تشهد المدارس الأهلية في صنعاء والمحافظات الخاضعة لسيطرة الحوثيين إقبالاً كبيراً خلال الأيام الماضية بعدما عجزت وزارة التربية والتعليم في إطلاق العام الدراسي الجديد في المدارس الحكومية. وبعض الأهالي يضطرون إلى بيع مقتنيات ثمينة لإلحاق أبنائهم في المدارس الأهلية كي لا يمرّ العام من دون أيّ تعليم، فيما تبالغ مدارس خاصة كثيرة في رفع رسوم الالتحاق بها إلى مبالغ قياسية، على الرغم من الظروف الاقتصادية الصعبة التي تعاني منها الأسر اليمنية من جرّاء الحرب التي تشهدها البلاد. علي عبيد من هؤلاء الذين يعانون، فثلاثة من أبنائه يتابعون تعليمهم اليوم في مدرسة خاصة بعدما بدأ العام الدراسي الجديد من دون أن تفتح المدارس الحكومية أبوابها نظراً إلى إضراب المدرّسين. يقول عبيد ل”العربي الجديد” إنّه “على الرغم من ارتفاع تكاليف الرسوم الدراسية في المدارس الخاصة، فإنّ الخوف من تأخير العام الدراسي في المدارس الحكومية جعلني أتحمّل أعباء الرسوم وإن كان وضعي المالي صعباً جداً”. ويشير إلى أنّه قادر على “تحمّل كلّ شيء إلا مشاهدة أطفالي في المنزل من دون تعليم. لذا أدفع مضطراً نحو 90 ألف ريال يمني (نحو 360 دولاراً أميركياً) كقسط شهري للمدرسة، وهذا مبلغ كبير في هذه الظروف لا سيّما وأنّني لا أستطيع جمعه من دون تعب كبير”. انتشار مهول من جهته، يصف نزار صادق المدارس الأهلية ب”السوق السوداء”، مشيراً إلى أنّ عشرات المدارس أنشئت أخيراً في المنطقة حيث يعمل. ويقول إنّ “المدارس الأهلية انتشرت بصورة كبيرة في صنعاء، في ظلّ عدم توفّر مدرّسين في تلك الحكومية. فالأمر دفع بمتنفذين إلى الاستثمار في التعليم الخاص، في ظل غياب الاهتمام بالتعليم العام”. يضيف: “بالتالي، كما للمشتقات النفطية ولسلع كثيرة سوق سوداء، كذلك الأمر بالنسبة إلى التعليم”. ويتابع صادق أنّ “مدارس أهلية كثيرة في اليمن تسعى وراء الربح وكسب الأموال، وبعضها لا يختلف عن مدارس التعليم العام إلّا في أمور شكليّة، في حين يمكننا القول عن بعض منها فقط إنّها تقدّم خدمة مميّزة نوعاً ما”. عوامل التزايد وكانت وزارة التربية والتعليم الخاضعة لسيطرة الحوثيين قد دعت المدارس الأهلية إلى إطلاق العام الدراسي بهدف التخفيف من الضغط الناجم عن إضراب المدرّسين وتغيّبهم ومطالبات أولياء أمور التلاميذ بإيجاد حلول للمشكلة. بالتالي، في ظروف مماثلة، لا يمكن أن نتوقّع عملية رقابية تساعد في تقويم أيّ خطأ يُرتكب من قبل أصحاب المدارس الأهلية. في السياق، يقول المدير التنفيذي لمركز الدراسات والإعلام التربوي محمود الحميري إنّ “عوامل أخرى دفعت أولياء الأمور إلى تسجيل أبنائهم في مدارس أهلية، منها ما هو مرتبط بطبيعة التدريس والمناهج الدراسية”. ويشير إلى أنّ “وضع التعليم الحكومي متردّ جداً، وثمّة إحصاءات تشير إلى أن 1.3 مليون طفل في سنّ التعليم العام حُرموا من الدراسة خلال العام الماضي، وأنّ تلاميذ اليمن لم يتلقوا في المدارس الحكومية خلال العام الماضي إلا 60 في المائة من الساعات المعتمدة للتعليم”. يضيف أنّ “انتشار التعليم الأهلي هو عامل مساعد للتعليم الحكومي في الأوضاع الطبيعية في أيّ بلد، أما في الأوضاع التي يعيشها اليمن حالياً، فإنّ انتشار المدارس الخاصة يأتي كنوع من الاستثمار، خصوصاً في ظل تدهور التعليم في المدارس الحكومية”. سياسة استثمارية من جهته، يقول عبدالله رسام وهو وكيل مدرسة خاصة في صنعاء، إنّ “العملية التعليمية والتربوية في المدارس الأهلية تسير وفقاً لسياسة المستثمر، فثمّة من يتعامل معها على أنّها مشروع تعليمي مدرّ للربح، وثمّة من يتعامل معها على أنّها مشروع ربحي فقط فلا يهتمّ بالكوادر ولا بتقديم تعليم حقيقي”. يضيف أنّ “انتشار المدارس الأهلية لا يخلو من سلبيّات مختلفة يعاني منها التعليم بصورة عامة، من قبيل عدم توفّر المباني المناسبة لتأمين مناخ دراسي سليم. وقد وصل الأمر ببعض المدارس إلى حدّ استئجار مبانٍ ضيّقة وغير مؤهّلة للعملية التربوية”. تجدر الإشارة إلى أنّ المدارس الأهلية في صنعاء التي يتجاوز عددها 650 مدرسة بحسب إحصائية سابقة، تقدّم نفسها للمواطن عبر أنشطة