هل ساعد البركاني في رأب صدع الانقسام السياسي أم عمقه؟! اغتيال صالح يعد المنعطف الذي حول مسار البركاني السياسي.. كيف؟! ما الذي دار بين البركاني والرئيس صالح قبل مقتله بيومين؟! دور البركاني ومجلس النواب في مشاورات الرياض.. فاعل أم شاهد؟! البركاني وسياسة (تصفير العداد).. هل ستستمر معه أم كانت فقط لصالح؟! ظل البركاني مناوئا للحوثيين.. فهل تلعب السياسة لعبتها معه؟! البركاني.. هل (صفّر العداد)؟
برز اسم سلطان البركاني كمنافح قوي عن سياسات حزبه (المؤتمر الشعبي العام) إلى جانب تشدده في التعامل مع الأحزاب الأخرى، ولعب دورا بارزا ومهما في الصراع السياسي بين المؤتمر والمعارضة، والذي تمحور حول مصير الرئيس صالح في السلطة، وحول أمور أخرى تتعلق بإدارة الدولة وتقاسم السلطة والنفوذ ونظام الحكم المحلي. وترتب على مواقفه أن الرئيس صالح أسند له صلاحيات كبيرة في إدارة ذلك الحوار ومنحه صلاحيات واسعة معتمدا على تصلبه السياسي في رفض طلبات الأحزاب المعارضة لحزبه، وخلال تلك الفترة أطلق عبارته الشهيرة حول "تصفير العداد"، عندما سئل في إحدى المقابلات التلفزيونية عن حقيقة مطالبته بتعديل الدستور والتمديد لفترة حكم صالح أو (تصفير عداد) فتراته الرئاسية التي كانت على وشك الانتهاء. وظل البركاني مناوئا للتواجد الحوثي منذ ظهوره، رغم تحالف الرئيس صالح معه، ولم يتقبل فكرة العمل تحت ظل الحوثي. بعد أيام قليلة من بدء (عمليات عاصفة الحزم) تسربت أخبار عن وجود البركاني في العاصمة السعودية الرياض، غير أنه لم يظهر أي نشاط سياسي لافت، وفي منتصف أبريل من العام 2015 وعلى إثر تداول أنباء انشقاقه عن صالح خرج ببيان من العاصمة المصرية القاهرة، قال فيه إن زيارته إلى السعودية جاءت "من أجل تجنيب اليمن المخاطر، وبذل الجهود للسعي من أجل تشجيع وتقديم الخيارات والحلول السياسية السلمية والحوار".
كيف عاد للواجهة مرة أخرى؟! لم يتخذ البركاني أي موقف حاد من صالح الذي ظل على تواصل دائم به من مقر إقامته في القاهرة، لكنه احتفظ لنفسه بحق رفض التقارب بين المؤتمر والحوثيين في تلك الفترة، والتزم الصمت، ويبدو أنه كان مدفوعا بثقته في قدرة رئيس حزبه على الخروج من هذه الورطة بأقل الخسائر، حتى مقتله على أيدي الحوثيين في ديسمبر 2017. نزل ذلك الحدث صاعقا على البركاني الذي نعاه بكلمة مؤثرة، وتعد حادثة مقتل صالح المنعطف الذي حول مسار البركاني السياسي، حيث كان يظن أن حزب المؤتمر بعدها سيعلن وفاة اتفاقية الشراكة مع الحوثيين، لكن ذلك لم يحدث، لذا شق البركاني طريقه السياسي بعيدا ليقتسم هو مجموعة من المؤتمريين القسم المؤتمري الثالث، وفي الذكرى الثانية لمقتل صالح، كشف البركاني عن فحوى اتصاله الأخير معه، قبل مقتله بيومين، مشيرا إلى أنه أكد له رفضه الاستسلام للحوثي ولمشروعه. وبمقتل صالح انتهت جولات الصراع السياسي الحادة التي استمرت لسنوات، بالتوافق على انتخاب البركاني رئيسا لمجلس النواب، وهو القرار الذي لقي ترحيبا من دول التحالف العربي وبعض مراكز النفوذ التي كانت على خلاف مع البركاني في فترة حكم صالح.
