السفير اليمني يزور المنتخب قبل مواجهة البحرين    الماجستير بامتياز للباحثة عبير عبدالله من الاكاديمية العربية    مشكلة الكهرباء    فتح الطرق بين الإصلاح والحوثي هدفه تسليم حضرموت والمهرة للحوثيين    "الانتقالي الجنوبي" ل"النهار العربي" نأمل في اقتناع الشمال بفك ارتباط سلس    السعودية تضع حجر الأساس لمشروع إنشاء كلية الطب في مدينة تعز مميز    لملس يوجه بتوفير مسكن لأسر منزل كريتر المنكوب    في وداع محارب شجاع أسمه شرف قاسم مميز    منه للكبوس والزيلعي وام تي ان وبنك قطر واليمني والرويشان وشهاب والعابد وآخرين    تقرير أممي: أكثر من 6 ملايين شخص في اليمن بحاجة لخدمات المأوى هذا العام مميز    الوزير الزعوري يدعو المنظمات الدولية لدعم الحكومة في تنفيذ الإستراتيجية الوطنية لكبار السن    الاتحاد الأوروبي يجدد دعمه للجهود الأممية للوصول الى تسوية سياسية شاملة في اليمن مميز    مورينيو يسعى لخطف سون من توتنهام نحو فنربخشه    ساوثغايت يركز على استعداد كاين ليورو 2024    ايطاليانو مدربا لبولونيا    بيانات صينية وترقب أخرى أميركية يرفعان النفط والذهب والدولار    وادي حضرموت يشهد عصياناً سلمياً استجابة لدعوة شباب الغضب    رسالة الى كل مسطول بالقات.. احذروا التأثيرات الصحية والنفسية    لن نقول "شكراً" لقاطع طريق    معجزة تتوج اليونان بلقب يورو 2004    انسحاب ديوكوفيتش نذير شؤم قبل ويمبلدون.. واستثناء وحيد    هجوم حوثي عنيف جنوبي اليمن وسقوط قتلى وجرحى    الاحتلال يواصل توغله في رفح وعدوانه يخلف مزيدا من الشهداء والمصابين    عصابات فارس مناع تعبث بالآثار في إب لتهريبها للخارج    مدير منفذ الوديعة يعلن استكمال تفويج الحجاج براً بكل يسر وسهولة    سخط وغضب عارم وسط اليمنيين من دولة خليجية بسبب تداول مقطع فيديو مسرب وصادم    حريق هائل في مارب وضحايا جلّهم من الأطفال    الموت يفجع اللواء فيصل رجب    التأثيرات السلبية لقراءة كتب المستشرقين والمنحرفين    العشر الأوائل من ذي الحجة: أفضل أيام العبادة والعمل الصالح    عيدروس الزبيدي في مهمة تركيع الحوثيين    قيادة السلطة المحلية في مارب تستقبل وفد موكب السلام بحفاوة "شاهد"    إنهيار منزل من 3 طوابق على رؤوس ساكنيه بالعاصمة عدن    مقتل جندي في وادي حضرموت برصاص مسلحين مجهولين    دي بروين يفتح الباب أمام الانتقال إلى الدوري السعودي    الاتحاد السعودي معروض للبيع!.. تحرك عاجل يصدم جمهور العميد    مع اقتراب موسم الاضاحي ..10 دول عربية ضمن الأكثر امتلاكا للأغنام في العالم وهذا هو ترتيب اليمن    غرق طفل في حضرموت : العثور على جثته بعد ساعات من البحث المكثف    قيادي في الحراك الثوري يهاجم الانتقالي الجنوبي و يدعو إلى انتفاضة    عدن وحضرموت على صفيح ساخن والغضب الشعبي يتزايد    ضربة قاصمة جديدة للحوثيين: عدن تستقبل المزيد من المنظمات الدولية    عاجل: إعلان عسكري أمريكي بشأن هجوم صاروخي للحوثيين بالبحر الأحمر    75 مليون دولار يلحسها وزير الداخلية "إبراهيم حيدان" قيمة بطاقة شخصية    ارحموا الريال    لم تستطع أداء الحج او العمرة ...اليك أعمال تعادل ثوابهما    ارتفاع حالات الكوليرا في اليمن إلى 59 ألف إصابة هذا العام: اليونيسيف تحذر    - 17مليار دولار ارتفاع ثروة أغنى أغنياء روسيا خلال السته الأشهر من 2024    - توقعات ما سيحدث لك وفق برجك اليوم الثلاثاء 4يونيو    يكتبها عميد المصورين اليمنيين الاغبري    سلام الله على زمن تمنح فيه الأسماك إجازة عيد من قبل أبناء عدن    من جرائم الجبهة القومية ومحسن الشرجبي.. قتل الأديب العدني "فؤاد حاتم"    أغلبها بمناطق المليشيا.. الأمم المتحدة تعلن ارتفاع حالات الإصابة بالكوليرا في اليمن    وكالة المسافر للحج والعمرة والسياحة بحضرموت تفوج 141 حاجاً إلى بيت الله    وفاة ضابط في الجيش الوطني خلال استعداده لأداء صلاة الظهر    إعلان قطري عن دعم كبير لليمن    5 آلاف عبر مطار صنعاء.. وصول 14 ألف حاج يمني إلى السعودية    خراب    ثالث حادثة خلال أيام.. وفاة مواطن جراء خطأ طبي في محافظة إب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأوضاع الصحية في اليمن بين السياسات الخاطئة وحق المواطن بالحياة
نشر في عدن الغد يوم 04 - 09 - 2020