ترويجية وحملات تسويقية مختلفة لاستقطاب عدد كبير من التلاميذ والتلميذات، على الرغم من الرسوم المبالغ فيها التي لا تأخذ بعين الاعتبار الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تعيشها الأسرة اليمنية من جرّاء الحرب. العلم لمن يملك المال هكذا بات واقعنا التعليمي في المناطق التي تسيطر عليها جماعة الحوثي المسلحة وأصبحت المؤسسة التعليمية في مهب الهاوية في ظل استمرار الفوضى العارمة التي قلبت المؤسسة التعليمية رأسا على عقب وعبثت بموازينها، وأضحت المدارس الخاصة هي الحاضرة. ومع استمرار الإضراب ومطالبة المعلمين بحقوقهم المالية مع بداية العام الدراسي 2017_2018 توقف شبه كامل للمسيرة التعليمية في مدارس العاصمة ومع المحاولات الكبيرة لجماعه الحوثي إدخال منهجهم الطائفي وفرض فكرهم على المنهج التربوي مع كل هذه المعوقات يعيش أولياء الأمور خوفا من ضياع سنة من سير تعليم أبنائهم. محمد صالح وهو أب لخمسة أطفال استغنى عن كثير من الاحتياجات الأساسية "على حد تعبيره" لتوفير المال لإدخال أبنائه الصغار مدرسة خاصة خوفا من تأخير المدارس الحكومية وخوفا من غرس أفكار طائفية في فرضت جماعة الحوثي متطوعين تابعين لها. فيما قامت حليمة يحيى وهي أم لطفلين وربه منزل ببيع ذهبها وقالت إنها أقدمت على بيع أحب ما تملك "لتدريس ابني بمدرسة خاصة لتفادي ضياع سنة جديدة". فيما يقول محمد وهو أكبر أخوته الثلاثة ومسؤول عليهم: "بحثت عن عمل إضافي عصرا واستأجرت باص.. بجانب عملي الخاص صباحا لأوفر تكلفه المدرسة الخاصة لأخي الذي تعتبر مرحلته الدراسية حرجة "ثالث إعدادي" وتحتاج لاهتمام اكبر". معاناة مستمرة وتطول حكاية المعاناة التي يتجشمها الأهالي من التكاليف الطائلة في المدارس الخاصة ويلجأون لها ليتفادوا ضياع مستقبل أولادهم في العاصمة والهروب من واقع التعليم في المدارس الحكومية التي تعرضت مضامين المناهج والكادر للتفخيخ الطائفي من جماعة الحوثيين الانقلابية. وتنتشر المدارس الخاصة في العاصمة صنعاء مع تسهيلات أكبر يقدمها الحوثيون من أجل إنشائها، وتصف المدارس الخاصة بالمشاريع الاستثمارية الناجحة، ويتنافس عليها كثيرون لضمان الربح الوفير في الوقت الراهن مع عبث ميليشيا الحوثي بالمؤسسة التعليمية. وتنتشر لافتات تملأ شوارع العاصمة باستمرار التسجيل في المدارس الخاصة وأسماء ومباني تعليمية جديدة ظهرت وسط استغراب واسع لانتشارها وبروزها بهذا الحجم.. ويتساءل كثيرون عن مدى مهنية هذه المدارس التي وجدت بوقت قصير وبكم هائل وماهي التسهيلات الهائلة التي قدمت ليتسع المجال بهذا القدر. وتقول مشرفة سابقة في مدرسة خاصة العام الماضي والآن وكيلة وشريكة مشروع مدرسة خاصة مفضلة عدم الكشف عن هويتها: إن الإقبال كبير بالرغم أنها السنة الأولى للمدرسة وأن أكثر الفئة حضورا بقوة المرحلة الأساسية. وتشير إلى أنها وأثناء استقبال الطلاب للتسجيل كان يتوافد على المدرسة أولياء أمور لتسجيل أبنائهم ولاتظهر عليهم الراحة المادية كتلك العائلات التي ظللت أعرفها طوال عشر سنوات من عملها في المدارس الخاصة. ظروف استثنائية ظروف استثنائية فرضت حضور قوي للتعليم الخاص وتقليل من شأن التعليم الحكومي مع استمرار استيلاء جماعه الحوثي المسلحة على مفاصل المؤسسة التعليمية. ووفقاً لذلك جعلت جماعة الحوثي المسلحة من كل قطاع خاص مورد دخل تجني أموال طائلة واستغلال واضح للعيان وتفرض الجبايات بقوة السلاح. وتفرض جماعة الحوثي الخُمس من أرباح المدارس الخاصة، حسب ما قال مدراء مدارس ومالكين في صنعاء. ناهيك عن المطالبة بكشف الحسابات الواردة وفرض مبالغ على ضوئها. كما تعتبر المناسبات الحوثية كابوسا على مدراء المدارس الخاصة مثل يوم الشهيد ويوم الغدير.. وغيرها الكثير حيث يتم النزول لفرض مشاركات مالية عنوه.. مع فرض صناديق للرفد المالي للجبهات كما أنها قامت باختطاف مدرسين كرهائن حتى يتم تسليم المبالغ المفروضة. لم تسمح الجماعة المسلحة بإتاحة التعليم المجاني الحكومي وفي ذات الوقت بتضييق مستمر على التعليم الخاص. ويعود التاريخ بأحداث الإمامة لتكون العبارة أكثر بشاعة ويصبح التعليم لمن يملك المال.