كتب/علي بكر أثارت محاولة اغتيال وزير الداخلية المصري اللواء/ محمد إبراهيم، يوم الخميس 5/9/2013، عن طريق تفجيرٍ ضخم بسيارة مفخخة، وهو في طريقه إلى مكتبه بوزارة الداخلية؛ الكثير من التساؤلات حول هذه العملية، وعن الجهة التي تقف خلفها، والسؤال الأهم هو: هل هذه العملية بداية لموجة عنف جديدة سوف تجتاح مصر، مثل تلك الموجة التي كانت في تسعينيات القرن الماضي؟. وقد تمت محاولة الاغتيال عن طريق تفجير عبوة ناسفة ضخمة تزن حوالي 200 كلجم من المواد المتفجرة، وُضعت في "شنطة" إحدى السيارات الموجودة على جانبي الطريق، أثناء مرور موكب الوزير، وقد أسفر الحادث عن إصابة أكثر من 20 شخصًا، منهم 10 رجال شرطة من حرس الوزير، إضافة إلى العثور على أشلاء جثة متناثرة في مكان الحادث، يعتقد أنها لانتحاري حاول تفجير نفسه في الموكب قبل انفجار العبوة الأصلية التي كانت في السيارة، وقد ذكرت بعض المصادر أنه حدث إطلاق نار عقب الهجوم المذكور على موكب الوزير. ورغم إدانة جماعة الإخوان المسلمين والجماعة الإسلامية وتحالف دعم الشرعية للحادث، والتبرؤ منه، في محاولة لعدم إعطاء الفرصة لأحد بإلصاق التهمة بهم؛ إلا أن أصابع الاتهام قد أشارت إليهم، خاصة الجماعة الإسلامية وتنظيم الجهاد السابق، نظرًا لتاريخهم الحافل في هذا المجال في حقبة التسعينيات. ملابسات ودلالات محاولة الاغتيال
وقوع الحادث في مثل هذا التوقيت بالذات، يطرح الكثير من التساؤلات، خاصة أن أسلوب السيارات المفخخة الذي تمت به العملية ليس شائعًا في مصر، كما تزامن مع العمليات الكبيرة التي يقوم بها الجيش المصري في سيناء، لذا فإن هذا الحادث يحمل عددًا من الدلالات الهامة، منها: - الأسلوب الذي تمت به عملية التفجير، سواء أكان التفجير عن بعد أم تفجيرَ انتحاريٍّ، فهذا الأسلوب لم يُستخدم في مصر من قبل سوى مرتين في التسعينيات، أحدهما كان تفجير انتحاري في محاولة اغتيال وزير الداخلية الأسبق اللواء/ حسن الألفي، والثاني كان تفجيرًا عن بعد في محاولة اغتيال الدكتور/ عاطف صدقي، رئيس الوزراء الأسبق، وكلا العمليتين قام بهما تنظيم الجهاد السابق. - وفقًا لبعض المصادر الأمنية، فإن الهجوم بدأ بتفجير انتحاري نفسه، قبل أن تنفجر السيارة المفخخة، وهو نفس الأسلوب الذي تمت به عملية تفجير السفارة المصرية بباكستان عام 1996، حيث قام انتحاري بتفجير نفسه في باب السفارة الخارجي، ثم قامت السيارة المحملة بالمتفجرات بالوصول إلى مبنى السفارة ودمرته، وهذا الأسلوب من الأساليب المعروفة لدى تنظيم القاعدة. - عمليات التفجير عن بُعد التي تمت بها محاولة اغتيال وزير الداخلية، هي الأسلوب الأكثر شيوعًا لدى نماذج القاعدة المنتشرة في المنطقة، والتي يوجد في مصر منها عدة نماذج متواجدة في سيناء، ومن يتابع العمليات في العراق واليمن وغيرها من البلدان التي تتواجد بها القاعدة؛ يجدها تتبع نفس الأسلوب، وبالتالي فإن المجموعة التي نفذت العملية هي إحدى نماذج القاعدة. الأطراف المحتملة وراء العملية الإرهابية:
من الواضح أن هذه الطريقة التي تمت بها عملية محاولة اغتيال وزير الداخلية، تمثل نقلة نوعية في أسلوب المواجهات بين الدولة والجماعات الإرهابية، كما أنه لا يمكن الفصل بين ما يحدث في سيناء وما يحدث في القاهرة، وهذا ما أكده تصريح القيادي الإخواني محمد البلتاجي من قبل. فعدد من التيارات الموجودة في سيناء يعد من نماذج القاعدة، وتتبع أسلوبها فكريًّا وتنظيميًّا وعملياتيًّا، وبالتالي ليس من المستبعد أن يكون من قام بهذه العملية أحد التيارات الجهادية الموجودة في سيناء. أما بالنسبة لأفراد جماعة الإخوان المسلمين، فمن المستبعد أن يقوموا بمثل هذه العملية لأنهم غير مؤهلين للقيام بها من الناحية التنظيمية والفكرية، باستثناء بعض العناصر التي كانت تسافر إلى قطاع غزة طوال العام الذي كان يتولى فيه الرئيس