عدن اون لاين/ كتب: محمد علي محسن ليس المؤتمر الشعبي وحده مطالب اليوم بإعادة صياغته وتأهيله ليكون حزبا سياسيا إيديولوجيا وتنظيميا بل معظم الأحزاب القومية والإسلامية والاشتراكية ، فكل هذه المسميات اليسارية أو اليمينية أو الوسطية بحاجة ملحة وضرورية لعملية تغييريه شاملة لا تقتصر فقط على قيادتها العتيقة أو هيكلها وخطابها ومنهجها وفعلها وإنما لكل ما له صلة ببنيوية ومنظومة هذه الأحزاب عقائديا وتنظيما ومنهجا وثقافة ووسيلة ومرجعية وووو. المؤتمر في شكله ومضمونه القائمين صار جزءا من نظام عائلي قبلي وعلى هذا الأساس يجب على الكثير من قيادته وقواعده ألا تنتظر لحين سقوطه وحله في المستقبل القريب ؛ فالمؤتمر سينتهي بمجرد مغادرة رئيسه صالح الرئاسة ، فالمؤكد أن مصيره سيكون مماثلا للحزب الوطني في مصر والتجمع الدستوري في تونس . فلا ينتظر هؤلاء من البركاني أو الراعي أو علي مجور وحتى النائب عبد ربه أن يأتي لهم بمعجزة من أي نوع ، فالواقع أن المؤتمر لن يكون حالة مختلفة عن الحزب الوطني أو التجمع الدستوري ، سيكون مصير ميثاقه الوطني وهيكله البيروقراطي وقيادته الانتهازية أشبه بالكتاب الأخضر ونظريته ولجانه الشعبية . الأحزاب السياسية الأخرى قد يكون حالها أفضل من المؤتمر لكن ذلك لا يعني أنها بمنأى من تحديات المرحلة القادمة ، فهذا الأحزاب ستواجه استحقاقات كثيرة في قابل الأيام ، فالواقع المشاهد لا يشي بثمة تبدل وتحول حاصلين في هذه الأحزاب السياسية القائمة منذ إعلان التعددية السياسية عام 90م ، فهناك تحولات كبرى فرضت نفسها على الواقع العملي والنظري ومع هذا التحول الحاصل لم نلمس بان الأحزاب السياسية المعارضة للنظم الحاكمة قد استفادت مما جرى لها من إقصاء وتهميش. فإذا كنا ندعو قيادات وقواعد المؤتمر بان لا ترهن مستقبلها بإرث صار من الماضي ؛ فأننا بالمقابل نطلب من أحزاب المعارضة أن تستعد هي الأخرى لاستحقاقات ما بعد رحيل صالح ونظامه ، فلدينا أحزابا قومية كانت ناصرية أو بعثية يستلزمها التجديد ، وليس مقبولا من هذه الأحزاب أن تظل أسيرة خطابات عبد الناصر وتجربته أو نظرية ميشيل عفلق وصلاح البيطار. فالناصرية اليوم غير ناصرية الستينات والبعث اليوم أيضا ، فكلاهما هرما وشاخا وماتا وعلى القوميين العرب إما بث الروح فيهما ثانية بحيث نرى ناصرية معدلة تنتمي لهذا العصر ونرى بعث جديد غير بعث العراق وسوريا وإما أن عليهما البقاء على ذات المنهج القديم ،وهذا بلا شك لن يفضي لخيار سوى الانتحار عاجلا أم أجلا . كذلك هو الحال عندما نتحدث عن اشتراكية عبدالله باذيب وعبد الفتاح أو إخوانية الشيخ حسن البناء والمخلافي وطرموم، فبعد كل ما حدث لسلطة العمال والفلاحين من زلزال سياسي وفكري وتطبيقي ولمصلحة غول رأسمالية آدم سميث هناك اليوم محاولات عملية لإعادة الاعتبار لنظرية العدالة المجتمعية ولو بصبغة دينية كالاشتراكية المسيحية في ألمانيا أو بصبغة رأسمالية وليبرالية كالاشتراكية في بريطانيا وفرنسا واسبانيا ، كذلك هو حال دعوة الأخوان