دوره ومجلس النواب في مشاورات الرياض انتخب البركاني بالإجماع رئيسا لمجلس النواب في الاجتماع الذي عقد بمدينة سيئونبحضرموت، ومنذ ذلك الاجتماع أصبح للشرعية (مجلس النواب) الذي دخل في سبات عميق، ولم يتحرك للقيام بمهامه المنوطة به إلا من تصريحات شخصية لأعضائه بعضها متفق في الرؤية وبعضها الآخر مختلف، وظل مجلس النواب ساكنا حتى جاء اتفاق الرياض لنرى البركاني ضمن الأفلاك التي دارت حول هذا الاتفاق، ولا نستغرب موافقته وهرولته للموافقة على اتفاق الرياض إن عدنا لتصريحه بعد زيارته في منتصف أبريل من العام 2015 إلى السعودية الذي قال فيه: "من أجل تجنيب اليمن المخاطر، وبذل الجهود للسعي من أجل تشجيع وتقديم الخيارات والحلول السياسية السلمية والحوار". أكد البركاني أن "(اتفاق الرياض) يمثل خطوة مهمة نحو تصحيح مجمل الاختلالات في بلاده وتوحيد الصف الوطني لمواجهة انقلاب مليشيا الحوثي المدعومة من إيران". وجدد البركاني لدى لقائه سفير الولاياتالمتحدةالأمريكية لدى اليمن كريستوفر هنزل "دعم مجلس النواب لكل مساعي السلام وفقا للمرجعيات الثلاث وتحقيق الاستقرار في اليمن وإنهاء معاناة اليمنيين التي تتضاعف يوميا جراء الانقلاب الحوثي"، مؤكدا على "أهمية تنفيذ اتفاق الرياض وما يجري من مشاورات على مستوى عالٍ لإنجاز ذلك برعاية وإشراف المملكة العربية السعودية".
انحصار المجلس في شخصه بعد انعقاد الجلسة الأولى لمجلس النواب والتي انتخب فيها البركاني رئيسا، لم نر أي انعقاد إلا ما نسمعه عن أنه سينعقد، حتى أصبحت مسألة انعقاده فرقعات إعلامية لها أهداف سياسية تحركها أطراف وقت الحاجة. وأصبح مجلس النواب متمثلا بشخص البركاني، حيث كثرت اجتماعاته المحلية والإقليمية والدولية، وكأن الجلسة الأولى لمجلس النواب التي عقدت في حضرموت كانت فقط لإعطائه بطاقة العبور!. ويواجه مجلس النواب انتقادات من نخب سياسية يمنية ومن أعضاء في البرلمان ذاته، بعد تجاهله لكثير من الملفات والأحداث التي شهدتها اليمن، ففي عهد البركاني أصبح مجلس النواب متمحوراً في شخص البركاني، فنراه مع السفراء لمناقشة أوضاع اليمن التي يجب أولا أن يناقشها في مجلسه الموقر لتخضع للتداول والتصويت، لكننا للأسف نراه تارة في مصر لزيارة البرلمان المصري للاستفادة وكأن اليمن لأول مرة يكون لها مجلس نواب، ولا نسمع من زيارته تلك إلا أنه شكر القيادة المصرية ممثلة بالرئيس عبدالفتاح السيسي والحكومة والشعب المصري!. قال الصحفي والكاتب اليمني، مأرب الورد: "إن موقف رئيس البرلمان اليمني مما يجري في بلده من تقويض للسلطة الشرعية وتقسيم البلاد، يكشف (عدم احترامه لمنصبه)"، مشيرا إلى أن "البركاني لم يلتزم بمسؤوليته الدستورية، كونه رئيس السلطة التشريعية في اليمن"، متابعا "على البركاني أن يدرك أن انتخابه رئيسا للبرلمان جاء في ظرف لم يكن يحلم به"، لافتا إلى أنه "إذا لم يقم بدوره سيكون مثله مثل الآخرين الذين تخلوا عن دورهم ومسؤولياتهم في هذه المرحلة، والتاريخ لن يرحم أحدا".
