كلما أردت كتابة تهنئة بعيد الفطر إلى حكومة النوم و انتقالي اللوم و تخالف لا يجيد العوم و يريد أن يأكل بفمنا الثوم أجد الحروف مجاهرة بعصياني و هي التي كانت طوع بناني فإذا بها تأبى أن تكون مرصوفة في بياني! فكلما أردت كتابة(أهنئ)أراها تمردت و تمددت حتى صارت(أهييين)و لا أدري لذلك سببا و لا أزداد إلا عجبا! حاولت مرارا و تكرارا فزادت عنادا و إصرارا و ولَّت مني فرارا! ثم اهتديت إلى السبب و هنا بطل العجب فمن شدة الحر الذي يطرد القر تساقط عرقي على السطر فحول و بدَّل و حرف و عدَّل و العتب على الكهر و الوباء المسماة زورا الكهرباء فلا تلوموني يا معشر العقلاء فمن يقاسي البلاء ليس كمن يده في بارد الماء. و مع ذلك فقد عاتبت حروفي قائلا:لأجل قطرات من العرق تحرف ما كتب على الورق فهل كنتِ سبات أم تعانين من الأرق؟! ثم أيتها الحروف الحبيبة ألستِ مني قريبة و أنت أجمل جليسة و أفضل أنيسة و في حنايا صدري معشوقة حبيسة؟ فما كل هذا الإعراض و النفور و التفلت و المور حتى تبعثرت السطور و تغير المنشور؟ فأجابتني إجابة الواثقة المدلَّة التي أمسكت بناصية الحجج و الأدلَّة و قالت:أما و الله لو كان لي لسان ناطق لقلت و قولي صادق هل تريد من حروف حُرَّة فيها من الغيظ و الحِرَّة و كأنها في أرض الحَرَّة أن تتلطف مهنئة وجوها مغبرة كالحة لا تقية و لا فالحة و لثوب الحياء شالحة و على كل مبدأ جميل سالحة؟ و أردفت بحنق ظاهر و برهان قاهر:و بما أنهم اتفقوا و اجتمعوا على قتلكم و تعذبيكم و إهانتنكم بالخدمات فلا أقل من أن تردوا لهم الإهانة بالكلمات و ذلك أضعف الإيمان و لينتظروا بعدها الطوفان و لن ينفعهم قول ليت الذي جرى ما كان. ثم وجهت إليَّ الخطاب بما هو تهديد لا عتاب فقالت مهددة متوعدة:إن شئت أن أعود إليك حبيبة الجنان و طوع البنان و عروس البيان فإياك و العودة إلى ما حاولت من الهذيان و تهنئة من يتحكم بهم الصبيان و يقودهم العميان و يسير بهم العرجان و إلا هجرتك إلى آخر الزمان. فقلت لها:حنانيك و أنا أعتذر إليك فعودي إلى نفس تواقة و حنايا مشتاقة،و أما الثعالب المتناحرة و من يكفلهم من الدول المتنافرة فسيغدون عظاما ناخرة و سيردون في الحافرة و ذل في الدنيا قبل الآخرة و إن غدا لناظره قريب.