الصحة والتنمية :
إن تحين الأوضاع الصحية هي أهم مستهدفات التنمية ، حيث أن التخلص من الأمراض وأسباب الوفاة يساعد على بناء الإنسان بصورة جسدية وعقلية واجتماعية متوازنة وسليمة تعينه على بذل الجهود الهادفة ، واستيعاب المعرفة والإبداع والاستمرارية ، ويحقق ذلك للأجيال القادمة أرضية مناسبة لبناء الحياة اللائقة .
إن أركان الحياة الصحية السليمة هي توفر التغذية الكافية والملائمة – مع التركيز على الأمهات والأطفال – وتوفر الرعاية الصحية والخدمات العلاجية والعيش ببيئة غير مولّدة للأوبئة ، مثل توفر مياه الشرب الآمنة وخدمات الصرف الصحي . ولم تفلح جهود التنمية في اليمن لأكثر من خمسة عقود من الزمن من تحقيق ذلك الهدف الرئيسي ، بل أن النظام الصحي الذي تم بنائه ، قد تحوّل اليوم إلى ما يعتقد بأنه يخلق المآسي للناس بدلاً من حمايتهم منها .
وهي حقيقة أيضاً بأن النظام الصحي في المجتمع اليمني لا يتحمّل لوحده كل الأسباب التي تعزّز هذه الحالة المتدهورة للأوضاع الصحية للسكان ، لكن مسئولياته كبيرة جداً لا محالة .
ويمكننا مناقشة الموضوع ابتداء من تناول موضوع الإنفاق على الصحة باعتباره يعكس السياسات الحكومية ويؤثر مباشرة على تطور الأوضاع الصحية للسكان :
الإنفاق على الصحة :
يجري تقييم الإنفاق على الصحة من جوانب ثلاثة هي : الكفاية (أي كفاية هذا الإنفاق) ، الكفاءة(انعكاس فاعلية هذا الإنفاق على صحة السكان ) والعدالة (حصول المواطنين على الخدمات الصحية بدون تمييز كحق ) .
الكفاية :
من الممكن بثقة كاملة الحديث عن أن مستوى الإنفاق على الصحة في اليمن هو أوضح تعبير عن قصور المسئولية الرسمية للدولة تجاه صحة السكان ، وهو أهم العوامل التي أصابت الصحة بالقصور وبالتالي أضرت مباشرة بطبيعة الخدمة الصحية المقدمة للناس وبحصول السكان على هذه الخدمة من عدمه أو نوعية الخدمة التي يحصلون عليها والتي تزداد تردياً باضطراد .
ويتضح ذلك من خلال عدم كفاية وعدم زيادة نسبة الإنفاق على الصحة من إجمالي الإنفاق الحكومي سنوياً إن لم تقل ، في ظروف تزايد عدد السكان ، وتزايد الطلب على الخدمة ، وتزايد الحاجة لبذل جهود رسمية إضافية في هذا المجال . وقد تذبذب معدّل الإنفاق على الصحة من إجمالي الإنفاق الحكومي بين 4.2% ، 3.6% و4% للأعوام 90 ، 95 و2000م م 4.8% ،3.9% و3.9% للأعوام 2005، 2012 و2014م كما يشير الجدول رقم (1) .
وبنفس المنوال تظهر صورة نسبة الإنفاق على الصحة من الناتج المحلي الإجمالي كمؤشر لقياس الكفاية ايضاً ، حيث تذبذبت هذه النسبة بين 1.2% و 1.7% خلال عقدين ونصف تقريباً
جدول رقم (1) : الإنفاق الحكومي على الصحة
كنسبة من الإنفاق العام والناتج المحلي الإجمالي
الإنفاق/السنة
90
95
98
2000
2005*
2008*
2012
2014
%إلى الإنفاق العام
4.2
3.6
3.8
4
4.8
6.4
3.9
3.9
%إلى الناتج المحلي الإجمالي
1.2
0.9
1.6
1.4
1.6
1.5
1.7
1.7
السنوات 90 – 2000م مصدر بيناتها وثائق المؤتمر الثالث للسياسات السكانية ص 70، المجلس الوطني للسكان 2003م، صنعاء.
* السنوات 2005 – 2010م مصدرها تقرير undp برنامج الأمم الإنمائي ، تقرير حول اليمن ، الفصل الرابع بعنوان "عمر أطول وصحة أفضل" .