تحركاته (المبروزة)! ويبدو أن رئيس مجلس النواب سلطان البركاني وضع نفسه أو أنه وضع في برواز محدد لا يستطيع مغادرته، ففي اتفاق الرياض نجده يقول (آمين) لكل نقاط الاتفاق بل عندما لم ينفذ اتفاق الرياض على أرض الواقع نجده يعقد لقاءات مع سفراء ومسؤولين دوليين، وكان آخرها لقاءه أمس الأول السفير البريطاني مايكل آرون حيث ناقشا عدد من القضايا المتعلقة بالأزمة اليمنية، واتفقا على دعم جهود مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة الخاص إلى اليمن مارتن غريفيث، بشكل كامل للتوصل إلى اتفاق بشأن الإعلان المشترك بين الحكومة الشرعية والمجلس الانتقالي الجنوبي. كما ناقش مع السفير الفرنسي لدى اليمن كريستيان تيستو المستجدات على الساحة اليمنية والجهود الرامية لإنهاء انقلاب الحوثيين، واتفقا على دعم جهود المبعوث الأممي، وتنفيذ اتفاق الرياض، وخطورة الاوضاع المتفاقمة في اليمن وفي مقدمتها الوضع الاقتصادي والانساني. والمتتبع للقاءات البركاني سيجد أنها لا تخلو من تكرار النقاط نفسها، ودائما ما تكون النقاط مطاطية وعامة، تعكس مدى ضعف مجلس النواب ممثل الشعب، حيث يقع على عاتقه وضع الحلول داخليا لا تسويقها خارجيا!.
موقفه من الحوثي يعد البركاني من القيادات المؤتمرية التي رفضت أي تقارب مع الحوثيين منذ ظهوره، وعرف عنه موقفه الواحد والمحدد من الحوثيين، وظل يطالب الأممالمتحدة والمنظمات الدولية والدول دائمة العضوية في مجلس الأمن، باتخاذ مواقف صارمة إزاء انتهاكات مليشيا الحوثي الإرهابية ضد الشعب. ودائما ما يدعو لإنقاذ الوضع المتردي الذي يعيشه اليمنيون من جرّاء الانقلاب الحوثي، مفندا سلسلة الجرائم التي ترتكبها مليشيات الحوثي العنصرية ضد الشعب كافة وأحكام الإعدام بحق البرلمانيين والصحفيين والسياسيين ومن يقف ضد ممارساتهم الإرهابية والعديد من الممارسات الإجرامية والانتهاكات الجسيمة المستمرة، معتبرا تلك الممارسات الإرهابية، التي تتواصل في ظل صمت دولي، تحديا سافرا واستهتارا غير مسبوق بكل القوانين الدولية والأعراف والقيم الإنسانية، وتتعارض مع مبادئ القانون الدولي والإنساني والشرائع السماوية، فضلا عن كونها تضع عوائق في طريق السلام الذي ينشده اليمنيون وتشكل تحديا خطيرا للجهود الأممية الرامية للوصول إلى سلام دائم في اليمن.
البركاني وسياسة (تصفير العداد)! سعى البركاني وحزبه قبل أحداث 2011 إلى إلغاء الولايات الرئاسية للرئيس صالح بقانون جديد سماه (تصفير العداد) وإعلان علي عبدالله صالح رئيسا مدى الحياة، ويبدو أن مقولة البركاني أصبحت نهجا سيسير عليه خلال حياته السياسية القادمة، وبالنظر لتك المقولة نجد أن أحدا لم يفهمها ولم يستوعبها، حيث انعكس مفعولها على كيان المؤتمر الشعبي العام، فقد كانت بداية ل(تصفير عداد المؤتمر) من أعضائه ومن السلطة. ولو نظرنا لدور مجلس النواب نجد أيضا أن البركاني صفر عداده، وأصبح هو المجلس والمجلس هو!.