مع انقضاء المهلة الممنوحة للرئيس السوري بشار الأسد للانتهاء من تسليم ما لديه من ترسانة أسلحة كيميائية، تتزايد احتمالات عدم الوفاء بإلتزاماته ما يثير الشكوك بشأن كونها لعبة دبلوماسية من جانبه؟ كان من المفترض شحن 1300 طن من المواد الكيميائية خارج سوريا بحلول الخامس من فبراير/شباط الجاري، لكن يبدو أن هذا الموعد أيضًا سيمضي دون أي تحرك كبير من الجانب السوري.
وحسب الولاياتالمتحدة فإن سوريا سلمت جزءا صغيرا فقط بالفعل يقدر بأقل من خمسة في المئة.
وثمة اتهامات موجهة للأسد بأنه يمارس لعبة دبلوماسية في هذا الشأن، ففي الوقت الذي تتجه فيه المهمة نحو طريق مسدود، تزداد كفة ترجيح أن النظام السوري يلجأ إلى كسب الوقت وتجنب التدخل العسكري.
يذكر أن قصفا بصواريخ تحتوي على غاز السارين استهدفت ضواحي دمشق أثار موجة من الإدانة العالمية، خاصة بعد انتشار صور لضحايا الهجوم.
ووصف الرئيس الأمريكي باراك أوباما الهجوم ب "انتهاك للكرامة الإنسانية"، ودفع الولاياتالمتحدة إلى الاستعداد للتحرك العسكري في رد فعل على "أسوأ هجوم بالسلاح الكيميائي في القرن الحادي والعشرين".
وبينما كان يحاول الساسة البريطانيون والأمريكيون إقناع المعارضين للحرب بضرورة شن ضربة عسكرية، قدمت سوريا تنازلًات على الساحة السياسية.
وعلى الرغم من أن الأسد اتهم المعارضة بالقيام بالهجوم الكيميائي، إلا أنه وافق على توقيع اتفاق بوساطة روسية لتسليم كل مخزونه من الأسلحة الكيميائية، وبناء عليه تلاشى خطر الضربة العسكرية الغربية. وكان فريق من بي بي سي على متن السفينة النرويجية التي كان من المفترض أن تشارك في عملية نقل 630 طنا من المواد الكيميائية الأشد خطرًا خارج سوريا في الموعد الأصلي للمهمة نهاية شهر ديسمبر/كانون الأول العام الماضي، لكن السفينة عادت مرة أخرى إلى قبرص.
وفرضت منظمة حظر الأسلحة الكيميائية حظرًا مشددًا على الإعلام بشأن هذه المهمة نظرًا لحساسيتها، ومن ثم أجلي كل الصحفيين الغربيين الذين كانوا ملحقين بفريق السفينة لتغطية تطورات الأمر.
ومنذ ذلك الحين قام طاقم السفينة الاسكندنافي برحلتين إلى ميناء اللاذقية السوري.
قال ممثلو منظمة حظر الأسلحة الكيميائية في لاهاي الأسبوع الماضي إن سوريا ما زالت ملتزمة بإنجاز المهمة وأن سبب التأخير هو مخاطر أمنية حقيقية
وفي 7 يناير/كانون الثاني جرى شحن 16 طنًا من المواد الكيميائية على سفينة دانماركية، وفي 27 من ذات الشهر حملت السفينة النرويجية "تايكو" كمية مماثلة.
ويعتقد أن سوريا تملك 1290 طنًا من المواد الكيميائية، وإن لم تزد سرعة نقل المواد فمن الممكن أن يستمر عمل هذه السفن حتى نفس التوقيت العام القادم.
"خطة بديلة؟" وهذه هي المرة الأولى التي تعمل فيها منظمة حظر الأسلحة الكيميائية في موقع حرب ويبدو أن الوضع يزداد تعقيدًا عما كان متوقعًا.
وتنفي الحكومة السورية تعمدها التباطؤ، وقال ممثلون للمنظمة أثناء إجتماعهم في لاهاي الأسبوع الماضي إن سوريا ما زالت ملتزمة بإنجاز المهمة وأن سبب التأخير هو مخاطر أمنية حقيقية يسببها وجود مجموعات المعارضة المسلحة.
ومن الممكن أن يكون كلا الاحتمالين صحيح، فقد لا يكون للأسد حافز لاستخدام موارد عسكرية لتأمين عملية نقل الكيماويات عبر طريق وعرة في ظل غياب أية عقوبات حال عدم تنفيذه للاتفاق.
ويعتقد هاميش دي بريتون-غوردون، قائد عسكري بريطاني سابق، شارك في عملية تدمير أسلحة أفغانستان الكيميائية، أن على المنظمة دراسة طرق بديلة للتعامل مع الأسد.
وقال "لقد تغير الوضع لذا يجب تعديل الخطة. يمكن تدمير غاز الخردل، الذي يعد الشيء الوحيد الذي يمكن تدميره داخل البلاد. لقد قمت بعملية شبيهة، تحت إطلاق نار، وفي ظل تهديدات من طالبان."
وأضاف "لقد أنجزنا ذلك في وقت صعب للغاية، فلماذا لا يمكننا القيام بشيء مماثل في سوريا؟ لو كنت مكانهم لكانت هذه خطتي البديلة. أما فيما عدا ذلك فالأمر محكوم عليه بالفشل."
مع استمرار الحرب الدامية في سوريا يتساءل البعض كم سيستغرق من الوقت كي يفي الرئيس الأسد بوعوده؟
من ناحية أخرى تبلغ تكلفة انتظار السفينة النرويجية في البحر المتوسط نصف مليون دولار أمريكي أسبوعيًا، وقد بذلت بلدان مثل النرويج، والولاياتالمتحدة، وبريطانيا، مبالغ مالية كبيرة من أجل هذه المهمة.
لكن هناك علامات عن نفاد صبر المجتمع الدولي، إذ قال وزير الخارجية الأمريكي جون كيري خلال محادثات السلام في سويسرا إن استخدام القوة العسكرية "ما زال مطروحًا... حسب مستجدات الوضع في المستقبل بشأن الأسلحة الكيميائية في المستقبل. إن الرئيس لا يلغي أي خيار من حساباته."
وقدم مدير الاستخبارات الأمريكية جيمس كلابر بعد ذلك بعدة أيام تقريرًا للجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ الأمريكي يحذر فيه من تقدم برنامج الأسلحة البيولوجية في سوريا عما هو معتقد، وأن الأسد "قد يكون قادرًا على إنتاج مواد كيميائية محدودة."
من جهتها قالت منظمة حظر الأسلحة الكيميائية إن المهلة التي حددتها "غير صارمة"، وإنها واثقة من أن الموعد النهائي المقرر في 30 يونيو/حزيران 2014 هو موعد "واقعي تمامًا".
وناشد مدير عام المنظمة، في بيان صدر الأسبوع الماضي، الحكومة السورية ب "التعجيل" بتنفيذ المهمة.
لكن مع استمرار الحرب الدامية في سوريا يتساءل البعض كم سيستغرق من الوقت كي يفي الرئيس الأسد بوعوده؟