وتنعكس النسبة المحدودة للإنفاق على الصحة من إجمالي الإنفاق الحكومي سنوياً على حصة الفرد من السكان من هذا الإنفاق والتي تراوحت بين 2.4 دولار/فرد/سنة و11 دولار/فرد سنة خلال الفترة 90 – 2010م كما يشير الجدول رقم (2) .
جدول رقم (2) : تطور نصيب الفرد من الإنفاق الحكومي على الصحة
خلال الفترة 90 – 2010م
المؤشر
90
93
95
98
2000
2005*
2008*
2010*
نصيب الفرد من الإنفاق على الصحة (ريال)
112
230
293
607
1099
2411
2691
2419
نصيب الفرد من الإنفاق على الصحة (دولار أمريكي)
8.1
4.7
2.4
4.7
6.8
13
13
11
المصدر : نفس المصادر الواردة اسفل الجدول (1)

من البيانات السابقة يتضح أن بنسبة الإنفاق على الصحة من الناتج المحلي الإجمالي وكذلك ما ينفق على الفرد من السكان من إجمالي الإنفاق على الصحة هي ضئيلة جداً ولا تعبّر عن سياسات اجتماعية واقتصادية تهتم بالمجتمع وصحة كل فرد من أفراده . هذا الإنفاق هو أقل بكثير إذا ما قارناه مع ما تنفقه عدد من الدول الصديقة ذات النهج الاقتصادي المشابه لنهج بلادنا ، كما أنه أقل من النسبة التي أوصت بها منظمة الصحة العالمية لإنجاز الهدف الاجتماعي وهو "توفير الصحة للجميع" ، المقدرة ب 5% من إجمالي الناتج المحلي جدول رقم (3) .
جدول رقم ( 3 ) : مقارنة الإنفاق على الصحة ونصيب الفرد منها مع بعض البلدان
عام 2010م
البيان
اليمن
الأردن
تونس
عُمان
ماليزيا
%الإنفاق الحكومي على الصحة إلى الناتج المحلي الإجمالي
1.7
5.4
3
1.7
1.9
نصيب الفرد من الإنفاق الحكومي على الصحة (دولار أمريكي)
11
434
463
688
604
المصدر : برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ، تقرير التنمية البشرية لعام 2010م

والبيانات الواردة في الجدول (3) تبيّن الفوارق الكبيرة في الإنفاق ونصيب الفرد ما يجعل الوضع الصحي للسكان أفضل في هذه البلدان ، كما أنه ينعكس في التجهيزات الحديثة والمناسبة للمؤسسات الصحية .

الكفاءة :
للإنفاق الحكومي على الصحة دلالات ضعف في كفاءته الداخلية ويظهر ذلك جلياً من المبالغ الضئيلة المخصصة للإنفاق الاستثماري المتمثّل في اكتساب أصول ثابتة (مثل المرافق الصحية والأسرّة والأجهزة والمعدات الطبية الجديدة أو إصلاحات جوهرية لإطالة عمر المباني والأجهزة ) ، وقد تراوحت بين 9.5% و26.4% من إجمالي الموازنة السنوية الفعلية للصحة ن في حين استحواذ الإنفاق الجاري على الباقي والذي تراوح بين 72% و90% خلال الفترة 90 – 2010م .
وبالرغم من أن الفساد يتغلغل في مختلف جوانب الإنفاق إلا أنه هنا يجد مرتع له في إطار الإنفاق الجاري وخاصة البند المسمى ب "الإنفاق على الأعمال الإدارية "، حيث أستحوذ عام 2010م على نحو 50% منه . ولم تحصل خدمات الأجهزة الطبية والإدارية وتوفيرها سوى على 1.7% ، والإنفاق على البحوث والتطوير في مجال الصحة العامة سوى على 0.03% من إجمالي موازنة الصحة .
جدول رقم (5) : الإنفاق الاستثماري والجاري
كنسبة (%) من الإنفاق على الصحة
البيان
90
93
95
99
2000
2001
2010
الإنفاق الجاري
89
90.5
85.5
75.5
72.4
72
73.6
الإنفاق الاستثماري
11
9.5
14.5
24.5
27.6
23
26.4

