المنتدى العربي للبيئة والتنمية الأرض كوكب صالح للسكنى بفضل مجموعة من الأوضاع الملائمة للمعيشة، ومناخ الأرض يساعد على الحياة؛ لأن تركيزات غازات الدفيئة في الغلاف الجوي، وعلى الأخص ثاني أكسيد الكربون، تحبس جزءًا من ضوء الشمس المنعكس بعيدًا عن سطحها، ما يعطي الكوكب دفئًا معتدلاً، لكن هذا يتغير، فمنذ الثورة الصناعية، أدت النشاطات البشرية وعلى الخصوص استعمال الوقود الأحفوري وأنماط استخدامالأراضي والزراعة، وزوال الغابات إلى ازدياد تركيزات غازات الدفيئة في الغلاف الجوي، ما تسبب في ارتفاع معدل درجات الحرارة. ومقولة أن المناخ يتغير فعلاً باتت الآن حقيقة مقبولة عالميًا، حتى أن المعارضين القلائل الذين ما زالوا ينكرون أن تغير المناخ هو من صنع الإنسان يوافقون على أنه يحدث، لكن كمظهر من دورة طبيعية. بحلول العام 2007 أفادت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) وهي الهيئة العلمية العليا التابعة للأمم المتحدة التي أنيطت بها المسألة، بدرجة عالية من الدقة، أن أسبابًا بشرية تكمن وراء معظم زيادات درجات الحرارة العالمية التي تمت ملاحظتها، فقد ازدادت تركيزات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي من نحو 280 جزءًا في المليون في عصر ما قبل التصنيع إلى نحو 430 حاليًا. أما على مستوى 550 جزءًا في المليون، الذي يمكن بلوغه في وقت مبكر لا يتعدى سنة 2035، فقد يرتفع معدل درجات الحرارة العالمية بأكثر من درجتين مئويتين، وبموجب سيناريو التجاهل (business- as-usual)، فإن مخزون غازات الدفيئة يمكن أن يتعدى ثلاثة أضعاف مع نهاية القرن، ما يجعل نسبة احتمال ارتفاع الحرارة أكثر من 5 درجات مئوية خلال العقود المقبلة تصل إلى 50 في المئة على الأقل، ونطاق هذه الزيادة يمكن أن توضحه حقيقة أن المناخ هو حاليًا أدفأ 5 درجات مئوية مما كان عليه في العصر الجليدي الأخير، الذي ساد منذ أكثر من عشرة آلاف سنة. وقد ازداد مقدار الكربون المحتجز في المحيطات، مما يتسبب في زيادة تدريجية، لكن مطردة في الحموضة التي تهدد النظم الإيكولوجية البحرية، كما يتسبب ارتفاع درجات حرارة المياه في ابيضاض كثير من الشعاب المرجانية، وازدياد معدل درجات الحرارة أدى بشكل مطرد إلى ذوبان الجليد في المناطق القطبية وكذلك الأنهار الجليدية في أنحاء العالم، وارتفاع حرارة مياه المحيطات قد يجعل مستوى البحار يرتفع بمقدار يصل إلى 59 سنتيمترًا بحلول سنة 2100 حسب تقديرات تقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ لسنة 2007، أو حتى بمقدار يصل إلى 5 أمتار إذا ما أخذ في الحسبان ذوبان جزء من الصفيحة الجليدية في القارة المتجمدة الجنوبية. وتتكهن الهيئة بأن 20 إلى 30 في المئة من الأنواع سوف ينقرض إذا ارتفع معدل درجات الحرارة أكثر من درجة مئوية واحدة، ما لا يمكن تجنبه فعليًا، ومن المتوقع أيضًا أن تنشأ أحداث وتغيرات مناخية متطرفة. ويرى عدد من الدراسات الحديثة أن تقديرات التقرير التقييمي الرابع الذي أصدرته الهيئة عام 2007 كانت متحفظة كثيرًا، وأن التوقعات يجب أن تعدل لتعكس تأثيرات أقوى، فعلى سبيل المثال، كانت انبعاثات الدول النامية تنمو بسرعة أكبر كثيرًا مما كان يعقد