وفق آخر تقرير حكومي صادر عن قطاع التخطيط والتنمية الصحية بوزارة الصحة والذي تصدره كل أربع سنوات فإن متوسط نصيب الفرد صحيا في اليمن سنوياً يوازي “60 دولارا” لذا يصبح توجه الحكومة للتأمين الصحي حاجة ملحة. يعد القطاع الصحي لأي بلد في العالم الركيزة الأساسية والمؤشر الحقيقي لقياس درجة التطور، الذي أحرزه هذا القطر أو تلك الدولة ومدى قوته وازدهاره أو ضعفه وانكساره؛ لذلك يحظى هذا الجانب باهتمام واسع من واصفي السياسات التنموية العامة؛ كون العناية بصحة الأفراد أساسا متينا لتنمية بشرية مستدامة تصنع تحولات الحاضر والمستقبل. وفي بلادنا اليمن لا تنكر الوثبة التي جسدتها المستشفيات والمرافق الصحية، التي انتشرت في معظم المناطق والمديريات إذا ما قورنت بالحالة المزرية، التي كان عليها هذا القطاع قبل قيام الثورة اليمنية سبتمبر وأكتوبر لكن هذا لايعني بأي وجه أننا وصلنا إلى المستوى المنشود فالأمور لا تقاس بالكم بقدر استلهامها وتشبعها بالكيف وهذا مايمكن أن نلحظه في الدراسات والبحوث الأكاديمية المتخصصة الموضوعية، التي تشخص الأوضاع وتسبر أغوار الحقائق وأبعادها وفق رؤية علمية دقيقة وفي هذا المنوال يكفي أن نلقي نظرات على التقرير الحكومي الصادر عن قطاع التخطيط والتنمية الصحية بوزارة الصحة العامة والسكان وهو آخر تقرير دون وضع الحسابات الوطنية للصحة للأعوام 1998م- 2003م- 2007-2006م ويبدو أن مثل هذه التقارير تصدر كل أربع سنوات لتقييم أي وضع تحت الدراسة ولمعرفة ماهية هذه الحسابات قبل الخوض في أي تفاصيل أخرى علينا الاطلاع على التالي : الحسابات الوطنية للصحة تعتبر هذه الحسابات أداة فاعلة للتعرف على مجمل النفقات الصحية الخاصة بأي مجتمع من المجتمعات السكانية سواءً للدولة ككل أو منطقة جغرافية بعينها. وتنظر هذه الأداة التحليلية إلى النفقات الصحية من خلال تسعة أبعاد رئيسية تتمثل في التالي: مصادر التمويل وهي الجهات، التي تدفع الأموال من أجل إنتاج الخدمات الصحية. وكلاء التمويل وهي الجهات الحاصلة على الأموال من مصادر التمويل؛ بغية استخدامها في تنفيذ الخطط والأنشطة الصحية، التي قامت بإعدادها. مقدمو الخدمات وهي الأنواع المختلفة من المرافق والمؤسسات الصحية المنتجة للخدمات الصحية المقدمة للمستفيدين. الموارد الصحية وهي المواد الأولية الداخلة في إنتاج الخدمات الصحية سواءً كانت بنية تحتية أو موارد بشرية أو أعمال مساعدة في إنتاج الخدمات. الخصائص الديمغرافية للمستفيدين وهي خصائص السكان المستفيدين من الخدمات سواءً من حيث الجنس أو العمر أو الحالة الحضرية لمكان الإقامة. الحالة الصحية وهي عبارة عن المجموعات المرضية، أو التشخيصات المختلفة، والتي يعاني منها المستفيدون من الخدمات الصحية. الحالة الاجتماعية والاقتصادية للمستفيدين أي مستويات الدخل والتعليم وكذا نوع المهنة أو النشاط الاقتصادي للمستفيدين من الخدمات الصحية. المناطق الإقليمية وهي التقسيمات الإدارية التي يتوزع فيها المستفيدون من الخدمات سواءً كانت محافظات أو مديريات. الحسابات الوطنية للصحة وتعد اليمن إحدى دول الإقليم السباقة في هذا المجال حيث استطاعت خلال العشر السنوات الماضية تنفيذ أربع دورات للحسابات الوطنية للصحة، تمثلت في إعداد الحسابات الوطنية للأعوام 1998 2003 2006 2007م، في حين تمت الدورة الأولى بجهود فردية لعدد من موظفي وزارة الصحة وبمساعدة عدد من الخبرات الأجنبية. ملخص الحسابات الوطنية وعن هذا الجانب يذكر التقرير أن دراسة الحسابات الوطنية للعام 2007م أظهرت أن إجمالي نفقات الجمهورية اليمنية على الصحة تقدر بمبلغ 257.4مليار ريال ويعادل 1.3مليار دولار أمريكي وهذا يعني أن مايتم إنفاقه على الفرد 60.07دولارا وهذا يمثل %5.23من الناتج المحلي الإجمالي لليمن في العام 2007م أما الانفاق الصحي العام فيمثل 4 %من موازنة الحكومة. الإنفاق عن المصادر الرئيسية للتمويل وفي هذا الصدد يوضح التقرير أن الإنفاق على المصادر الرئيسية للخدمات الصحية في بلادنا لنفس العام توزعت ما بين القطاع العام بمبلغ 364مليونا و490ألفا و614دولارا وبنسبة 28.17 % وبقية العالم أي الجهات الدولية