إن قراءة متفحصة لحقيقة الإنفاق على الصحة ، حجمه وتوزيعه يفسّر بمحدودية التغطية بالمرافق الصحية الحكومية ، وافتقارها إلى التجهيزات الطبية والأسرّة والتكنولوجيا العلاجية والتشخيصية .
إن عدم كفاية الإنفاق على الصحة خلال الفترة المنصرمة وراهناً ، وبالتالي ازدياد الحاجة إلى توفير متطلبات التوسع في التغطية بالخدمات الصحية للغالبية من السكان المصنفة بالفئات الفقيرة ومحدودة الدخل ، في ظل انتشار الأمراض المعدية المرتبطة بالفقر والأمية ومحدودية الوعي لدى المجتمع ، فضلاً عن انتشار الأمراض المزمنة وإن كانت غير معدية إلاّ أن علاجها مرتفع التكاليف ويتطلب أجهزة طبية وتخصصات غير متوفرة في البلد على نحو يعكس اتساع حجم الفجوة في مستوى الخدمات الصحية بين اليمن ودول العالم . وينجم عن ذلك استنزاف أموال طائلة تصرف للعلاج خارج الوطن .

الجدول رقم (6) يظهر مقارنة بعض المؤشرات الرئيسية المتعارف عليها مع عدد من البلدان المختارة في كفاءة وفاعلية الإنفاق الحكومي على الصحة ، وفي كل المؤشرات تظهر المقارنة كيف أن اليمن يحوز على أدنى المؤشرات .
جدول رقم (6) : مؤشرات كفاءة وفاعلية الإنفاق الحكومي
على الصحة في اليمن مقارنة مع بعض دول العالم
البيان
اليمن
الأردن
تونس
عُمان
ماليزيا
متوسط العمر المتوقع للحياة عند الولادة
63.9
73.1
74.4
76.1
73.7
متوسط السنوات المتوقع للحياة مع التمتع بالصحة عند الولادة
54
63
66

معدل وفيات الأطفال دون الخامسة لكل 1000 مولود حي
69
21
20
12
6
معدل وفيات الأمهات لكل 100000 مولود حي
365
62
100
64
62
قيمة دليل التنمية البشرية
0.439
0.681
0.683

0.744
الترتيب في دليل التنمية البشرية (بين 169 دولة)
133
82
81

57
المصدر: برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ، تقرير التنمية البشرية لعام 2010م

إضافة إلى المؤشرات السابقة من الضروري إيراد أهم المؤشرات الخاصة بالأطفال دون الخامسة في اليمن والتي تتظافر بتوليدها العوامل الغذائية والعوامل الصحية وعلاقتها بالحدود القصوى للمؤشرات المعتمدة من قبل منظمة الصحة العالية . ولتبيان الوضع المأساوي للوضع الصحي في اليمن نورد مقارنات هذه المؤشرات مع بعض الدول العربية في الإقليم ، جدول رقم (7) .
جدول رقم (7) : مؤشرات خاصة بالأطفال دون الخامسة (الهزال ،
والتقزّم والمواليد ناقصي الوزن )* وفقاً لأحد البينات
البلد
التقزّم
الهزال
المواليد ناقصي الوزن
الحد الأقصى وفقاً لمنظمة الصحة العالمية
30%
10%
15%
اليمن
58%
15%
32%
العراق
30%
9%
10%
تونس
8%
3%
2%
الأردن
10%
2%
3%
المغرب
20%
10%
3%

تشير البيانات في الجدول (7) أنه نحو 58% من الأطفال دون الخامسة مصابون بالتقزّم ونحو 15% مصابون بالهزال الحاد ، وأن نسبة المواليد ناقصي الوزن (أي يقل وزنهم عن 2500 جرام) نحو 32% من إجمالي المواليد ، وجميع هذه المعدلات تتجاوز الحدود القصوى التي تعتمدها منظمة الصحة العالمية ، وتعني أن وصول تلك النسب إلى هذه الحدود أو تجاوزها يعكس خطراً كبيراً على الأطفال والسكان عموماً . وتشير التقارير إلى أن نسبة انتشار نقص الوزن المعتدل والحاد إلى نحو 46% .
التقزّم ، الهزال و المواليد ناقصي الوزن
التقزّم : تدني نسبة الطول إلى العمر .. بسبب عدم الحصول على التغذية الكافية خلال فترة طويلة ، والتعرض لأمراض متكررة أو مزمنة .
الهزال : تدني نسبة الوزن إلى الطول .. بسبب إصابة الطفل بمرض معيّن حديثاً إضافة إلى نقص في التغذية.
نقص الوزن : - عند المواليد .. للقصور في الإشراف الطبي أثناء الحمل دور كبير في ذلك ، إلى جانب كل ظروف الحمل والولادة المعقدة .
- بشكلٍ عام هو: تدني نسبة الوزن إلى العمر ، وينجم عن التقزّم أو الهزال أو الإثنين معاً .