سابقًا، ومن المتوقع الآن أن تتجاوز انبعاثات الدول المتقدمة بحلول سنة 2010، نقطة التقاطع هذه كانت متوقعة من قبل لسنة 2020، أو حتى لما بعدها، والتوقعات المرجعية لانبعاثات ثاني أوكسيد الكربون في الصين، الصادرة عن وكالة الطاقة الدولية (IEA) على سبيل المثال، تم تنقيحها نحو الأعلى بين عامي 2000 و 2007، وفي أيلول (سبتمبر) 2009 توصل علماء أمريكيون إلى بديل بأن سماكة الصفيحة الجليدية في القارة القطبية الجنوبية انخفضت بنسبة 53 في المئة عن أعلى مستوى وصلت إليه عام 1980، ما يخلق إمكانية لارتفاع مستويات البحار بشكل أسوأ مما هو متوقع. كريستوفر فيلد، وهو عضو أمريكي رئيسي في الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، ومدير مؤسس لدائرة الايكولوجيا العالمية لمعهد كارنيجي في جامعة ستانفورد، قال في الاجتماع السنوي للجمعية الأمريكية لتقدم العلوم في فبراير 2009، إن وتيرة تغير المناخ تفوق التوقعات؛ لأن الانبعاثات منذ العام 2000 فاقت التقديرات التي استعملت في تقرير الهيئة للعام 2007. اللورد نيكولاس ستيرن قال أيضًا في العام 2008، إن التقرير الذي أعده عام 2006 لمصلحة الحكومة البريطانية حول التأثيرات الاقتصادية لتغير المناخ، والذي أيد اتخاذًا إجراءات قوية وفورية، لم يعط المشكلة حجمها الحقيقي، وأكد: "نحن قللنا تقدير الأخطار. . وقللنا تقدير الأضرار المرتبطة بالزيادات في درجات الحرارة. . وقللنا احتمالات الزيادات في درجات الحرارة". إن تحدي تغير المناخ هو تحد عالمي في أسبابه وفي حلوله على حد سواء، وهو شامل من حيث أن معظم النشاطات البشرية تساهم في المشكلة، وسوف تتأثر أيضًا بتأثيراتها. وانبعاثات غازات الدفيئة هي مثال كلاسيكي على ما يسميه الاقتصاديون "مظهرًا خارجيًا": التكاليف يشعر بها الجميع حول العالم، وليس فقط الأفراد أو البلدان المسئولة عن الانبعاثات، والضرر المرتبط بتغير المناخ لا يوزع تناسبًا وفقًا للانبعاثات، إذ إن العبء يتقاسمه أيضًا أولئك الذين يساهمون فيه بمقدار أقل، وكمشكلة إضافية، فإن الأضرار الأكثر خطرًا لن تلحق بأجيال الحاضر وإنما بأجيال المستقبل، الذين ليس لديهم صوت قوي على طاولة المفاوضات. وأخيرًا، هناك الجانب المؤقت للمشكلة، فتكاليف تخفيف تغير المناخ، والتكيف معه سوف يتم تكبدها على الفور، بينما الفوائد ستكون في شكل أضرار مستقبلية يتم العمل لتفاديها، وهذه يصعب تحديد مقدارها، وبكلمات أخرى، يجد السياسيون أن من الصعب تبرير التكاليف الفورية للحصول على فوائد مستقبلية. لكن النتائج الاقتصادية للتقاعس ضخمة، إذ يقدر أن مقابل كل ارتفاع في معدل درجات الحرارة العالية مقداره درجة مئوية واحدة، ينخفض النمو الاقتصادي بما بين 2 و 3 في المئة. ويقدر الاستطلاع الاقتصادي والاجتماعي العالمي الذي أصدرته الأممالمتحدة سنة 2009، تكاليف التخفيف والتكيف بواحد في المئة من الناتج الإجمالي العالمي (WGP) وهذه نسبة صغيرة بالمقارنة مع تكاليف وأخطار تأثيرات غير المناخ. "وإذا لم يتخذ إجراء أو تأخر من خلال الاستمرار في سيناريو التجاهل الحالي، أو حصل تغيير هامشي فقط، فإن الخسارة الدائمة للناتج الإجمالي العالمي المتوقع يمكن أن ترتفع كثيرًا لتبلغ 20 