لاشك ان تداعيات الازمة اليمنية وتبعات الحرب الدائرة هناك لم تتوقف فعليا عقب تدخل التحالف العربي وعملياته العسكرية المتمثلة بعاصفة الحزم آنذاك، قد لربما ساهم ذلك التدخل العسكري يومها في الحد من سيناريوهات اكثر إنحدارا بالتأكيد، لكن الحقيقة التي لاتقبل الجدل هنا !هي انه عجز كليا عن إنهاء الازمة وحسمها عسكريا لذا نرى اليوم تحركا سياسيا نشطا طالما كان غائبا عن اولويات دول التحالف طيلة سنوات ادارتها لملف تلك الازمة . عموما دعنا ننتقل الى محور اخر قد يبدو اكثر قربا لفهم السيناريو المحتمل تنفيذه والسير فيه قريبا،وهنا لا مفر من العودة الى الوقوف مجددا امام القرارات الاممية المتصلة بالازمة اليمنية .. فعلى الرغم من القرار الاممي 2216 الصادر بخصوص الازمة اليمنية بدا قرارا صارما بوجه مفتعلي الازمة والانقلاب يومها؛ حينما وضع البلد عامة تحت سلطة البند السابع واسند مهمة حل أزمته لدول التحالف العربي الا ان مجريات احداث الارض لاحقا وكذا تناسخ رغبات الاطراف المكلفة بتنفيذه بعيدا عن رغبة الحل الجدي والسريع قد لعبت دورا كبيرا في افراغ محتواه بل انها بالفعل جعلت منه ماكينة قرارات أممية لتفريخ الازمة اليمنية وتحويلها الى مجموعة ملفات لكل ملف منها قرار ورؤية مستقلة عن الاخر ،ولعل اتفاق استوكهولوم والقرار المتعلق به يعتبر مثالا كافيا لما نشير اليه هنا .. على العموم بدا ذلك الامر واقعا ملموسا عندما أكد معه ان القرارات الاممية قد افرغت بدبلوماسية عالية؛ عدا انها كانت دائما تؤكد على ثابتين أثنين وتكرر نصهما المتصل في كل مرة وهما : الحفاظ على وحدة اليمن وسلامة أراضيه أولا وثانيا وهو الاهم برأيي ان تضمن الدول المكلفة في اعتمادها لاي تسوية سياسية مفترضة مسألة مهمة وهي الأمن الداخلي والسلم الدولي وجاءت نصا هكذا " بما يضمن أمن البلد وجيرانه" وعليك هنا ان تضع خطا عريضا تحت لفظة "وجيرانه" .. اليوم وفي ظل الحديث عن ملامح حل وشيك يتم تدارس مشهده الختامي حاليا قد يمثل تسوية سياسية شاملة تحدد معالم المستقبل السياسي لبلد الازمة سوف لن تجد امامك من مؤشرات صريحة قد تقودك لما يمكن تسميته بمشروع حل قادم غير مؤشرات المشروع الفيدرالي وبهذا تكون الازمة قد عادت الى مربع حلها الاول وهذا معناه ان سنين الحرب المنصرمة لم تكن الا دليلا عمليا في إستحالة انفاذ اي مشروع عدا مشروع الفيدالية او هكذا يبدو.. وفي الحقيقة ان مؤشرات وشواهد المشروع الفيدرالي لم تكن حاضرة بقوة حتى اللحظة التي تم فيها الاعلان عن اتفاق الرياض؛ الاتفاق الذي قد نعتبره منعطف الازمة الاهم والاكثر وقعا وتاثيرا على مستقبلها، فحتى قبل تاريخ توقيع ذلك الاتفاق كانت جميع حظوظ المشاريع الاخرى متساوية تقريبا ،اما اليوم وعقب توقيع ذلك الاتفاق فإنه بات بإمكان حتى المتابع البسيط مشاهدة مقدار التحول الواضح لمسار إدارة الازمة عبر تثبيط جانبها العسكري مقابل تنشيط جانبها السياسي بالاضافة الى تليين لغة خطاب الحرب نفسه بين اطرافه المتصارعة في تطور جديد قد يدعم مصداقية الحديث عن اكتمال الرغبة لدى الجميع بإنهاء ملف الصراع والدلوف في تسوية سياسية تضمن مصالح اطراف الازمة بالداخل والاقليم وهنا يمكننا الوقوف مع بعض الشواهد ذات الصلة .. اذ يبدو ان سلسلة اللقاءات