قادت الأخطاء والممارسات السلبية بحق الجنوبين من حكومات صالح المتعاقبة، إلى تزايد الشعور بالظلم والرغبة في الانفصال، وهي النزعة التي ظلت تتصاعد منذ سنوات ما بعد حرب 94م، حتى انطلق الحراك الشعبي الجنوبي بداية العام 2007 مثَّل العام 2001 - بحسب مراقبين، تحولاً في العلاقات بين القوى السياسية من خلال خروج الصراع السياسي بين حزب المؤتمر الشعبي العام، وحزب التجمع اليمني للإصلاح إلى المرحلة العلنية قادت الأزمة السياسية بعد الوحدة الى سلسلة لقاءات واتفاقات شملت الأحزاب السياسية اليمنية كلها ، وتمخض عنها تشكيل لجنة حوار القوى السياسية بهدف نزع فتيل الأزمة وتجنيب البلاد تبعاتها، وبعد لقاءات عدة عقدتها اللجنة في صنعاء وعدن ، أنجزت وثيقة لحل الأزمة ومعالجة أسبابها عرفت ب «وثيقة العهد والاتفاق « وتم التوقيع عليها من قبل الأطراف السياسية اليمنية في حفل أقيم بالعاصمة الأردنية عمّان.. نستعرض هنا الحلقة الحادية عشر من هذه الدراسة التي توضح خارطة المشهد السياسي اليمني في فترة ما بعد 2001 م الى عام 2011م وما حصل من تغيرات في المشهد السياسي اليمني المشهد السياسي في الفترة 2011-2001 بدأت هذه المرحلة بانتخابات المجالس المحلية للمديريات والمحافظات (البلديات)، التي أجريت في فبراير/شباط 2001 ،وترافقت مع الاستفتاء على التعديات الدستورية التي اقترحها حزب المؤتمر الحاكم صاحب الأغلبية البرلمانية المريحة في انتخابات 1997 النيابية، حيث حصد ما يقارب 200 مقعدا وبنسبة تتجاوز ال60 بالمائة، فيا حصل حزب الإصلاح على 63 مقعدا وبنسبة تناهز 21 بالمائة، وجاءت نتيجة الاستفتاء متوافقة مع رغبة المؤتمر في إقرار التعديات التي شملت نحو 15مادة، وقريبا منها نتيجة الانتخابات المحلية، حيث حصل المؤتمر على 3807 مقعدا في مجالس المديريات البالغ عددها 6283 ،وحصل على 284 من مقاعد مجالس المحافظات التي تبلغ 417 مقعدا، يليه حزب الإصلاح ب1449 مقعدا من مقاعد المديريات، و 85 مقعدا من مقاعد مجالس المحافظات. وإزاء ذلك تعززت قناعات المعارضة بمختلف مكوناتها، أن نظام الحكم يتجه للهيمنة المطلقة على المشهد السياسي مستفيدا من اختال التوازن لصالحه، وتجلى ذلك في إحكام قبضته على الجيش والأمن والمال العام والوظيفة العامة، ويعمل على تسخير كل ذلك في تحقيق أهدافه ومكاسبه الخاصة، مع ما كانت تعيشه البلد حينها من تراجع الهامش الديمقراطي، وتضييق على الحريات العامة، وتردي الأوضاع المعيشية وتدين مستوى الخدمات الأساسية، وتواصلت لقاءات أحزاب المعارضة بقطبيها الرئيسيين حزب الإصلاح من جهة وأحزاب المجلس الأعلى للمعارضة من جهة ثانية، حتى تكللت بتشكيل اللقاء المشترك، بعدما ظلت أحزاب المعارضة تتوجس خيفة من تراجع الإصلاح وعودته إلى التحالف مع النظام، ذلك أن التواصل بين هذه الأطراف كان قد بدأ منذ العام 1996 على هيئة برنامج يهدف إلى تنسيق الجهود من أجل انتخابات حرة ونزيهة، بيد أن التنسيق لم يكن قد وصل إلى مرحلة الاتفاق على انضواء القوى السياسية تحت الفتة اللقاء المشترك إلا بعد العام 2000 ،وتحديدا عقب الانتخابات المحلية والاستفتاء على التعديات الدستورية بداية العام 2001،لذلك مثل العام 2001 - بحسب مراقبين، تحولاً في العلاقات بين القوى السياسية من خلال خروج الصراع السياسي بين حزب المؤتمر الشعبي العام، وحزب التجمع اليمني للإصلاح إلى المرحلة العلنية وسعى اللقاء المشترك منذ نشأته إلى ترسيخ النهج الديمقراطي القائم على الحرية والتعددية وسيادة القانون والتداول السلمي للسلطة، وحقق مشاركة إيجابية أثناء مناقشة قانون الانتخابات، ودخل في حوارات مضنية مع اللجنة العليا للانتخابات، ليضمن وجوداً مقبولاً في اللجان الانتخابية لضمان رقابة متوازنة، ونجحت أحزاب المشترك في مسعاها، وحافظت على تكتلها رغم الترغيب والترهيب، ومع