في المئة". هذه الأرقام سوف تقزم خسائر الانهيار الاقتصادي خلال عامي 2008 و 2009م، والمعضلة هي أن الشعور بتأثيرات تغير المناخ سوف يكون أكثر حدة في البلدان النامية، التي تمتلك القدرة الأقل على التغلب على المشاكل والتكيف معها، تكنولوجيًا وماليًا. وهذا يجعل نقل التكنولوجيا وتخصيص البرامج المالية الملائمة ضروريين لأي اتفاقية عالمية، أو إجراء فعال للتعامل مع تغير المناخ. السؤال لم يعد ما إذا كان تغير المناخ يحدث أم لا، السؤال الآن هو كيف سيدي تغير المناخ نفسه للعيان إقليميًا ومحليًا، وما الذي يمكن فعله بشأنه، بالنسبة إلى الحكومات، القضية الرئيسية هي موازنة النمو الاقتصادي على المدى القريب مع التنمية المستدامة على المدى البعيد. وهناك عامل معقد هو الشك العلمي المحيط بتغير المناخ: التأثيرات الصحيحة لتغير المناخ، ومواقعها لا يمكن التكهن بها بدقة مثالية، كما لا يمكن التكهن تمامًا وبدقة بما يسمى "حدود الخطر"، أي الحدود التي يتعذر بعدها وقف التغيرات المناخية. لكن تقرير "أفد" هذا يرى أن تحدي تغير المناخ يجب معالجته كأي قرار آخر يتخذ في مواجهة الشك: إدارة مخاطر أو نظام تأمين، وباستخدام مبدأ التأمين، ما دامت هناك أرجحية كافية لحدوث ضرر جوهري، نتخذ إجراء وقائيًا مدروسًا تكون تكاليفه مبررة تمامًا، والمطلوب هو تقييم صادق لمستوى التأمين الذي يعتبر ضروريًا للوقاية مع مقدار مقبول من الشك ضد تأثيرات تغير المناخ، والشك ليس عذرًا للتقاعس ويجب ألا يكون كذلك. وكما ذكر سابقًا، تتطلب محاربة تغير المناخ بفعالية جهدًا عالميًا جماعيًا وتقسيم المسئوليات "مسئوليات مشتركة لكن متفاوتة"، بحسب اتفاقية الأممالمتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (UNFCCC) يصطدم بقضايا العدالة، كيف يجب توزيع المسئوليات المختلفة بإنصاف؟ من دون الإجابة عن هذا السؤال بشكل ملائم، فإن أي اتفاقية تتعلق بتغير المناخ لن تكون مقبولة ولا مستدامة، وفي الوقت ذاتهن فإن أي اتفاقية مقبولة ومستدامة تتعلق بتغير المناخ يجب أن تكون فعالة أيضًا، ويجب أن تكون مقبولة من الجميع ومحترمة من الجميع وطموحة بشكل واف ومرنة بما يكفي للتكيف مع المعلومة العلمية والتكنولوجية المتغيرة. وفيما يؤيد هذا التقرير وجهة النظر القائلة بأن البلدان المتقدمة يجب أن تكون في طليعة الجهد العالمي المتعلق بتغير المناخ، يجب على البلدان النامية أيضًا أن تؤدي دورها، وفضلاً عن ذلك، وفيما لجميع البلدان حق مشروع في التنمية الاقتصادية، فهذا يجب ألا يتعارض بالضرورة مع استراتيجيات خفض الانبعاثات، وبمساعدة البلدان المتقدمة، يجب على البلدان النامية أن تكون قادرة على خفض كثافة انبعاثاتها الكربونية لوضعها على مسار يفضي إلى تنمية مستدامة، وهذا يجب تحقيقه من خلال آليات فعالة لتحولات واستثمارات تكنولوجية ومالية، في اتفاقية ملزمة قانونيًا. استباقًا للمفاوضات التي ستجري في كوبنهاجن، من الواضح أن البلدان النامية مترددة في التقيد بأي التزامات تضع قيودًا جوهرية على نموها الاقتصادي، وهي تشير إلى مسئولياتها ذات الأولوية المتعلقة بتوفير فرص عمل ومستويات معيشة أفضل لشعوبها. وفي الوقت ذاته، لن تقبل البلدان المتقدمة، وعلى