- حياة عدن / خاص / كرم أمان : بدأت بوادر المواجهات في اليمن تلوح بالأفق ، وبدأ ناقوس الخطر وطبول الحرب الطائفية تدق في محافظات شمالية بعد مرور اكثر من سبعة أشهر على إنتهاء مؤتمر الحوار الوطني الذي كان اليمنيون يأملون ان يخرجهم الى النور بعد سنتين عاشوها في غيابة جُب موحش ومظلم قضى على معظم عناصر الدولة المدنية الحديثة .
الحوثيين" أنصار الله"
بعد مقتل زعيم جماعة انصار الله "الحوثيين" في عام 2004م ، خاض الحوثيين ستة حروب ضروس مع وحدات من الجيش اليمني التي اتهمتهم بمقتل زعيمهم ، بمشاركة مليشيات من حزب الإصلاح ومجاهدين "سنة" من منطقة دماج الواقعة في محافظة صعدة والتي كانت معقلاً للمجاهدين من اتباع الشيخ "الحجوري" قبل ان يتم إخراجهم منها مطلع العام الجاري وإخلاءها لجماعة الحوثيين .
استولى الحوثيين على منطقة دماج بعد سنوات من الحرب والصراع الطائفي ، وبدأ الحوثيين بعدها بالتمدد نحو المناطق والمحافظات الشمالية المجاورة والمتاخمة للعاصمة اليمنيةصنعاء ، التي كان يستولي عليها جماعة "الإخوان" الممثلة بحزب الإصلاح اليمني ،
وتمكن الحوثيين في 7 يوليو الماضي بأسقاط محافظة عمران المعقل الرئيسي للأخوان بعد معارك عنيفة بينهم وبين وحدات من الجيش اليمني المدعومة بمليشيات الإخوان ، قتل خلالها المئات من الطرفين ونزحت مئات الأسر من منازلها ، وقتل قائد اللواء 310 "حميد القشيبي" الموالي لحزب الإصلاح ." .
تحولت المعارك بعدها لمحافظة الجوف القريبة من محافظة عمران والتي يتحصن بها ايضاً جماعة الإخوان بعد سقوط معقلهم الرئيسي "عمران" ، ولازالت المحافظة تشهد معارك واشتباكات عنيفة حتى اللحظة ، بينما لاتزال اللجان الرئاسية المشكلة لنزع فتيل الأزمة لم تتوصل لأي إتفاق يقضي بوقف الإشتباكات .
حزب الإصلاح " الإخوان"
بعد الأزمة السياسية التي حلت بالبلد في 2011 ، حينما تمكن حزب الإصلاح من ركوب موجة ثورة الشباب التي خرجت لإسقاط النظام أنذاك لمواكبة ما يسمى ب "الربيع العربي" ، وفرض سيطرته على كافة ساحات وميادين الثورة في المحافظات ، استطاع من قلب موازين المشهد السياسي ، ودغدغ مشاعر اليمنيين بخطاباته المعسولة التي سرعان ما اصبحت هباءاً منثورا حينما قبل التوقيع على المبادرة الخليجية التي ضمنت للرئيس السابق ونظامه مخرج آمن وحصانة دولية ، وتشكيل حكومة جديدة ب "المحاصصة" بين حزب الإصلاح وحزب المؤتمر الشعبي الذي يحكم البلاد سابقاً بمفرده .
لم يعرف اليمن بشماله وجنوبه منذ عام 2011 الأمن والإستقرار ، ضلت الأوضاع تزداد سوءاً بعد سوء ، فحين رضخ الرئيس السابق "صالح" لضغوط الدول العشر الراعية للمبادرة الخليجية ، وسلم السلطة لخلفه "عبدربه منصور هادي" عبر ما يعرف ب "التداول السلمي للسلطة" ، كان يعلم جيداً ان تنحيه لن يمنح اليمن الأمان والرخاء والإستقرار الذي كان يحلم به الشعب في تلك الفترة ، كون القادمين من بعده الى الحكومة والسلطة منهم من صنع يديه ، والبعض الأخر ممن يضاهوه ان لم يكن اكثر منه في الظلم والقهر والنهب والفساد والإستبداد
بالمقابل ازداد فساد الحكومة وتعاظمت معها الجريمة وتفشى الظلم وانتشرت الفوضى لتعم كافة المحافظات ، في وقت ضلت الحكومة الجديدة منشغلة بالمناصب الجديدة الممنوحة لها بالتوافق دون الرجوع الى الشعب.
بدأ حزب الإصلاح يفقد الكثير من عناصره وانصاره ، وبدأت قوته العسكرية تخفت شيئاً فشيئاً ، بعد القرارات الرئاسية التي قضت بهيكلة الجيش اليمني وإقالة اللواء علي محسن الأحمر قائد الفرقة الأولى مدرع من منصبه كقائداً في الجيش وتعيينه مستشاراً للرئيس هادي للشؤون العسكرية ، وإقرار تحويل مقر الفرقة الأولى مدرع الى حديقة عامة وتسليم كافة عتادها العسكرية للدولة .