الرسمية التي عقدها رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي عقب التوقيع على اتفاق الرياض مع عدد من سفراء الدول وخاصة لقاءه بالسفير الاميركي هانزل القادم من لقاء سابق مع البحسني يومها وكذا حضوره بعدها للقاء خاص جمع كلا من ولي العهد السعودي بنظيره الاماراتي في ابوظبي كلها مكاشفات ومصارحات يبدو انها بالفعل افضت الى تعديل خطاب المجلس الانتقالي وربما الى تاجيل مشروعه القاض بفك الارتباط ولربما جاء حديث القائد "الزبيدي" مؤخرا امام بعض قياداته العسكرية حول صعوبة إرساء مشروع فك الارتباط في الراهن او حتى في القريب العاجل بمثابة التاكيد ودعم الطرح القائل بمشروع الفيدرالية، اذ يبدو حقا ان المكون الجنوبي الناشئ قد استوعب جيدا ما رآه عن كثب على طاولة الملوك وربما تفهم ايضا مقتضيات المرحلة بعمق بعيدا عن خطاب المنصات المعتاد وهذا ما يمكن وصفه بالانضاج السياسي الذي تعرض له المجلس الانتقالي ليغدو بعدها خطابه اكثر اتزانا وتوافقا مع خطاب التحالف. بالمقابل وعلى الجهة الاخرى لا يتحدث الحوثيون كثيرا عن مشاريع سياسية تتصل بمستقبل البلد طالما وانهم سيضمنون خلال اي تسوية او مشروع قادم مستقبل الجماعة السياسي وحضورها السلطوي الدائم ولذلك الغرض ربما لن يجدوا افضل من واقع الفيدرالية وامتيازاتها السياسية بالنسبة لجماعة لم تتعد يوما قوام مديرية صغيرة في صعدة .. كان هذا شرحا حول مسالة "وحدة اليمن ..."المدرجة بالقرار الاممي؛ فماذا عن المسالة الاخرى والنص الاكثر اهمية بالنسبة للرعاة "بما يضمن أمن البلد وجيرانه"؟ ليس مستغربا السكوت عن مواجهات اغسطس الماضي بين قوات تابعة للانتقالي واخرى للشرعية بعدن وتماهي موقف التحالف حينها من تداعيات ذلك طيلة ايام القتال تلك، لتأتي فجأة وبعد حين ! رسالة التحالف شديدة اللهجة بوجه الاخوة المتحاربين كما اسمتهم مطالبة اياهم بالحضور الى جدة للتحاور وايجاد الحل للازمة الجديدة تلك بدلا من استعادة التحالف للوضع السابق الذي طالما وسم بالوضع الامن ومنجز المناطق المحررة .. عموما ولد اتفاق الرياض بثلاثة أوجه بيد ان رعاته تمحصوا وتفننوا كثيرا في وجهيه العسكري والامني اذ لم تخل نقاطهما فعلا في تأكيدها كون المغزى منها لن يتوقف عند نزع فتيل صراع اخر بين اطراف الاتفاق وحسب بل ستتعداه الى تقليم كلي وتحجيم كامل من اي مظاهر حقيقة للقدرة العسكرية قد تمتلكها اطرافه الموقعة . نعم كان المغزى هنا ومنذ البداية كما يبدو هو نزع السلاح في خطوة مستقبلية ربما تمهد لاعادة انتاج تلك القوى الحليفة بما يتواكب مع أطر ومقتضيات الحل الشامل للازمة .. حل يبدو ان اهم أسسه وشروطه ان تغدو منطقة الازمة تلك منطقة منزوعة السلاح وبما يضمن عدم قدرة اطرافها في العودة الى اي مواجهات عسكرية تكون سببا فعليا في انهيار اي تسوية سياسية تم التوافق عليها واعتمادها اقليميا ودوليا . وبطبيعة الحال سوف تسعى دول التحالف وتحديدا السعودية في قولبة الطرف الاهم وبذات السياق في هذا الملف وهم الحوثيين وذلك عبر فتحها لقنوات اتصال معهم وكذا توفيرها الوسيط الضامن لنجاح المباحثات مع قيادات الحركة والتي لن تحيد كثيرا في اهدافها عن مغزى نظيرتها تلك بالجنوب واطرافه المتناقضة اي لابد هنا من ان تفضي جميعها الى نزع سلاح