الخصوص الولاياتالمتحدة، اتفاقية تتعلق بتغير المناخ يسمح فيها لمطلقي الانبعاثات الكبار بين البلدان النامية بالاستمرار في التنمية القائمة على التجاهل، يجب أن يكون هناك أخذ وعطاء بين المجموعتين المتقدمة والنامية. منذ "مؤتمر الأطراف" الناجح في بالي في ديسمبر 2007، تحقق تقدم قليل في المفاوضات المتعلقة باتفاقية لما بعد 2012 حول تغير المناخ، وتدعو خطة العمل/ خريطة الطريق الصادرة في بالي على هدف بعيد المدى لخفض الانبعاثات العالمية وتنفيذ إجراءات تخفيفية من قبل البلدان المتقدمة والبلدان النامية، وإضافة إلى التخفيف، فهي تشمل أيضًا التكيف وتنمية الغابات، والتعاون التكنولوجي والتمويل، ومع الاقتراب السريع لمؤتمر كوبنهاجن توقفت المفاوضات، وكان هناك اتفاق محدود أولاً اتفاق على الإطلاق بشأن هذه القضايا. الخلاف ليس فقط بين البلدان المتقدمة، والبلدان النامية، بل أيضًا بين البلدان المتقدمة نفسها، فقمتا مجموعة الثماني(G8) في عامي 2008 و2009 وافقتا على خفض انبعاثات غازات الدفيئة العالمية بنسبة 50 في المئة بحلول سنة 2050، وعلى الحد من ارتفاع درجات الحرارة في أنحاء العالم بما لا يتعدى درجتين مئويتين، والبلدان النامية لا تريد أن تدعم هدفًا عالميًا خوفًا من أن تطالب بقبول أهداف متوسطة تؤدي إلى الهدف الخاص بسنة 2050. إلى ذلك، هناك خلاف بين البلدان المتقدمة حول تقاسيم عبء خفض الانبعاثات على المدى القريب، فالاتحاد الأوروبي قادر على الالتزام بخفض نسبته 20 في المئة بحلول سنة 2020، عن مستويات عام 1990م، ويمكنه الذهاب إلى 30 في المئة إذا تقيد الآخرون بالالتزام ذاته، وعلى نحو مماثل، سوف تخفض اليابان انبعاثاتها بنسبة 25 في المئة، بحلول سنة 2020 عن مستويات عام 1990. ومن جهة أخرى، سوف يؤدي التشريع الأمريكي، إذا أصبح قانونًا، إلى خفض الانبعاثات بنسبة 17 في المئة بحلول سنة 2020 عن مستويات عام 2005. كثيرون أملوا أن يستطيع قادة العالم، الذين اجتمعوا في نيويورك في 22 سبتمبر 2009، في إطار قمة عالمية حول تغير المناخ، دفع الأمور إلى الأمام، كما فعلوا عام 2007، قبل اتفاقية بالي، لكن هذه الآمال تبخرت. وفي خطاب إثر خطاب، تحدث رؤساء الدول ورؤساء الوزارات عن أهمية وإلحاح مجابهة تغير المناخ، لكنهم أحجموا عن تقديم تفاصيل لما هم مستعدون للقيام به في مؤتمر كوبنهاجن وما بعده. وفيما يعتقد البعض أن التوصل إلى اتفاقية قوية ما زال ممكنًا، بدأ آخرون يتحدثون عن "إعلان سياسي" بدلاً من اتفاق تام، هذا الإعلان سوف يثني على الإجراءات التي تتخذها البلدان أو تخطط لاتخاذها بما يخدم مصالحها (مثل كفاءة الطاقة والطاقة المتجددة)، فيما تستمر المفاوضات. المساهمة الضئيلة للإقليم العربي في تغير المناخ من خلال انبعاثات غازات الدفيئة المحدودة الصادرة عنه، وهي أقل من 5 في المئة من الرقم العالمي، تقزمها ضخامة تعرض الإقليم لتأثيرات تغير المناخ، والبلدان العربية لها مصلحة خاصة في الدفع بقوة للوصول إلى اتفاقية قوية تشمل تشكيلة من التدابير الصارمة لتخفيف تغير المناخ، والتكيف معه، والأهم من ذلك ضمان مساعدة مالية وتقنية للذين يحتاجونها لتحقيق أهدافهم. والحكومات العربية، كدلالة على رغبتها