من القيادات الحراكية، ومعلوم أن السعودية تخشى من أي وجود إيراني أو لحزب الله في خاصرتها الجنوبية، ولهذا فإن تفكيك الحراك الجنوبي يعتبر من أهم أهدافها الاستراتيجية»، مضيفاً أن السعودية ترى بأن «الخطر الذي يشكله الحراك الجنوبي لا يقل عن خطر الحوثيين، إلا أن السعودية ومعها الإمارات، استطاعتا إخراج الحراك من الملعب السياسي الجنوبي، واحلتا المجلس الانتقالي بدلاً عنه». وانتهى عبد الرحمن إلى القول: «وها نحن نتابع مختلف فعاليات الانتقالي، ونجد أنه وجد لامتصاص غضب الجنوبيين فقط، وإعادة تمثيلهم، بما يتناسب وضرورة بقاء ولاء الجنوب للسعودية بالدرجة الأولى». خارج الملعب استطاعت السعودية والإمارات النفخ في جسد «الانتقالي الجنوبي»، من خلال ابراز قدراته الكبيرة في السيطرة على الجنوب، وجعله المرجع القيادي لمختلف القوات العسكرية والأمنية، بمسمياتها الجديدة، «الحزام الأمني» والنخبتين «الحضرمية والشبوانية»، ناهيك عن تمكينه من الاشراف الشكلي على الألوية العسكرية التي تحمل مسمى «العمالقة» الجنوبية، وظهوره في العامين الماضيين بمظهر «الثائر». فقاد حرباً في مواجهة ألوية الحماية الرأسية بعدن في يناير 2018، كما تمكنت قيادته من عرض القضية الجنوبية على ممثل الأمين العام للأمم المتحدة مارتن جريفث، بفعل الدعم الدبلوماسي الإماراتي، والمطالبة بدور فاعل «للانتقالي الجنوبي» في مختلف مراحل المشاورات والمحادثات، إلا أن كل تلك التحركات لم تحدث أي تغيير في وضعه السياسي. ويرى الصحفي نوفل السعدي، في حديثٍ خاصٍ أنه «لا يمكن للانتقالي أن يتبنى القضية الجنوبية، كما كان يروّج لها قبل الحرب التي تكاد تنهي عامها الرابع، لأن الوضع تغيير تغيرا جذرياً، وصار وجوده على الساحة الجنوبية، يمثل مصالح قوى إقليمية في الجنوب، وتحديدا السعودية والإمارات، اللتان تدعم بقائه، وتسييره تبعاً لأهدافها». وأشار السعدي، إلى أن «الأدوار التي تقوم بها قيادات الانتقالي، لا تعدوا عن كونها مظهرية، وهو في الأول والأخير، يبدو كلاعب أساسي على الساحة الجنوبية، ولكنه في الواقع يؤدي دوره خارج الملعب السياسي». ويؤكد السعدي، أن «التحالف لن يستغني عن بقاء الانتقالي الجنوبي في السنوات القادمة، إلا أنه سيجد طريقه إلى التلاشي والغياب عن الساحة في الوقت الذي تكون الحاجة السياسية له قد انتهت». صراع القيادات الجنوبية الكبرى مثل الصراع بين القيادات التاريخية الجنوبية واحد من عوامل تفكيك الحراك الجنوبي في مهده الأول كان علي سالم البيض اول القيادات التي أعلنت في العام 2009 دعمها للحراك الجنوبي سبقه في ذلك محمد علي احمد واخرين وأعقبه العطاس والجفري وقيادات جنوبية أخرى مثل علي ناصر محمد. ورغم اعلان كل هذه القيادات الجنوبية دعمها للحراك الجنوبي في مستهل سيرته الاولى إلا أنها فشلت في الاتفاق فيما بينها سياسيا ، لم تتمكن هذه القيادات من توحيد نفسها ، ظلت اسيرة صراع سياسي سابق فيما بينها ولو أنها نجحت في توحيد جهودها السياسي لتمكنت منذ اللحظة الاولى من الخروج بالجنوب إلى بر الأمان. كان تنظيم تاج هو أول الكيانات السياسية التي خرجت للمطالبة بالحق السياسي للجنوبيين قبل أن ينقسم