بعد سنوات عديدة من معاناة سكان يافع من معسكر الحرس الجمهوري المتمركز على سفوح جبل العر , انزاحت تلك المعاناة على يد مجاميع قبلية من خيرة أبناء يافع وأشجعهم . اندحرت فلول الحرس تجر خلفها ذيول هزيمة نكراء أذاقها إياها أبناء يافع المتسلحين بسلاح الحق في إخراج المعسكر لأذيته الدائمة لهم , ولكونه يطل على مناطق آهلة بالسكان ولأن أبناء يافع في أمس الحاجة لأرض واسعة بمثل المساحة الممتدة على سفوح جبل العر ليقيموا عليها ما يمكن أن يكون في خدمة يافع . لطالما كان هذا المعسكر محطة حاول فيها نظام صنعاء اصطناع البعد بين أبناء يافع في لبعوس والحد , وانطلقت منه سياسة خلق عزلة وتشتيت بين مناطق يافع , وإيجاد منطقة تعزل يافع عن التلاحم والتعاضد مع بعضها , لكي لا تكون يافع كتلة واحدة مترابطة متماسكة لا حائل بينها .
منذ أستحدث في قمة جبل العر ذلك المعسكر وأبناء يافع دائماً ما يتناولون في أحاديثهم , ما فائدة وجود قوة عسكرية على قمة الجبل لعلي عبدالله صالح , فهي لا تحمي منشأة حيوية ولا مباني حكومية , ولن يكون بمقدورها التصدي لإعلان قيام دولة الجنوب , إذاً فلماذا وجودها ؟ هكذا يتساءلون . ويقز إلى أذهانهم أيُراد من ذلك إشعار يافع بالقدرة على إذلالها وأن وجود هذه القوة هو الإذلال بذاته ليافع . وهو ما تأكد لكل أبناء يافع من خلال العديد من الاستفزازات التي مُورست بحق أبناء يافع من قبل قوات الحرس كمنعهم في مرات كثيرة من التنقل بين مناطق يافع في لبعوس والحد بأسلحتهم الشخصية مع أنه لا وجود لقانون يمنع حمل السلاح في الريف والتنقل به .
لم تكن يافع لترضى باستمرار الوضع على هذه الطريقة , فانتدبت خيرة أبنائها وأشجعهم لوضع حداً لكل هذا , فكانوا عند حسن الظن وكتبوا فصول النهاية المشرفة بدمائهم وخضبوها بكل قطرة عرق أنصبت من جبينهم , ليصنعوا ليافع تاريخاً جديداً ومجيداً كما كان الأسلاف , تاريخ استلهموا من الأجداد كيف يُصنع , ومن العزيمة والإرادة كيف يُنفذ . كانوا أبطال أوصلوا رسالة اُريد لها أن تصل إلى من يجب أن تصل إليه بأن يافع هي ذاتها يافع كانت وما زالت مصنع الرجال , ومعقل الأبطال , ودد كل يافعي لو يقبل أقدام أولئك الأبطال الذين أثبتوا أن يافع عصية على من أراد بها مهانة وإذلالاً .
كم كان المشهد عظيماً ويافع تزف شهدائها إلى مثواهم الأخير زفتهم بالزغاريد والفل والورود . لأول مرة نرى سيارة تحمل جثمان وهي مزدانة بالورود وخلفها الحشود تهتف لا حزناً بل انتشاءً حماسياً وإن كان المصاب أليم , تهتف بأنها على الدرب سائرة . لأول مرة نرى الورود تتساقط فوق قبر يوارى فيه جثمان , كان مشهداً عظيماً بكل معنى الكلمة اختلطت فيه دموع الحزن بدموع الفرح في مقلة كل من حضر .
وكم كان المشهد حماسي ويافع تستقبل أبطالها استقبال الفاتحين . وكم كانت أيام الاستبسال والصمود على جبهة العر جميلة ورائعة , كيف لا ويافع بقضها وقضيضها برجالها ونسائها بشيبها وشابها وقفت وقفة رجل واحد , الكل شارك في صناعة مجدها الجديد , من شارك بالصمود في جبهة الصمود ومن شارك بالمال , ومن شارك بالكلمة , ومن شارك بوضع يده على قلبه خوفاً وترقباً من النتيجة أن تكون على غير المُراد .
وقفت يافع وقفة جعلت كبار السن يتذكرون تلك الأيام الغابرة , وجعلتنا نحن الشباب نقرأ واقعاً بطولي في اللحظة , لا في كتب التاريخ التي تمتلئ بمثل هكذا بطولات عن يافع , جعلتنا نحن الشباب نرى شيئاً مما كُتب ويقال عن يافع . أيا جبل أشم .. كنت في الماضي تمثل صموداً , وأنت الآن كذلك .. كنت في الماضي مقبرة لأعدائك , وأنت الآن كذلك .. أيا جبل حمل هم شعب فيما بين ظهرانيه .. لم تنحي يوماً لغازي , ومن قال أن جبلاً ينحي ؟؟ لم تلين يوما ً لمن اراد بك شراً , ومن قال أن جبلاً يلين ؟؟ مثلت في الماضي لأمتك رمزاً وصموداً وعزة ومقاومة .. وها أنت تمثل تلك المفردات لشعبك اليوم .. نُخاطبك وكأننا نخاطب رجلاً , لأنك فينا في موضع المقاوم الأول , والجندي المقاتل .. أنت فينا في موضع عزة , لم نرتضي لك يوماً ذلاً أو خضوع .. أهي العزة تسكن فيك أم أنك من سعى لها سعيا وأنت أهلاُ لها أيا جبل كيف أضحيت رمزاً ومعلماً وصرحاً وجندياً وما أنت إلا حجراُ وصخر ..