بالمشاركة في الجهود العالمية للحد من تغير المناخ، يمكنها التشديد على تطوير تكنولوجيات الطاقة النظيفة، خصوصًا في ضوء وفرة موارد الطاقة المتجددة المتاحة في العالم العربي، وبالتحديد طاقة الشمس والرياح والمياه. وأخيرًا. . فيما تتطلع البلدان العربية إلى مفاوضات كوبنهاجن في ديسمبر 2009، من المجدي أن تبذل جهدها لصياغة موقف موحد حول القضايا الرئيسية التي على المحك. جهود تخفيف تغير المناخ على البلدان العربية، رغم أنها لا تسام بشكل رئيسي في انبعاثات غازات الدفيئة في الغلاف الجوي، أن تباشر جهودًا تخفيفية كجزء من جهد عالمي. ويظهر استعراض للتقارير الوطنية العربية المرفوعة على اتفاقية الأممالمتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ والمشاريع والمبادرات الحالية أن كثيرًا من البلدان العربية تنفذ في الواقع مجموعة من السياسات والتدابير الصديقة للمناخ، تشمل إجراءات لخفض انبعاثات غازات الدفيئة التي هي من صنع البشر، فضلاً عن إجراءات لتعزيز "خزانات الكربون" خصوصًا الغابات. ومن الأمثلة المحددة في العالم العربي استخدامات طاقة الرياح على المستوى التجاري في مصر، واستعمال الطاقة الشمسية على نطاق واسع لتسخين المياه في فلسطين، وتونس، والمغرب، واعتماد الغاز الطبيعي المضغوط كوقود لوسائل النقل في مصر، وأول مشاريع الطاقة الشمسية المركزة في مصر، وتونس، والمغرب، والجزائر، وأول مجلسين عربيين للأبنية الخضراء في الإمارات ومصر، وبرنامج التخريج الضخم في الإمارات، والمدينة الأولى الخالية تمامًا من الكربون (مصدر) في أبو ظبي، والمشروع الرائد لاحتجاز الكربون وتخزينه في الجزائر، واعتماد إعفاءات من الرسوم والضرائب في الأردن لتشجيع استعمال السيارات الهجينة (هايبريد). لكن غالبية هذه المبادرات مجزأة، ولا يبدو أنها تنفذ كجزء من إطار سياسي شامل على المستوى الوطني، ناهيك عن المستوى الإقليمي، وفي تطور واعد بشكل خاص، اختارت الوكالة الدولية للطاقة المتجددة(IRENA) التي تم تأسيسها حديثًا، مدينة مصدر في أبو ظبي مقرًا لها، ولا تنحصر أهمية هذا الخيار في انعكاسه على العالم النامي برمته، بل يؤمل أن يفضي أيضًا إلى أبحاث جوهرية واستثمارات في الطاقة المتجددة في الإقليم العربي. ويمكن أيضًا تحسين التعاون بين البلدان العربية، وذلك، على سبيل المثال، في مجالات كفاءة الطاقة والطاقة المتجددة، واستعمال الغاز الطبيعي المضغوط كوقود لوسائل النقل، والاستثمار في احتجاز الكربون وتخزينه. ونظرًا لأهمية صناعة الوقود الأحفوري في الإقليم العربي، فإن للبلدان العربي مصلحة خاصة في المساعدة على تطوير تكنولوجيا احتجاز الكربون وتخزينه للمساعدة في مقايضة الانبعاثات نتيجة استعمال الوقود الأحفوري. وفي النهاية إذا كان ممكنًا جعل هذه التكنولوجيا قابلة للاستمرار بالشكل الكافي، فهي ستكون جزءًا مهمًا من استراتيجيات الحد من تغير المناخ العالمي. وبما أن الوقود الأحفوري سوف يبقى جزءًا مهمًا من مزيج الطاقة في أي سيناريو مستقبلي، فإن احتجاز الكربون وتخزينه هو مجال مهم يجب على العلماء العرب العمل عليه، كما يجب تكريس الموارد لدعم تطويره. نظرة الجمهور إلى تغير المناخ أجرى المنتدى العربي