على نفسه ويصبح أكثر من مكون في حين تسبب دخول البيض معترك الحراك الجنوبي إلى انقسامه هو الآخر. اواخر العام 2011 نجح علي ناصر محمد وقيادات جنوبية أخرى في عقد المؤتمر الوطني لأبناء الجنوب أو ما بات يعرف بمؤتمر القاهرة. نجح المؤتمر في إخراج وثيقة سياسية طالبت بانتهاج حكم فيدرالي بين شمال اليمنوجنوبه لمدة خمس سنوات. ظل الحراك الجنوبي عقبها اسيرا للتظاهرات ورغم انتهاء الحرب الأخيرة ورحيل كل القوات الشمالية من جنوباليمن إلا أن الحراك لايزال يتظاهر حتى اليوم مطالبا بالتحرير والاستقلال . هل نجح هادي في تفكيك الحراك الجنوبي؟ ظل الحراك الجنوبي قويا في عهد الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح لكنه سرعان ماتراجعت قوته خلال عهد الرئيس عبدربه منصور هادي . على خلاف صالح لم يذهب هادي إلى ضرب الحراك أو اعتقال قياداته بل هذب إلى عرض المناصب والامتيازات على قياداته. وتمكن هادي بحسب مراقبين من اسقاط الكثير من قيادات الحراك الجنوبي عبر قبولها بالمناصب الحكومية في ما كان يسمونها حكومة الاحتلال . تمكن هادي من استمالة الكثير من قيادات الحراك والمقاومة الجنوبية وبقبولهم المناصب والامتيازات بات من العبث المطالبة بالتحرير والاستقلال وطرد الاحتلال الذي يمثلون جزء من حكومته. يرى كثير من المراقبين أن هادي تمكن من إضعاف الحراك الجنوبي عبر توزيع المناصب والامتيازات وهي اولى الخطوات التي فككت الحراك وجعلت الكثير من قياداته تسارع لأجل الارتماء في أحضان السلطة . أموال التحالف العربي .. هل دمرت ماتبقى؟ ظل الحراك الجنوبي فقيرا لسنوات طويلة ومنذ العام 2007 وحتى العام 2015 ظلت قيادات الحراك الجنوبي تفتقر إلى كل شيء ابتدأ للسيارات والمناصب والمنازل الفارهة وكانت القيادات تعتاش على مايتم جمعه من تبرعات للفعاليات. ومع اندلاع الحرب الأخيرة في اليمن وتدخل السعودية والإمارات في اليمن باتت الاموال جزء من اللعبة السياسية وتمكنت دول التحالف مع خلق علاقات تحالف كبيرة مع القيادات الجنوبية ولكن هذه التحالف لم تكن مجانية ودونما شروط. استلمت الكثير من القيادات أموال طائلة مقابل العمل ضمن اجندة التحالف العربي التي شددت دائما على ضرورة الحفاظ على وحدة اليمن واستقلاله وسلامة أراضيه. انطلقت الكثير من القيادات الجنوبية وتلقت الاموال الطائلة وبدأ الجنوب اسيرا بيد الحكومة الشرعية والتحالف ولم ينجز للجنوب شيء منذ تحريره من قبضة ميليشيا الحوثي إلا شعارات متناثرة هناك وهناك وابر تخدير تضرب للشعب مع كل احتفال جماهيري هنا وهناك. نجحت إلى حد كبير أموال التحالف في السيطرة على ميول القيادات وسادت عملية شراء ذمم كبيرة على الساحة الجنوبية وادعت كل القيادات وصلا بالجنوب وقضيته بينما لم يتحقق شيء على أرض الواقع. هل سينتهي الحراك الجنوبي؟ رغم التحديات التي تواجه الحراك الجنوبي منذ سنوات إلا ان الكثير من المراقبين يربطون بقاء الحراك وديمومته بوجود القضية الجنوبية وانعدام الحل السياسي الحقيقي لها وفي ظل انعدام الحل سيظل الحراك الجنوبي حاضرا وبقوة لسنوات قادمة ولا يمكن لاي خلافات سياسي أو مال سياسي ان ينهي الحضور الحقيقي للقضية الجنوبية.