حاول الرئيس اليمني من إعادة التوازن السياسي والعسكري للدولة بهذة القرارات الرئاسية الجديدة ، وتبديد الترسانة العسكرية التي كانت الأحزاب السياسية تسيطر عليها وتستغلها لفرض هيمنتها وهيبتها على الدولة .
توالت القرارات والتعيينات الرئاسية في المؤسسة العسكرية ، منها من قضت بإقالته ومنها من قضت بتحويله او تدويره او ترقيته .
اقر الرئيس اليمني مخرجات مؤتمر الحوار الوطني الذي استمر ما يقرب من عام والذي قضى بالتحول الى النظام الإتحادي الفيدرالي من ستة اقاليم (اثنين في الجنوب واربعة في الشمال) .
لكن القرار ضل حتى اليوم حبر على ورق ، لم يلقى اي تطبيق على ارض الواقع ، بعد مرور أكثر من سبعة اشهر على إقراره ،
وبرغم من التوافق على مخرجات مؤتمر الحوار الوطني من كافة الأحزاب والمكونات المشاركة فيه ، الا ان تلك الأحزاب والمكونات ضلت سبباً في عرقلته وعدم تنفيذه ، بسبب افتعالها للازمات واختلاقها للمشاكل والمواجهات العسكرية التي استنزفت خزينة الدولة .
مجلس الأمن
لم يكن من مجلس الأمن الدولي الا اصدار قرار أممي بوضع اليمن تحت الوصاية الدولية "الفصل السابع" الذي يقضي بمحاسبة كل من يعرقل العملية والتسوية السياسية في البلد .
ولازال مجلس الأمن يراوح مكانه حتى اللحظة دون الكشف عن اسماء المعرقلين الاساسيين للعملية السياسية في اليمن ومحاسبتهم ، رغم ان القاصي والداني في اليمن يعلم بهم . واجل مجلس الأمن انعقاد جلسته الأخيرة الى نهاية شهر سبتمبر القادم ، بعد إخطارهم من قبل المبعوث الأممي الى اليمن جمال بنعمر بأن هناك امكانية لتطور العملية السياسية وانفراج في المصالحة الوطنية ، التي لاتبدو كذلك على ارض الواقع .
المؤتمر الشعبي
يسعى حزب المؤتمر الشعبي العام الذي يرأسه الرئيس اليمني السابق "علي عبدالله صالح" الى النأي بنفسه من كل الأزمات والمواجهات الدائرة في اليمن ، وبرغم محاولاته الحثيثة وخطاباته العديدة لتأكيد ذلك ، إلا انه وبحسب تقارير محلية وعربية يضل محوراً رئيسياً وضالعاً في تلك الأزمات ، كونه شريكاً فعالاً في حكومة الوفاق الوطني التي يتقاسم مع "الإصلاح" حقائبها السياسية ومقاعدها البرلمانية .
و بالرغم عدم تصدره للمشهد في بعض الأزمات والمواجهات العسكرية إلا ان مراقبيين سياسيين يؤكدون ان لدى حزب المؤتمر بصماته الواضحة في إفتعال بعضها وتأجيج البعض الأخر .
القاعدة
بدأ الظهور العلني لتنظيم القاعدة في اليمن في عام 1994م عندما استجلبهم الرئيس السابق "صالح" واستعان بهم للمشاركة مع جيشه في حرب إجتياح الجنوب ، بمساعدة حزب الإصلاح اليمني وشيوخه الذين اصدروا حينها فتاوى تكفيرية بحق الجنوبيين كونهم من اتباع النظام الإشتراكي "الشيوعي" الذي كان سائداً في اليمنالجنوبي قبل 1990 .
وعقب الحرب لم يكن لتنظيم القاعدة اي دور فعال في البلاد ، حينما اندمجت في الحياة السياسية وبدأت تشارك في المناصب الحكومية تحت عباءه "الأحزاب الإسلامية" والتي منها حزب الإصلاح .
الرئيس السابق "صالح" بدأ عقب العام 1996 بتهميش دورهم وابعادهم تدريجياً عن اي مناصب سياسية وإحلال بعضهم بعناصر من حزبه "المؤتمر" في المناصب القيادية الكبيرة بدلاً عنهم .
ومنذ ما بعد العام 1997 و 98م بدأت تلك العناصر والأحزاب الإسلامية بالإنخراط علناً في التنظيم الدولي للإسلاميين او ما يعرف ب "جماعة الإخوان" الذي بدأ نشاطه في تلك الفترة يزداد وشوكته تقوى عاماً بعد عام.
وفي منتصف عام 2011 بدأ بالظهور بشكل رسمي مستغلاً الأزمة السياسية التي عصفت بالبلد والإنفلات الأمني الذي رافقها ، وأنقض على محافظة أبين في جنوباليمن التي كان ينشط فيها الحراك الجنوبي المطالب بالإستقلال واستعادة دولة الجنوب السابقة ، ليعلنها إمارة إسلامية ، قبل ان يصعد الرئيس هادي الى سدة الحكم في فبراير 2012 والتي اعلن بعدها بشن حرب شاملة لتطهير المحافظة من العناصر الإرهابية .
