رغم تصاعد نداءات الاستغاثة من حناجر مواطني غزة في جميع الاتجاهات لإنقاذهم من الموت بسبب الحصار المشدد الذي تفرضه قوات الاحتلال الصهيوني على القطاع منذ وصول حركة حماس للسلطة، إلا أن نداءاتهم ذهبت أدراج الرياح ولم تصل حتى إلىأقرب الدول والتي علت بعض الأصوات بداخلها في يوم ما الأيام بشعارات "الحفاظ على الأمن القومي والحدود والسيادة" ضد الفلسطينيين العزل الذين يبحثون عما يسد رمقهم. اعتاد العرب الوقوف بجانب الشعب الفلسطيني منذ عشرات السنين بالمشاعر الجياشة والعواطف الساخنة وقد تترجم هذه العواطف والمشاعر إلى خطابات بليغة وأغاني حماسية إلا أنهم يجدون صعوبة بالغة في ترجمتها إلى أفعال حقيقية، المدهش أن الأفعال الحقيقية جاءت من مواطنين أوروبيين وبعض المواطنين الفلسطينيين الذين يعيشون في أوروبا حيث قرروا إرسال سفينتين محملتين بالغذاء والدواء لكسر الحصار المفروض على غزة. الموقف الصهيوني عندما تم الإعلان عن الإعداد لإبحار السفينتين، استقبل الاحتلال الصهيوني المبادرة بشيء من الفتور، إلا أنه عند اتخاذ الخطوات الفعلية للإبحار انطلقت التهديدات الصهيونية باستخدام القوة؛ لمنع السفينتين اللتين أبحرتا من قبرص وترفعان العالم اليوناني وعلى متنهما 46 ناشطاً، بينهم بريطانيون، في مقدمتهم شقيقة زوجة رئيس الوزراء البريطاني السابق، توني بلير، وقال مسئول صهيوني: إن وصول السفينتين إلى سواحل غزة سيشكل سابقة خطيرة، على حد زعمه. وعندما اقتربت السفينتان من غزة قام الاحتلال الصهيوني بالتشويش على أجهزة الاتصالات فيهما في محاولة لمنعهما من بلوغ غزة إلا أنه في النهاية انصاع لعزيمة راكبي السفينتين وسمح لهما بالرسو بميناء غزة وأرجع ذلك إلى "إفشال مخطط القائمين على السفينتين من استغلال الموقف إعلاميا"، ولم ينس الاحتلال أن يذكر أنه تأكد من أن "محتويات السفينتين غير ضارة"! لقد أرسل المتضامنون الدوليون رسالة قوية للاحتلال وتمكنوا من فضحه وكشف عواره أمام العالم، وأكدوا بإصرارهم على مواصلة الإبحار رغم التهديدات على ضعف ما يسمى ب "المجتمع الدولي" و"الهيئات الأممية" و"المنظمات المدنية" وقلة حيلتها. الموقف العربي عند وصول السفينتين إلى غزة لم يكتف المتضامنون بهذه الخطوة الجريئة التي كسرت الحصار المفروض من العام الماضي على أكثر من مليون ونصف المليون مواطن مات منهم بسبب الحصار ما يقرب من مائتين وأربعين نفسا بريئة، بل تعهدوا بمواصلة دعم الفلسطينيين. إن الكثير من مواطني البلاد العربية والإسلامية يريدون دعم الفلسطينيين ويمكنهم تجهيز المئات من السفن وإرسالها إلى غزة، إلا أن السلطات في هذه البلاد ما زالت تصر على أن هذه الإجراءات فيها مخالفة للمعاهدات الدولية والثنائية؛ فأي معاهدات دولية أو ثنائية هذه التي تبيح قتل الأبرياء بلا ذنب؟ وهل احترام المعاهدات أولى من صيانة النفس التي حرم الله قتلها إلا بالحق؟ لقد شن العالم الغربي حملة شعواء وجنّد فيها الكثير من الدول العربية والإسلامية وقام بسن العديد من القوانين والمعاهدات المليئة بانتهاك أبسط المبادئ الإنسانية بحجة مكافحة "الإرهاب" وحماية مواطنيه من القتل جراء أعمال العنف؛ فماذا يمكن أن نسمي أفعال الاحتلال في الأراضي الفلسطينية؟ تكيل الحكومات الغربية بمكيالين عند تعاملها مع المسلمين؛ فماذا عن الحكومات العربية وظلم أولي القربى؟ لقد ظهرت المرارة في تصريحات مسئولي حماس عند وصول السفينتين إلى غزة، فقد قال سامي أبوزهري، الناطق باسم حركة حماس: إن الخطوة "تمثّل إحراجًا للموقف العربي الذي كان يجدر به فتح معبر رفح الذي يسيطر عليه"، وصرح مسئول آخر بأنه كان يتمنى لو أبحرت السفينتان من موانئ عربية، داعيا الدول العربية والإسلامية إلى اتخاذ موقف حاسم من الحصار. . . . فهل تستجيب؟