المسلمين التي ولدت على يد مؤسسها الشيخ البناء عام 1928م ففي ذاك الإثناء كانت الفكرة الأساسية هي ملئ الفراغ الناتج عن حل كمال أتاتورك للإمبراطورية العثمانية في تركيا وإنهاء دولة الخلافة الإسلامية القائمة فيها مذ قرون . حين قلت لقيادي إخواني بحاجة البلد إلى رؤى وأفكار جديدة نابعة من روح العصر ومن حاجته للتغيير المستمد من تراكم ارثي وحضاري إنساني ومن الضرورة الملحة لمواجهة تحديات حضارية قائمة وقادمة ؛ أستحسن الفكرة لكنه وعندما تعلق الأمر بتعديل الإسلام السياسي أنتفض قائلا : الإسلام هو الإسلام الذي لا يتبدل أو يتحول ، فشتان ما بين نظريات وضعية ينبغي تعديلها وتطويرها وبين كلام الله والرسول اللذين لا مبدل لهما ،فهما صالحان لكل زمان ومكان ، فلا مقارنة هنا بين عدالة السماء وبين عدالة البشر . وفيما صديقي مسترسلا في حديثه تذكرت كيف قابلت جماعة الإخوان في مصر بالرفض لفكرة رجب اوردوغان رئيس حكومة العدالة والتنمية في تركيا الناصحة للجماعة بعلمنة الدولة المصرية ،فالواقع أننا إزاء حالة لا تستقيم أبدا مع فكرة الدولة المدنية الحديثة ، أؤيد مسألة أسلمت السياسة وفي أن تحكم الأحزاب الإسلامية أسوة بغيرها من الأحزاب القومية واليسارية والوسطية التي سبق تجريبها ، أعتقد أن الحركات الإسلامية ستفوز في أية استحقاقات ديمقراطية مزمعة وفي أي بلد عربي ، ولكن ليس هذا هو المهم إذ أن المهم لواحد مثلي هو الممارسة السياسية ومدى قدرتها على تخطي كثير من المسائل النظرية والعملية . ربما سأل أحدكم : كيف أنني أسهبت بعض الشيء حول المؤتمر والإصلاح ؟ نعم ، فلأن أحدهما يمثل عهد سياسي يجب أن يذهب جواده وصهيله وبلا رجعه فيما الأخر يُمثل عهد سياسي ويجب أن تشرق شمسه مؤذنة بيوم جديد ، ما ينبغي فعله من قواعد وقيادات في المؤتمر هو عدم الانتظار لحين رحيل مالك تنظيمهم وصاحبه نهائيا من السلطة. فعلى هؤلاء المسارعة في التأسيس لكيان أخر على غرار الحركات المنشقة أو الانضمام لغيرها ، هذا إذا استثنينا مسألة عودة الكثير من هؤلاء إلى أحزابهم السابقة ، ما يجب فعله من الحركات الإسلامية وبالذات الإخوان المسلمين هو التهيئة والإعداد لمرحلة سياسية مختلفة ، فهناك عديد من المفاهيم والأفكار البنيوية والإيديولوجية والاقتصادية والثقافية والدينية وغيرها من النواحي التي ستكون على المحك التطبيقي للحركة الإسلامية . قد تفلح السلطة وتحدياته السياسية في بلورة وصياغة إسلام سياسي محدث يقترب من نموذج تركيا ويتقاطع كليا مع نماذج أفغانستان والسودان وقد ترتطم الأحزاب الإسلامية بساتر الأفكار البالية الرافضة لعملية المواءمة والتوفيق بين ما هو دين ديدنه الحلال والحرام وبين ما هو سياسة واصله المنفعة الوطنية والمناورة والتكتيك والقبول والرفض والمساومة وغيرها من مفردات السياسة ، ومع كل ذلك التجربة كفيلة بصقل وفرز ما هو لله وما هو لقيصر ، ما هو خطبة وموعظة لهداية الغاويين والضالين وما هو خطاب وفعل لإشباع البطون والعقول وحاجة الناس الحياتية .