3 – العدالة :
وفقاً لوثيقة "استراتيجية تنمية القطاع الصحي في اليمن " المقدّمة من قبل وزارة الصحة العامة والسكان وأقرتها الحكومة عام 2000م ، فإن الإسهامات النقدية في تكلفة الرعاية الصحية التي تدفعها الأسر وصلت إلى نحو 75% في حين لا تزيد اسهامات الحكومة عن 25% ويعد ذلك أدنى مستوى للإسهامات الحكومية في الإقليم ، إذ تصل اسهامات الحكومات إلى نحو 86% من إجمالي تكلفة الرعاية الصحية .
وفي هذا الصدد يورد برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP ) في إطار التوزيع النسبي لمصادر تمويل القطاع الصحي لعام 2009م بأن حصة القطاع العائلي يتجاوز 62.4% ، وفي الواقع فإن ما تدفعه الأسر من تكلفة الرعاية الصحية يرتفع بانتظام مع تحمّلها لكل تكاليف ومتطلبات التداوي وتخلي الدولة عن واجبها تجاه صحة المواطنين.
إن ما ورد يعني أن أغلب السكان يتحمّلون عبئ الإنفاق الصحي الباهظ التكلفة ، وتتضمن تكاليف العلاج في المستشفيات قائمة طويلة من المصاريف ، ابتداءاً من تكاليف التشخيص بجميع أنواعها ، سواء المختبرية أو الكشفية باستخدام الأجهزة الطبية الحديثة وانتهاءاً بتكاليف التطبيب والأدوية والعمليات الجراحية ومتابعتها في حال استلزم الأمر اجرائها . وتعد فاتورة الأدوية في حد ذاتها عبئاً ثقيلاً على كاهل معظم الأسر اليمنية ، خاصة أن غالبية اليمنيين يندرجون ضمن الفئات الفقيرة في المجتمع ما يضاعف معاناتهم ويؤدي إلى تردي مستواهم المعيشي ليزدادوا فقراً على فقرهم . كما أن الفقر بحد ذاته قد يؤدي إلى الاعتلال الصحي ، لأن الأسر الفقيرة لا يمكنها الوصول للرعاية الصحية ، كل ذلك يدعو إلى وضع وتطبيق نظام صحي اجتماعي يوفّر الخدمة لجميع السكان وبجودة أفضل .

الخلفيات والنتائج :