للبيئة والتنمية استطلاعًا لاستكشاف درجة الوعي بتغير المناخ لدى الجمهور العربي، وقدرته على فهم الحاجة إلى اتخاذ إجراءات، ورغبته في المساهمة في تدابير تخفيف تغير المناخ والتكيف معه. وقد أظهرت نتائج الاستطلاع تزايدًا في الوعي، إذ تبين أن 98 في المئة يعتقدون أن المناخ يتغير، ويعتبر 89 في المئة أن ذلك ناتج من نشاطات بشرية ويرى 51 في المئة أن الحكومات لا تفعل ما يكفي للتصدي للمشكلة، بينما يعتبر 84 في المئة أن تغير المناخ يشكل تحديًا خطيرًا لبلدانهم. ويعتبر أكثر من 94 في المئة أن بلدانهم سوف تستفيد من المشاركة في جهد عالمي للتعامل مع تغير المناخ، بينما تعهد 93 في المئة بالمشاركة في عمل شخصي لخفض مساهمتهم في المشكلة. ولدى الطلب من المشاركين أن يختاروا القطاعات التي سيكون لتغير المناخ تأثير كبير عليها في بلدانهم، تبين أن أحدًا منهم لم يقل إنه لن يكون هناك تأثير البتة. وأعطت الغالبية على المستوى الإقليمي أولوية للصحة، ومياه الشرب، وإنتاج الغذاء، تلتها المناطق الساحلية. وطلب أيضًا من الذين شملهم الاستطلاع أن يختاروا الإجراءات الثلاثة الأكثر أهمية لتخفيف أسباب تغير المناخ، والتكيف مع تأثيراته، وكان تغير الأنماط الاستهلاكية، وفي الدرجة الأولى خفض استعمال الطاقة، الإجراء الرئيسي الذي تم اختياره، تلاه التعليم والوعي، وأتت المصادقة على المعاهدات الدولية وتنفيذها في المرتبة الثالثة. المشاركون في استطلاع "أفد" أبدوا رغبة واضحة بأن تشارك حكوماتهم وتتعاون استباقيًا للتوصل إلى حل لمشكلة تغير المناخ، ويبدو أن الجمهور العربي مستعد لقبول جهد وطني وإقليمي ملموس للتعامل مع تغير المناخ، ولكي يكون جزءًا منه. أما المواقف المشككة التي سادت لدى بعض المجموعات حول حقائق تغير المناخ وأسبابه، سواء التي تنكرها بالكامل أو تحصرها بأسباب طبيعية، فهي تتراجع، وتظهر نتائج الاستطلاع بوضوح أن تقاعس الحكومات لم يعد خيارًا. تغير المناخ في العالم العربي. . التأثر والتكيف المناطق الساحلية المناطق الساحلية في الإقليم العربي ذات أهمية بالغة، ويبلغ الطول الإجمالي للسواحل العربية 34 ألف كيلو متر، منها 18 ألف كيلو متر مسكونة، كما أن أغلبية المدن الكبرى والنشاط الاقتصادي في الإقليم هي في المناطق الساحلية، وتقع الأراضي الزراعية الخصبة الفسيحة في مناطق ساحلية منخفضة مثل دلتا النيل، كما تعتمد النشاطات السياحية الشائعة على أصول بحرية وساحلية مثل الشعاب المرجانية والأنواع الحيوانية المرتبطة بها. البلدان العربية كل على حدة سوف تتأثر بشكل متفاوت في ظل توقعات متنوعة لارتفاع مستويات البحار المتعلق بتغير المناخ، وتعتبر قطر والإمارات، والكويت، وتونس الأكثر تعرضًا من حيث كتلتها البرية: سوف يتأثر واحد إلى ثلاثة في المئة من أراضي هذه البلدان، بارتفاع مستوى البحار مترًا واحدًا، ومن هذه البلدان، تعتبر قطر الأكثر تعرضًا إلى حد بعيد: ففي ظل توقعات مختلفة لارتفاع مستويات البحار، يرتفع الرقم من قرابة 3 في المئة من الأراضي (متر واحد) إلى 8 في المئة (3 أمتار)، وحتى إلى أكثر من 13 في المئة (5 أمتار). وبالنسبة إلى تأثير ارتفاع البحار، فإن اقتصاد مصر هو الأكثر تعرضًا إلى حد بعيد، مقابل ارتفاع مستويات البحار مترًا واحدًا، يكون أكثر من 6 في المئة من ناتج مصر المحلي الإجمالي في خطر، وهذه النسبة ترتفع إلى أكثر من 12 في المئة مقابل ارتفاع مستويات البحار 3 أمتار، وقطر، وتونس، والإمارات، معرضة أيضًا، إذ إن أكثر من 2 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي لكل منها هو في خطر مقابل ارتفاع مستويات البحار مترًا واحدًا، وهذه النسبة ترتفع إلى ما بين 5. 