المانحة بمبلغ 63مليونا و695ألفا و946دولارا وبنسبة 4.92 % والقطاع الخاص 865مليونا و675ألفا و725دولارا وبنسبة 66.91 %. الإنفاق من وسطاء التمويل وهنا يتحدث التقرير عن مقدار المبالغ المالية المصروفة، عبر وسطاء التمويل وفيه يعتبر أفراد الأسر المسئولين عن الحجم الأكبر من الإنفاق والمتمثل ب67 %من إجمالي الإنفاق والحكومة مسئولة عن إدارة 29 % من اجمالي الإنفاق، والذي يمثل 9 %تم صرفها عبر وزارة الصحة و7 %عبر وزارات أخرى ومن ثم 12 % عبر مكاتب الصحة في المحافظات والمديريات ويتم صرف 0.5 % و0.2 %من إجمالي الإنفاق بواسطة كل من شركات القطاع المختلط والشركات الخاصة وعلى التوالي وفي الأخير تتمثل مسئولية المانحين والمنظمات غير الحكومية في صرف 3 %من إجمالي الإنفاق. الإنفاق على الأنواع المختلفة من مقدمي الخدمات يعد تدفق الأموال من وسطاء التمويل إلى مقدمي الخدمات الصحية أحد أهم التدفقات، التي تتضمنها جداول الحسابات الوطنية والتي يظهر من خلالها الأنواع المختلفة للمقدمين، الذين يتم التركيز عليهم وعلى الخدمات المقدمة من قبلهم داخل النظام الصحي للبلد وعن نسب التوزيع من النفقات على هذه الأنواع أشار التقرير الوزاري إلى حصول العلاج في الخارج على 12 % والمعاهد الصحية%0.54 وبائعي المواد الصناعية الأخرى 0.15 % إدارة الأنشطة الصحية 5.28 % وبضائع طبية وعكاكيز عربات 0.46 % بائعي الأدوية والمستلزمات الطبية %30.31 مقدمي الرعاية الصجية للمرضى الخارجين 21.67 % مرافق التمريض والإقامة 0.11 % المستشفيات 28.80 % ومن خلال إمعان النظر في هذه النسب، يتضح أن العلاج في الخارج للعام 2001م حصد أكثر من 12 % من إجمالي النفقات الصحية كما يتضح أيضاً أن بائعي البضائع الطبية الممثلين بالصيدليات ومخازن الأدوية هم مقدمو الخدمة الذين يتدفق إليهم النصيب الأكبر من النفقات الصحية. توزيع النفقات الصحية بحسب المحافظات كما كشف التقرير أن نصيب الفرد من النفقات الصحية في اليمن خلال العام 2007م وصل إلى أكثر من 60 دولارا ولم يكن هذا هو نصيب الفرد بالطبع في كافة المحافظات حيث أوضحت الدراسة المتعلقة بهذا الخصوص أن نصيب الفرد في أمانة العاصمة 90 دولارا وكذا عدن وإب وفي المهرة ومأرب 80 دولارا وفي الضالع 70 دولارا وفي كل من ذمارحجة صعدة تعز 60 دولارا وصنعاء الحديدةلحجأبينشبوةالجوف 50 دولارا وحضرموت وعمران 40 دولارا والمحويت والبيضاء 30 دولارا. أهم الاستنتاجات ومايهمنا أكثر في هذا الصدد استنتاجات التقرير للحسابات الوطنية للصحة للعامة 2007 والتي جاء من أبرزها: يتصف القطاع الصحي في اليمن باعتماده بشكل أساسي في عملية التمويل على النفقات الخاصة. أي “أفراد الأسرة” وهو الأمر الذي يتطلب تركيزا أكبر من راسمي السياسات الصحية في العمل على الاستقلال الأمثل لمثل هذا النوع من التمويل بغية تقوية وتعزيز النظام الصحي. اعتماد القطاع الصحي على التمويل الخاص يعكس بوضوح تدني التمويل المقدم من القطاع العام وهذا بلا شك يتطلب من القائمين على هذا المصدر منح اهتمام أكبر لهذا القطاع الحيوي. دور الشركاء العاملين في القطاع الصحي وهم المصدر الثاني للتمويل أخذ في الانحسار مقارنة بالأعوام السابقة وهو ما يستدعي مضاعفة الجهود للوصول إلى تعزيز دور هذا المصدر المتميز بالمرونة أثناء تلبيته للاحتياجات التنموية المطلوبة في القطاع الصحي. سياسات مطلوبة ولرفع الأداء الطبي والخدمي في اليمن هناك جملة من السياسات، التي يجب العمل على توفيرها وتذليلها ما استطعنا إلى ذلك سبيلا منها: العمل على زيادة واستمرارية تمويل الخدمات الصحية، يعد سياسة ضرورية لضمان تقديم خدمات ملبية لاحتياجات فئات المجتمع ويعد قيام الحكومة بإنشاء نظام التأمين الصحي حاجة ملحة.. التنسيق بين وداخل القطاعين العام والخاص هام ومؤثر في تحقيق استفادة قصوى من الموارد المتاحة. المراجعة المتعمقة للسياسة الدوائية الحالية، من شأنه احتواء وتخفيض تكلفة الدواء إلى جانب الوصف والاستخدام الرشيد للدواء. تحقيق العدالة من خلال تحقيق الأعباء المتباينة على أفراد الأسر في ظل الأخذ بعين الاعتبار الأنماط الوبائية ومتطلبات السكان.