يتضح لنا من خلال دراسة الإنفاق الحكومي على الصحة في اليمن أنه أحد المؤثرات السلبية الرئيسية على الأوضاع الصحية ، وقد تظافرت مع هذا العامل عوامل أخرى منها الفساد الذي يتغلغل في مختلف مراتب الأجهزة الصحية الرسمية سواء في المركز أو في المحافظات ، و أصاب المؤسسات بأضرار بالغة وكذلك بالخدمة المفترض تقديمها للمواطنين وبالنتيجة بصحتهم أيضاً .
والفساد في أجهزة الصحة يلتهم :
- جزء مهم من الميزانية السنوية للقطاع الصحي .
- جزء هام من المساعدات المقدمة من الهيئات والمنظمات الخارجية ومنها منظمات الأمم المتحدة .
إضافة إلى ما ذكر فإن جزء كبير من مساعدات منظمات الأمم المتحدة في مجال الصحة توظف للتجهيزات والوسائل والمواد الإدارية والقليل منها ما يستخدم في مجال صحة المواطنين مباشرة .
وبسبب تردي أداء النظام الصحي الحكومي وبروز نواقص كثيرة ، تم تبني سياسات توسيع دور القطاع الخاص وتطبيق نظام مساهمات المجتمع في التكلفة . والتوجه نحو هذه السياسات لم يكن من وجهة نظرنا بهدف نشر الخدمة الصحية في ربوع البلاد وتطوير بنية وقاعدة القطاع الصحي بشكلٍ عام ، بل كان دافعه هو الإستمرار في الهروب من زيادة الإنفاق على الصحة وضمن اتجاهات تقليصها حسب نصائح البنك وصندوق النقد الدوليين.
وقد جاء تطبيق هذه السياسات في مجال الصحة في ظروف تفشي مخيف للفساد في مؤسسات الدولة ومنها مؤسسات الصحة بأنواعها ووظائفها المختلفة ، حيث نشأت مؤسسات لا تتوافق في مواصفاتها والمواصفات المتعارف عليها . وقد رافق هذه السياسة وبسببها فقد دور الأنظمة والقوانين والتشريعات الخاصة بمراقبة عمل هذه المؤسسات ، وحماية أرواح الناس ومداخيلهم .
وبمعنى أخر أن القطاع الصحي الحكومي لم يتحمّل مسئولياته في ضمان تقديم الرعاية الصحية الجيّدة والمأمونة من قبل مؤسسات القطاع الخاص المتسارع النمو ، حيث ثبت ضعف الموثوقية والجودة العامة للخدمات ، ونقص المختبرات المقبولة الجودة ، ما يحد من إجراء تشخيصات دقيقة (وزارة الصحة والسكان 2000م استراتيجية تنمية القطاع الصحي في اليمن) .
ويضاف إلى ما سبق إن القطاع الخاص وضع نفسه في منافسة مع القطاع الحكومي فهو يقتات منه ، ويشعر الكثيرون حتى أن الدمار المنظّم لمؤسسات القطاع الحكومي يجري بالتنسيق ونشاط مؤسسات القطاع الخاص التي تبدأ عند عتبات أبواب مؤسسات القطاع لحكومي لا في المناطق التي تفتقر إلى الخدمات الحكومية ، وبيّنت الإحصاءات في أربع محافظات أن المناطق التي تتمتع بأكبر عدد من المؤسسات الحكومية توجد بها أكبر عدد من مؤسسات القطاع الخاص ، وأن المناطق التي بها أقل عدد من المرافق العامة تحتوي على أقل عدد من مرافق القطاع الخاص ، كما أن القطاع الخاص لا يؤدي إلاّ دوراً هامشياً في تحقيق الأهداف الصحية العامة لوزارة الصحة (وزارة الصحة والسكان 2000م استراتيجية تنمية القطاع الصحي في اليمن) .
وبالنسبة للمشاركة بالتكلفة فمع تبني هذه السياسة أصبح من المعتاد أن يدفع المرضى أتعاب الخدمات التي كانت تقدّم مجاناً من قبل بدون أي تحسن واضح في النوعية ، بل أن الوضع آل إلى ترسيخ نظام دفع رسوم الخدمات التي أصبحت هدفاً للمؤسسات الصحية العامة وترافق ذلك مع التأثير السلبي وبشكلٍ خطير على تيسير الحصول على الخدمات الصحية والتي لا يتيسر الحصول عليها من قبل الكثيرين .
وهنا يتضح أن نظام المشاركة بالتكلفة انقلب عن أهداف تطبيقه ، فبدلاً من أن يكون سبيلاً إلى خدمات أيسر منالاً و أفضل جودةو أقل تكلفة ، تحوّل إلى نظام لا يحمّل المواطنين أعباء مادية إضافية فحسب بل يحول بينهم وبين الحصول على الخدمة الصحية الملائمة ، حيث تدهورت كثيراً جودة الخدمات المقدمة .
هذا الوضع كله جعل المؤسسات الصحية الحكومية محل عدم موثوقية من قبل المواطنين الذين أصبحوا حائرين بين نارها الناتجة عن العبث والإهمال والرسوم ونار المؤسسات الخاصة التي تمتص دخولهم بدون تقديم خدمات مضمونة وملائمة لهم .