3 في المئة مقابل ارتفاع مستويات البحار 3 أمتار. وفيما يتعلق بالقطاع الزراعي، سوف تكون مصر الأكثر تأثرًا بارتفاع مستويات البحار، فأكثر من 12 في المئة من أفضل الأراضي الزراعية في دلتا النيل هي في خطر من ارتفاع مستويات البحار مترًا واحدًا، وتزداد هذه النسبة دراماتيكيًا إلى 25 في المئة (مقابل ارتفاع مستويات البحار 3 أمتار)، وحتى إلى 35 في المئة تقريبًا (في أقصى سيناريو لارتفاع مستويات البحار البالغ 5 أمتار). صحة البشر بدأ العلماء يدركون بشكل متزايد أن تغير المناخ يشكل عامل خطر ناشئًا على صحة البشر، وستكون لعدد من تأثيراته المتوقعة تداعيات سلبية على الصحة، والتأثيرات الصحية قد تكون مباشرة، كما في الأحداث المناخية المتطرفة، كالعواصف، والفيضانات، وموجات الحر، أو غير مباشرة كالتغيرات في نطاقات ناقلات الأمراض (مثل البعوض) ومسببات الأمراض التي تنقلها المياه ونوعية المياه ونوعية الهواء، وتوافر الغذاء ونوعيته، وعلاوة على ذلك، ستكون التأثيرات الصحية الفعلية مختلفة باختلاف البلدان العربية، وذلك وفقًا للأوضاع البيئية المحلية والظروف الاجتماعية والاقتصادية، ومدى الإجراءات الاجتماعية والمؤسساتية، والتكنولوجية والسلوكية المتخذة. وقد أظهرت الأبحاث المحدودة التي أجريت في البلدان العربية أن تغير المناخ يؤدي دورًا مهمًا في تفشى الأمراض المعدية التي تحملها الناقلات، مثل الملاريا والبلهارسيا (مصر، المغرب، السودان)، وهو يؤثر أيضًا على التركيزات الموسمية لبعض المواد المثيرة للحساسية في الغلاف الجوي، ما يسبب ردود فعل مثيرة للحساسية وأمراضًا رئوية (لبنان، السعودية، الإمارات)، ويفاقم تأثير موجات الحر على صحة الجمهور، خصوصًا في البلدان العربية التي تعاني من مناخات صيفية حارة. ومن المتوقع أن تصبح موجات الحر أكثر شدة وأكثر تكرارًا وأطول مدة نتيجة تغير المناخ، وقد تناول عدد من الدراسات في الإقليم معدلات الوفيات المرتبطة بالحر، ووجدت بشكل متناغم علاقة جوهرية بين درجة الحرارة ومعدل الوفيات. وقد تمت على نطاق واسع دراسة العلاقة بين الأمراض المعدية التي تقتل عالميًا ما بين 14 و17 مليون فرد كل سنة والأوضاع المناخية، فالملاريا، التي تصيب نحو 3 ملايين فرد في الإقليم العربي كل سنة، قد تصبح أكثر انتشارًا؛ لأن ارتفاع درجات الحرارة يخفض مدة احتضان المرض ويمدد مجال البعوض الناقل للملاريا ويزيد تكاثره. هناك عدد من تأثيرات تغير المناخ التي تمت مناقشتها بشكل غير مباشر في أجزاء مختلفة من هذا التقرير، قد يكون لها أيضًا تشعبات صحية، فعلى سبيل المثال قد يؤثر ارتفاع مستويات البحار والفيضانات الساحلية على الأمن الغذائي ويؤدي إلى سوء تغذية ومجاعة، وقد يفاقم انخفاض المتساقطات وارتفاع