بينما لا تزال الحرب على القاعدة مستمرة حتى يومنا هذا بعد تمكن القاعدة من الإنتشار في بعض المحافظاتالجنوبية الأخرى مثل شبوة وحضرموت .
حرب طائفية
كل ذلك القى بظلاله على تأجيج النزعة المذهبية والطائفية بين جماعة انصار الله "الشيعية" وبين حزب الإصلاح الذي يتهموه بالإنقضاض على الثورة الشبابية واستغلال هموم ومطالب الشعب والمتاجرة بدماء الشهداء والجرحى لتحقيق اهدافهم الشخصية والسيطرة على الحكومة والمناصب القيادية وتوسيع نفوذهم في الدولة.
واطلق الحوثيين مسمى "دواعش اليمن" على حزب الإصلاح اليمني مؤكداً ان حزب الإصلاح الحاضن الرئيسي والداعم الاساسي لتنظيم القاعدة في البلد ، وهو ما أكدته لاحقاً تقارير عربية وغربية عن ضلوعه في تمويل العناصر المسلحة من تنظيم القاعدة في البلد واستخدامهم للقتال في صفوفه في المعارك الدائرة بينهم وبين الحوثيين في بعض المحافظات الشمالية والتي لاتزال مستمرة في محافظتي الجوف ومأرب .
النظام الفيدرالي الجديد الذي اقره مؤتمر الحوار الوطني الشامل في مخرجاته قضى بتقسيم اليمن الى ستة اقاليم ، لكن مراقبين سياسيين يرون ان ما يجري في الجوف وبعض المناطق اليمنية هي محاولة توليد مشروع الاقاليم بالحروب الاهلية لان التقسيم تم على اساس طائفي وعرقي . وإزاء التمدد الحوثي في بعض المحافظات الشمالية بعد سيطرة الجماعة على محافظة صعدة وعمران والمناطق المجاورة لها والحرب الدائرة في محافظة الجوف التي تسعى جماعة الحوثيين لبسط نفوذها فيها وفرض سيطرتها عليها ، قام حزب الإصلاح اليمني وبمشاركة بعضاً من رجال القبائل في محافظة الجوف بالإعلان عن تشكيل ما يسمى ب "جيش سبأ" لمواجهة التمدد الحوثي "الشيعي" .
وقام حزب الإصلاح بإستعراض عسكري لجيش سبأ عبر مقاطع فيديو بثت في موقع يوتيوب وتم نشره في عدد من وسائل الإعلام المحلية ، ما ينذر بتفجر حرب طائفية طويلة الأمد بين الحوثيين والإخوان .
وهذا ما اكده عضو اللجنة الرئاسية المكلفة بالنزول الى محافظة الجوف ونزع فتيل الإقتتال فيها ، حيث وصف "مفرح بحيبح" الوضع الحالي في المحافظة بأنه (بداية لحرب طائفية مذهبية في اليمن) .
ضل الجنوباليمني الذي ينشط فيه ويسيطر عليه الحراك الجنوبي السلمي المطالب بالإستقلال عن الشمال ، في معزل عما يدور في بعض المحافظات الشمالية ، فلم يكن الحراك الجنوبي طرفاً في المبادرة الخليجية التي جاءت لتسوية الصراعات على السلطة بين النظام الحاكم وأحزاب المعارضة .
واستمرت حركة الإحتجاجات والمظاهرات السلمية في الجنوب في الوقت الذي كانت فيها العاصمة صنعاء وبعض المحافظات الشمالية تشهد مواجهات عسكرية واضطرابات مستمرة بين أحزابها ومكوناتها السياسية .
لكن اطرافاً اخرى لم تشأ استمرار وضع الجنوب في معزل عن كل ما يدور في البلد ، فتم الزج بعناصر مسلحة من ما يسمى بتنظيم القاعدة لبعض المحافظاتالجنوبية التي شهدت خلال العامين السابقين جرائم اغتيالات وقتل طالت قيادات وكوادر عسكرية جنوبية منهم من لازال في المؤسسة العسكرية ومنهم من بلغ احد الأجلين "التقاعد" ومنهم من تم تسريحهم قسراً من وظائفهم عقب حرب 1994م ، واتهم الحراك الجنوبي اطرافاً ومتنفذين في صنعاء بالضلوع وراء ذلك .
قيادات جنوبية في الحراك الجنوبي اعلنت ولاءها للرئيس عبدربه منصور هادي وذهبت الى صنعاء للإنخراط في العملية السياسية ، ومنهم من اعلن تأييده للرئيس هادي وبإنتظار عودتهم الى اليمن قريباً ، لكن البعض الاخر لا يزال يراوح مكانه ومتشبت بمطالب معظم الجنوبيين الذين يطالبون بإستعادة دولتهم السابقة واستمروا في حراكهم السلمي طيلة ثمان سنوات سقط خلالها ما لايقل عن 1500 قتيل والاف الجرحى والأسرى .