في إطار نظام صحي كهذا فإن نقص التدابير الوقائية تؤدي إلى رفع معدل المراضة ،كما يترك عدد كبير من المرضى بلا معالجة أو يعالجون معالجة غير كافية لعدم القدرة على دفع تكلفة الرعاية الصحية وانخفاض نوعيتها . ونتيجة لذلك تنخفض إنتاجية العمل مما يؤثر سلباً على التنمية في اليمن . وقد بيّنت بعض الدراسات التي أجريت في النصف الثاني من التسعينيات إن عدد الأيام التي يفقدها أرباب الأسر في العمل كل شهر تزيد عن (3) ثلاثة أيام ، في حين يصل متوسط عدد الأيام التي يفقدها أطفال المدارس في كل شهر بسبب المرض إلى نحو (3) ثلاثة أيام ، وهذا الفقد في إنتاجية الأسرة المنتجة دليل على العواقب الاقتصادية الناجمة عن اعتلال الصحة ، وتعذر فرص الحصول على الرعاية الصحية .
وجدير بالإشارة إلى أنه في ظل السير بنظام اقتصاد السوق فإن تحقيق تنمية اقتصادية دون استثمار مالي ملموس من قبل السكان أمر غير منطقي ولن تتحقق ، و أن التكلفة العالية الناجمة عن اعتلال الصحة بسبب نقص الرعاية الصحية يصرفان المال بعيداً عن أغراض التنمية .
الكادر الطبي والصحي (محافظة عدن نموذجاً) كان البعض منهم مساهمون بالتغييرات في الوضع الصحي ، وساهموا في الإخلال بدور ووظائف المؤسسات الصحية الحكومية لصالح المؤسسات الصحية الخاصة التي نشأت ، فعملوا بأساليب مختلفة لصالح عياداتهم والمراكز الصحية أو المستشفيات الخاصة التي أنشأوها أو شاركوا بإنشائها ، في نفس الوقت الذي أدار البعض المؤسسات الصحية الحكومية بأشكال مختلفة من الفساد ، ولم يهتم هؤلاء بالدفاع عن هذه المؤسسات وتطويرها وتطوير نشاطها ، وعلى هذه الأجواء تمرّس البعض من الأجيال الجديدة من الأطباء والممرضين الذين لحقوا بالكادر المخضرم .
إذاً فقد تظافر الفساد في الأجهزة الصحية والسلوك الخاص للكادر الطبي والصحي وغياب الرقابة الحكومية الفاعلة على أدائهم وأداء المؤسسات الصحية بشكلٍ عام ، إضافة إلى غياب القانون عن المهن الطبية والصحية ، تضافرت تلك العوامل وغيرها في إخراج المؤسسات الصحية الحكومية والمستشفيات بشكلٍ خاص عن الجاهزية أو إيصالها إلى أوضاع تأدية الخدمات بأدنى مستواها .
ولقد عايشنا ولا نزال التدهور الكبير في أداء المستشفيات الحكومية في محافظة عدن والمحافظات المجاورة على سبيل المثال .
والحديث هنا هو عن أثر التحولات و التغييرات في سلوك الكادر الطبي والصحي على المؤسسات الصحية الحكومية باعتبارها :
- مؤسسات مناط بها تقديم الخدمات الصحية لجميع المواطنين بالمجان أو بتكلفة رمزية في إطار
"نظام مساهمة المجتمع" وتؤدي الدولة عبرها أهم واجباتها تجاه المواطنين .
- مؤسسات مسئولة عن علاج المواطنين المصابين بالأمراض الوبائية ( مثل حمّى الضنك والكوليرا والمكرفس ...وغيرها) مجاناً وهي مهمات وطنية ملقاة على عاتقها في المقام الأول .
- إنها ملاذ لأغلب السكان وخاصة الفقراء وذوي الدخل المحدود ، وتطبيبهم حقٌ أصيلٌ لهم .
- إن الثقة بهذه المؤسسات - لأنها تعود للمجتمع – يجعلها هي المسئولة عن رعاية وتطبيب النساء الحوامل وكذلك الولادة والأطفال .
وإخراج المؤسسات الصحية الحكومية وإفساد بيئتها الداخلية يضعف دورها و مقدرتها في أداء مهامها العامة , ونعلم أن الكادر الطبي والصحي من الأطباء والممرضين قد تعلموا وتأهلوا على حساب هذا المجتمع ، وهم موظفون عموميون ، ولكننا نلاحظ أنهم قد تركوا جانباً مفهوم أن مهنة الطب والتمريض هي مهنة وخدمة جمعية ، وهم ملزمون بتأديتها لأفراد المجتمع بمعنى أنها خدمة مجتمعية (ولا يخلو تشريع محلي وعالمي عن التأكيد على ذلك ) ، وقد حلوا محل المفهوم طابع المهنة التي تخدم المصلحة الخاصة بدلاً من المصلحة العامة .
إذاً عوامل رئيسية (السياسات الصحبة للدولة وإخراج المؤسسات الصحية الحكومية وتقاعس جزء مهم من الطاقم الطبي والصحي عن الخدمة العامة) قد اسهمت بشكلٍ رئيسي بحرمان أغلب السكان وخاصة الفقراء منهم من الحصول على الخدمة الصحية وإنقاذ حياتهم في فترات انتشار الأوبئة .
واليمنيون يعيشون في ظل انتشار الأوبئة التي تحصد الأرواح بشكلٍ مستمرٍ ونشير هنا إلى موجتين حادتين (على سبيل المثال) :