درجات الحرارة شح المياه، ما يزيد تأثيره السلبي على صحة البشر، من الضروري إذًا أن تكون النظم الصحية في العالم العربي متكيفة ومستعدة للاستجابة لعواقب تغير المناخ. المياه العذبة المياه شحيحة في أنحاء الإقليم، حيث الموارد المائية المتاحة أدنى من 1000 متر مكعب للفرد سنويًا في جميع البلدان العربية باستثناء العراق، ولبنان، وسوريا، وعلى رغم أن الإقليم العربي يحتل 10 في المئة من الكوكب، فهو يحوي أقل من 1 في المئة من موارد المياه العذبة في العالم. والتأثيرات المتوقعة لتغير المناخ في الإقليم العربي، خصوصًا ازدياد درجات الحرارة وانخفاض المتساقطات المعرضة لمزيد من الاضطراب، من شأنها أن تفاقم حالة التأثر الحرجة أصلاً، وتلقي حتى بمزيد من الضغط على موارد المياه العذبة المحدودة. إن كمية الموارد المائية العذبة ونوعيتها في خطر، وارتفاع معدلات النمو السكاني في الإقليم وارتفاع معدل الاستهلاك الفردي للمياه العذبة يجعلان المشكلة مزمنة ويفاقمان تأثيرها، إذا إن نحو 80 في المئة من الموارد المائية العذبة مكرسة للزراعة. ومن المتوقع أن يؤثر تغير المناخ على تدفق الأنهار، ما قد يسبب نواقص مائية (في حال انخفض هطول الأمطار)، أو فيضانات (في حال حدوث ازدياد دوري في هطول الأمطار)، والأنظمة المائية في البلدان النهرية سوف تؤثر أيضًا على البلدان العربية التي تعتمد على أنهار تنبع من تلك البلدان، مثل العراق، وسوريا، ومصر، والسودان. وتشمل تدابير التكيف التي أوصى بها تقرير "أفد" تغيير الأنماط الزراعية، وتبني تقنيات الاقتصاد بالمياه، واعتماد إدارة متكاملة للموارد المائية، وتطوير أنواع جديدة من المحاصيل تكون أكثر تكيفًا مع ارتفاع درجات الحرارة وملوحة التربة، وأخيرًا. . على البلدان العربية أن تعيد النظر في توزيع المياه على نشاطات إنمائية مختلفة بناء على كفاءة استعمال المياه، ممثلة بالإنتاج لكل متر مكعب من المياه، بدلاً من الإنتاج لكل وحدة مساحة من الأرض، أي الارتقاء باستعمال المياه خصوصًا في الزراعة، الذي يعطي حدًا أقصى من العائد الاقتصادي لكل وحدة حجم من المياه. إنتاج الغذاء الأمن الغذائي في العالم العربي كان منذ وقت طويل خاضعًا لضغوط بيئية واقتصادية واجتماعية، وحالات الجفاف السائدة، والموارد المائية المحدودة، والأنماط الزراعية المضطربة، والعري المفرط، والنمو السكاني، وانخفاض مستويات المعرفة والتكنولوجيا، تؤثر جميعًا على نظم إنتاج الغذاء في الإقليم. النظام الزراعي السائد في معظم البلدان العربية هو الزراعة البعلية المعتمدة على هطول الأمطار، لذلك فإن الإنتاجية الزراية السنوية، والأمن الغذائي يرتبطان إلى حد بعيد بالتقلبات السنوية للمتساقطات، وتغير المناخ قد يزيد تقلبات هطول الأمطار وبذلك يزيد حالات حدوث جفاف. وقد يكون للتغيرات المناخية المتوقعة آثار كارثية على الإنتاج الزراعي في العالم العربي، وكما أظهر عدد من الدراسات، فإن ازدياد درجة الحرارة يسبب ارتفاعًا كبيرًا في كميات المياه اللازمة للمحاصيل الصيفية، ومن المتوقع أن يزداد شح المياه في الإقليم العربي، ولذلك فإن الزراعة معرضة بدرجة كبيرة لتأثيرات تغير المناخ، مع خطر انخفاض إنتاج الغذاء 50 في المئة إذا