الحوثيين واحتواء قدراتهم العسكرية؛ وبالفعل يبدو ان قيادة المملكة لم تبخل هنالك كثيرا في تقديمها عروضا سخية لقاء تخلي الجماعة الحوثية عن سلاحها الثقيل وخصوصا قدراتها الصاروخية ولربما كان إقدام السعودية على بادرة الافراج عن مائتي أسير حوثي والفتح الجزئي لمطار صنعاء دون مقابل معلن يقدمه الحوثيون بمثابة العرض الاولي فقط في سلسلة الاغراءات السعودية تلك. بصراحة تبدو الامور اليوم متقاربة جدا اكثر من اي وقت مضى في تاكيدها لدنو الرغبة بإنهاء الازمة وطي صفحة الحرب، وهنا لايسعني الا إستحضار خطاب سابق للمبعوث الاممي الخاص باليمن مارتن جريفيث واظنه في سبتمبر الماضي وحديثه عن سيناريوهات اكثر تعقيدا وصعوبة في التعاطي معها في حال فشلت جهوده التفاوضية؛ في إشارة منه الى فرضيات اخرى تدعمها الاحداث على الارض ويبدو انه كان خطابا تحذيريا موجها لدول الرباعية المعنية بإحتمالية رفع الغطاء الاممي عن جهودها وربما نزع التفويض الحصري خاصتها بشأن إدراة ملف الازمة اليمنية وهذا قد يعني ايضا الإفساح لدخول لاعبين أخريين اكثر طموحا وتاثيرا لطالما قيدتهم قرارات الاممالمتحدة عن التدخل المباشر وان ثبت تدخلهم لاحقا من تحت طاولة تلك القرارات. على كل حال يبدو ان كلمات جريفيت تلك قد وجدت صداها في أذان المملكة والامارات على وجه الخصوص لتشرع الدولتان بعدها مباشرة بلملمة أحداث اغسطس سريعا وإمتصاص السخط الاممي والاوروبي معا والعودة مجددا للبحث عن اقرب الحلول وايسرها للتطبيق العملي ولكن بالطبع بما يضمن مصالح الجميع وكذا أمن بلد الازمة وجيرانه وهنا عادت لفظة جيرانه لتؤكد المشروعية الدائمة والحصرية لدول التحالف بتحويلها لبلد الصراع المسلح الى منطقة منزوعة السلاح قبل اي حديث عن حل شامل ونهائي . فهل تأتي تصرحيات قائد القوات السعودية بعدن مجاهد العتيبي حول امكانية استخدام وسائل اكثر حزما في سبيل انفاذ اتفاق الرياض ضمن الاشارات الواضحة ربما الى أولوية إرساء بنديه العسكري والامني خصوصا وان تلك التصريحات قد تزامنت مع لقاءات متواصلة عقدها رئيس المجلس الانتقالي مع قيادات عسكرية تتبع المجلس بغية تسليم السلاح الثقيل والمتوسط حسب نص الاتفاق؟ لكن مع هكذا تصور ستكون قيادة التحالف لامحالة مطالبة هنا بتفسير بعض التحركات العسكرية المريبة والقادمة من طراف اخرى مجاورة لعدن ! ام انها تظل شطحات محتواة بنظر التحالف ولا اهمية للالتفات ناحيتها بعد ان أكد الاتفاق تجاوزها ؟ اسابيع فقط باعتقادي وتتضح الصورة الكاملة لكل ما اوردنه هنا؛ وللاشارة فقط !ليس بالضرورة عند الحديث عن مشروع فيدرالي قادم ان يكون هو ذات المشروع الذي حددت ملامحه مخرجات الحوار الوطني لانه وببساطة ! فإن الفيدرالية القادمة في حال اعتمدت كنظام حكم للبلد لايجب ان تغفل في اولوياتها عن تلبية مصالح دول التحالف وحلفهائها الكبار بالمقام الاول ومن ثم مصالح البلد ومستقبله السياسي كهدف ثان ،وهو أمر في الغالب لم تدعمه كثيرا مسودة مشروع الفيدرالية والاقاليم الذي خلفته جلسات الحوار الوطني يومها لذا يمكن القول اننا هنا بصدد تقديم مشروع فيدرالي قادم على حساب تجميد مشاريع اخرى كخطوة توافقية بالنسبة لرعاتها ومرحلية بالنسبة لاطراف طالما عبرت عن رفضها للمشروع الفيدرالي في اكثر من مناسبة.