ذلك فقد جاءت نتيجة انتخابات 2003 البرلمانية، معلنة عن الفوز الكاسح لحزب المؤتمر الشعبي ب242 مقعداً، ونسبة 80بالمائة، الأمر الذي اعتبرته المعارضة تراجعاً واضحاً للتعددية الحزبية والمسار الديمقراطي في اليمن، في ظل الانفراد المستمر لحزب المؤتمر في تشكيل الحكومة، والسيطرة الكاملة على مؤسسات الدولة. وفي العام 2006 أجريت انتخابات رئاسية ومحلية وشهدت طابعاً ديمقراطياً تنافسياً وحققت تطوراً مهماً على صعيد التجربة الديمقراطية، وحصل مرشح المؤتمر الشعبي الرئيس صالح على نسبة 77 بالمائة، بينما حصل الراحل فيصل بن شملان مرشح اللقاء المشترك على نسبة 21 بالمائة من الأصوات، أما نتائج الانتخابات المحلية فتجاوزت نسبة ما حصل عليه المؤتمر 80 بالمائة. وتعززت في الأعوام التالية للانتخابات الرئاسية قبضة نظام صالح على كل شيء، ومعها تراجعت قدرة أحزاب المعارضة على تحقيق أي نتيجة لصالح الديمقراطية والتعددية السياسية، بفعل السطوة القوية لنظام الحكم. وشهدت الأوضاع الأمنية ترديا ملحوظاً في عدد من المحافظات، خاصة بعد تبني تنظيم القاعدة عددا من الجهات التي استهدفت مراكز حكومية وسفارات أجنبية وسياح أوروبيين، بعدما أذاع النظام خبر فرار أكثر من 20 عنصراً من عناصر القاعدة من سجن الأمن السياسي بصنعاء، أبرزها الهجوم على السياح الأسبان بداية يوليو/تموز 2007 ،بسيارة ملغومة أثناء زيارتهم معبد ملكة سبأ في مأرب، ما أدى إلى مقتل 8 سياح وسائقين يمنيين. وفي هذه الفترة تضاعفت تحديات اليمن جراء الانسداد السياسي وإغلاق قنوات الحوار والتواصل بين القوى السياسية في الحكم والمعارضة باستثناء محاولات خجولة كانت تصل إلى طريق مسدود، وفي جنوب البلاد تنامت نزعة الانفصال والمطالبة بالعودة إلى ما قبل الوحدة اليمنية، استناداً إلى مظاهر عدة ارتبطت بحرب العام 1994 وتداعياتها والآثار الناجمة عنها، ومن هنا باتت الوحدة مثار جدل لا يتوقف بين مؤيد لها ورافض، سيما بعدما قادت الأخطاء والممارسات السلبية بحق الجنوبين من حكومات صالح المتعاقبة، إلى تزايد الشعور بالظلم والرغبة في الانفصال، وهي النزعة التي ظلت تتصاعد منذ سنوات ما بعد الحرب، حتى انطلق الحراك الشعبي الجنوبي بداية العام 2007 تحت وطأة المعاناة التي تكبدها آلاف العسكريين والأمنين والموظفين المدنيين جراء تسريحهم من أعاملهم وحرمانهم من حقوقهم المادية والمعنوية. وأجمعت أغلب النخب السياسية اليمنية التي انضوت في مؤتمر الحوار الوطني (انعقد في الفترة مارس/ آذار 2013 :يناير/كانون 2014 ،)على أن حرب 1994 وما حدث بعدها نتج عنه «إلغاء الشراكة السياسية للجنوب، وتحجيم موقعه ومكانته وحضوره في المعادلة السياسية، مع الإشارة إلى أن بعض مظاهر المعاناة والإشكاليات السياسية تعود إلى فترة الاستقلال وقيام جمهورية اليمنالجنوبية في العام 1967 ،وما شهدته من ممارسات شمولية وإقصاء وعدم الاعتراف بالآخر، وما نتج عن ذلك من دورات عنف وقمع وإقصاء. وبناء عليه توافقت مكونات المؤتمر الوطني للحوار على استبعاد بقاء اليمن موحداً بالصيغة التي تمت في العام 1990 ،أو إعادة الوضع إلى ما كان عليه قبل الوحدة، بدولة في الجنوب وأخرى في الشمال، واعتمدت صيغة جديدة تقوم على أساس اتحاد فيدرالي يقسم البلد إلى 6 أقاليم، 2 في الجنوب و4 في الشمال، معتمدة في تحديد الأقاليم على عوامل جغرافية وأخرى اقتصادية،بالإضافة إلى العوامل والأبعاد الاجتماعية والثقافية والتاريخية غير أن الحرب التي اشتعلت أواخر العام 2014 بسيطرة جامعة الحوثي على العاصمة صنعاء وعدد من المحافظات، كشفت أن الحوثين يرفضون خيار الأقاليم، ومعهم في ذلك بعض أنصار الرئيس السابق عي صالح، فضلا عن أن قطاعاً واسعاً من الحراك الجنوبي، لا يزال متمسكاً بمطلب الانفصال، ويرفض مشروع الأقاليم الذي تم إقراره في مؤتمر الحوار الوطني.