1) عام2015م انتشرت موجة الإصابات ب"حمّى الضّنك" وحصدت العشرات من الأرواح وكانت مديرية صيرة الأكثر تضرراً ، وقد تخلّى كثير من الأطباء عن أداء واجبهم ، وكان أخر طبيب قد صمد وواصل باستقبال المرضى ومعالجتهم (في مركز الرعاية الصحية الأولية بكريتر) وهو الدكتورجميل أحمد ، الذي أصيب من جراء ذلك ولم ينقذه أحد ففارق الحياة ، ويبدو أنه تم نسيانه .
2) مع بداية انتشار وباء فيروس كورونا في الربع الأول من عام 2020م تفاجأ الجميع بأن المستشفيات الحكومية (في عدن ) تمتنع من استقبال المرضى الذين يعانون من أزمات تنفسية تخوفاّ من إصابتهم بوباء كورونا ، وأن الكادر الصحي في هذه المستشفيات وخاصة الأطباء منهم يرفضون العمل لاستقبال وإجراء الفحوصات للمرضى الذين يشتبه بإصابتهم بالوباء ، وذهب الأمر إلى أنهم رفضوا مرضى لديهم أمراض أخرى مثل الإلتهاب الرئوي ، وكانت نتيجة هذا السلوك أن عدداً من المواطنات والمواطنين لقوا حتفهم أما عند أبواب المستشفيات أو أثناء نقلهم بينها .
وإلى جانب ما ذكر سابقاً فقد شهدت م/عدن وفيات يومية بالعشرات وأغلبهم لم يتم اسعافهم أو نقلهم إلى المؤسسات الصحية أثناء شعورهم بالمرض او شكوكهم بالإصابة به (وباء كورونا ) ، والسبب يعود إلى عدم ثقتهم بالأطباء وعدم قناعتهم بأن المستشفيات ستقدم لهم أية خدمة تفيد صحتهم، بل أنهم نتيجة لذلك وقعوا ضحية سهلة في شرك الدعاية التي انتشرت بأن الأطباء والمؤسسات يقتلون المرضى الذين تثبت الفحوصات إصابتهم بفيروس كورونا ، لذلك فضّلوا دفن موتاهم بدون ضجيج ، وكانوا يقاومون زيارات فرق الترصد الوبائي التي تحاول زيارة منازل وأسر المتوفيين أو أقربائهم .
لقد أثيرت نقمة داخل المجتمع تحمّل الكادر الطبي وإدارة المستشفيات المسئولية عن أرواح المواطنات والمواطنين الذين توفوا أمام أبواب المستشفيات أو على الطرقات بعد رفض استقبالهم ومعالجتهم ، وقد أضطر أقرباء المتوفيين إلى نشر حكايات وفاة من فقدوهم وأحداث التردد بين أبواب تلك المستشفيات ، وتلى ذلك تقديم دعاوى قضائية تطالب بالتحقيق مع الكادر الطبي وإدارة المستشفيات باحداث الوفيات تلك ومقاضاتهم لامتناعهم عن أداء وظائفهم المهنية وتطبيب المواطنين . وفي خضّم ذلك خرج الأطباء بمواقف احتجاجية يعلنون عدم مسئوليتهم عن ما يجري ويرجعون أسباب ذلك إلى عدم توفّر وسائل الحماية والوقاية للكادر الطبي . ولنا هنا ملاحظتين :
الأولى : إن الكثير من الأطباء الذين امتنعوا عن العمل في المستشفيات لمكافحة الإصابات بفيروس كورونا استمروا بالعمل في عياداتهم الخاصة ومراكزهم الطبية كالمعتاد ، وقد أصيب البعض من هؤلاء الأطباء الأجلاء وبينهم من المخضرمين بوباء كورونا وفارق عدد منهم الحياة وقد خسرناهم (ربنا يرحمهم جميعاً ) .
الثانية : إن المؤسسات الصحية الحكومية وبشكلٍ خاص المسنشفيات قد استمر تدهور وضعها وتأثرت تجهيزاتها خلال أكثر من عقدين من الزمن وبوجود أغلب الأطباء المخضرمين بداخلها حيث اكتسبوا شهرتهم تاريخياً من عملهم فيها ، ولم يسمع المجتمع لهم احتجاجاً عن إهمال المستشفيات وعدم تجهيزها بالوسائل والمواد اللازمة والضرورية المطلوبة لمكافحة الأمراض الوبائية في حالة ظهورها وانتشارها مع انها أصبحت تصيب السكان في بلادنا ولا تبارحها خلال السنوات الأخيرة وتحصد في طريقها مئات الناس بانتظام .
المطلوب :
- من المهم التأكيد أن اليمنيين يستحقون الحصول على خدمات صحية والإستمرار بالحياة في بيئة صحية ملائمة ينموا فيها الأطفال أصحاء وتؤدي النساء أدوارهن بشكلٍ مستقرٍ ، وأن يواصل طلاب العلم حياتهم بصحة جيدة "فالعقل السليم في الجسم السليم" ، وعموماً أن يؤدي اليمنيون أعمالهم وينتجون بشكلٍ منتظمٍ ومستمرٍ لتنمية بلادهم .
- تحقيق كل ذلك لن يتم بدون أن تكون الخدمات الصحية متاحة للجميع وبجودة عالية وفي كل مناطق تواجدهم .
- مطلوب تجهيز المؤسسات الصحية و تعمم الخدمات الصحية وتقديمها بالمجان لجميع المواطنين باعتبارها ركن أساسي من أركان التنمية ، أو تطبيق نظام تأمين صحي شامل وعام لجميع المواطنين وبتكلفة رمزية تأخذ بعين الإعتبار حالة الفقر والدخل المحدود لليمنيين والذين يشكلون أغلب السكان .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.