مرسي حكم البلاد، وتلقت هناك تدريبات عسكرية مكثفة في قطاع غزة على يد كتائب القسام، فأمثال هؤلاء ليس بمستبعد أن تكون لهم يد في هذه العملية، ولكنه احتمال ضعيف؛ حيث إن العملية توحي بأن من قام بها متمرسون ومحترفون. أما عناصر الجماعة الإسلامية، فمن المستبعد أن يقوموا بمثل هذه العملية، نظرًا لأن العملية أكبر من إمكانيات الجماعة وأفرادها، كما أن العملية جاءت في توقيت تحاول فيه الجماعة استرضاء الدولة، وعدم الصدام معها، بعد أن بدأت الدولة تفرض هيبتها وتستعيد قوتها، خوفًا من أن يطالها ما طال جماعة الإخوان المسلمين مؤخرًا. وبالنسبة لأعضاء تنظيم الجهاد الذين تحولوا عن العنف بعد المراجعات الفكرية ودخولهم غمار العمل السياسي؛ فليس لديهم ما يدفعهم للقيام بمثل هذه العملية، ليعودوا مرة أخرى للعنف الذي خسروا في الماضي بسببه كل شيء. وبالتالي فإن المؤشرات تدل على أن من قام بهذه العملية مجموعة من المجموعات الجهادية العشوائية التي انتشرت في مصر بعد ثورة 25 يناير، ومثل هذه المجموعات تسعى إلى تنفيذ عملياتها، بغض النظر عن عدد الضحايا من الأبرياء، تحت شعار "يبعثون على نياتهم"، وهذه المجموعات الجهادية قادرة على تنفيذ مثل هذه العمليات، خاصة وأن هذه التنظيمات يوجد في صفوفها عدد من الأجانب المتمرسين في مثل هذه العمليات الذين تدفقوا على مصر في عهد الرئيس مرسي واستقروا في سيناء، وكان بعضهم يقاتل في مالي وفي سوريا وفي ليبيا. ورغم ذلك، فإن الدعم الأجنبي لمثل هذه العملية محتمل بدرجة كبيرة، خاصة وأن مراقبة الشخصيات الكبيرة التي تكون مؤمنة بدرجة عالية، تحتاج إلى تدريب عالٍ في التعامل مع الحراسة، وسيارات البحث عن الأسلحة والمتفجرات، وما شابه ذلك. وبالتالي فإن احتمالية وجود أيادٍ أجنبية في العملية ليس بمستبعد. موجة جهاد جديدة أم عودة للتسعينيات؟:
بعد فترة زمنية قصيرة من اندلاع الثورات العربية، والإطاحة بالأنظمة الموجودة في كل من تونس ومصر وليبيا واليمن، وقيام أنظمة جديدة من نتاج الثورات؛ تبين أن هذه الثورات هي بداية لموجة جديدة من الجهاد، ربما تكون موجة أشد ضراوة من الموجات السابقة، حيث فوجئ الجميع بالصعود القوي للتيارات الجهادية التي عادت مرة أخرى إلى الساحة أكثر قوة ونشاطًا، وأصبحت أكثر قدرة على التأثير بقوة في مجريات الأحداث، على نحو يفرض واقعًا جديدًا في بعض المناطق في إقليم الشرق الأوسط، لم يكن مألوفًا من قبل. ومصر لم تكن بعيدة عن هذه الموجة؛ بل دخلت مصر في حيزها عقب اندلاع ثورة 25 يناير مباشرة، وأصبحت سيناء معقلا للعديد من التنظيمات الجهادية، ولكن ظلت خطورة هذه التنظيمات منحصرة في شبه جزيرة سيناء، وقد نجح الجيش منذ الإطاحة بالرئيس محمد مرسي في عزل سيناء عن باقي الجمهورية أمنيًّا، خوفًا من أن تنقل هذه التيارات نشاطها إلى العاصمة، فجاءت عملية محاولة اغتيال وزير الداخلية لتلفت الأنظار من جديد إلى أن مصر قد دخلت في نطاق هذه الموجة منذ فترة وليس الآن فقط. بشكل عام، فإن هذه الموجة الجديدة ليست كموجة التسعينيات، ففي الحالة الأخيرة، كانت كل الظروف والعوامل الداخلية ضدها، حيث إن أجهزة الأمنية كانت قوية ومستقرة وقادرة على توجيه ضربات استباقية إجهاضية لهذه الجماعات، أما الآن، فالوضع مختلف تمامًا؛ إذ إن الوضع الأمني غير مستقر بدرجة كبيرة، نظرًا للاضطرابات التي تشهدها البلاد، والتي تلعب فيها جماعة الإخوان المسلمين وحلفاؤهم من التيارات الأخرى دورًا رئيسيًّا. وبالتالي، فإن الظروف الحالية في البلاد تصب بدرجة ما في تغذية صعود التيارات الجهادية، وتساعدها على النمو والانتشار. لذا فنحن أمام جيل جديد من الجهاديين بأدوات وإمكانيات مختلفة، ليس من المتوقع أن يكون كجيل التسعينيات، بل الدلائل والمؤشرات الأولية تؤكد أننا أمام موجة جهادية طويلة الأمد، تتوافر لها مقومات البقاء والاستمرار.