نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" الاميركية مقالا اليوم لمراسلها انطوني شديد بعث به من الدوحة، تناول فيه الدور الذي تقوم به دولة قطر حاليا في السياسة العربية، ومدى تناسب هذا الدور مع الدولة الصغيرة في الخليج، وما يحمل ذلك من تأييد او انتقاد. وفي ما يلي نص المقال: بالقياس الى ولاية كونيكتيكت الاميركية فان قطر أصغر حجما، ويبلغ عدد سكانها 225 ألفا، وعلى سبيل المقارنة ايضا فانهم لا يملآون اكبر ضواحي مدينة القاهرة المصرية. غير انه بالنسبة لدولة تجلب احجاما متساوية من الاستغراب والاعجاب، فانها يمكن ان توصف حتى الان ضمن الثورات العربية: انها كانت حاسمة في عزل الرئيس السوري وساعدت على الاطاحة بالزعيم الليبي وعرضت ان تكون الوسيط في اليمن واعتبرت اهم الشخصيات التونسية صديقا لها. ظهرت هذه الدولة فوق امتداد رملي داخل الخليج العربي باعتبارها اكثر الدولة العربية ديناميكية في دوامة الشغب التي تحيط باعادة تنظيم المنطقة. وتبقى نواياها محيرة بالنسبة لجيرانها بل حتى ولحلفائها – والى حد ما يمكن القول ان لدى قطر عقدة نابوليون، بينما يقول اخرون ان لديها أجندة اسلامية. غير ان نفوذها يظل درسا لما يمكن اكتسابه ببعض اكبر احتياطات الغاز في العالم، واشد شبكة اخبار تلفزيونية "الجزيرة" نفوذا في المنطقة، وبمجموعة من الاتصالات (كثير منها اسلامي النزعة) وتشكيل السياسة في ايدي الحاكم الامير الشيخ حمد بن خليفه آل ثاني. اكتسبت قطر مكانة حيوية في العالم العربي حيث تسببت الثورة بقلق السلطات التقليدية المتحجرة بقيادات شاخت او التي لا تزال تترنح بسبب الحرب الاهلية، وحيث ينظر الى الولاياتالمتحدة انها دولة في طريق الانهيار. وقالت بسمه القضماني، من قيادة المعارضة السورية التي اعربت عن التقدير للقطريين بسبب الدور الرئيس الذي قاموا به في صدور قرار الجامعة العربية المذهل السبت لتعليق نشاط سوريا داخل الجامعة وعزل حكومة على محور العلاقات الاقليمية. "انهم يملأون فراغا ودورا لم تقم به دول اخرى". لقد لعبت قطر، وهي بين فكي اكبر متنافسين في المنطقة المملكة العربية السعودية وايران، دورا اكبر من حيث الحجم في الخليج. وهي تستضيف قاعدة جوية اميركية واسعة، الا ان بعض المسؤولين الاميركيين تنتابهم الشكوك بسبب الدعم اخيرا للقادة الاسلاميين، خاصة في الحرب الليبية. وقد وصفها المسؤولون السوريون الذي شعروا بالغضب لدورها في توجيه التصويت داخل الجامعة العربية، بانها عميلة للمصالح الاميركية والاسرائيلية. واعلنت سوريا امس الاثنين انها ستقاطع الالعاب العربية التي ستقام الشهر المقبل في الدوحة. الا انه رغم كل التناقضات في سياساتها – وهناك الكثير منها – فان قطر تقف الى جانب الانتقال الحاسم في السياسات العربية وهو ما لم يلق القبول بعد من الكثيرين في الغرب: شرق اوسط تسيطر عليه احزب اسلامية رئيسة تتولى السلطة في منطقة اكثر ديمقراطية، واكثر محافظة واكثر صخبا. يقول طلال العتريسي، وهو محلل ومعلق سياسي لبناني، ان "قطر دولة بلا ايديولوجية. انهم يدركون ان الاسلاميين هم القوة الجديدة في العالم العربي. وهذا التحالف سيضع الاساس لقاعدة النفوذ في انحاء المنطقة". اما عبد الرحمن شلقم، سفير ليبيا لدى الاممالمتحدة، فقال بحدة في لقاء مع القناة العربية لمحطة أقمار صناعية المانية "من هي قطر؟". كان المسؤولون السوريون قد اعربوا عن ذلك السؤال حينما كانت الازمة تزداد عمقا بين الدولتين الشقيقتين. وتمتد المشاعر الشخصية عميقا في السياسة القطرية، كما هو الحال مع ليبيا حث قضت زوجة الامير الشيخه موزه سنوات من طفولتها. لقد بذلت تلك الدولة جهودا كوسيطة مع سوريا، واستثمرت بقوة في اقتصاد سعى الرئيس بشار الاسد الى تحديثه. الا ان الدبلوماسيين والمحللين يقولون ان الشيخ حمد شعر بالاستياء من الاسد في نيسان (ابريل) بعد انطلاق الانتفاضة السورية مباشرة. وينظر البعض الى سياسة قطر في سوريا عبر منظار طائفية، حيث انها تدعم الثورة الاسلامية السنية، كما انها ساندت التدخل السعودي في البحرين للقضاء على الاحتجاجات الشيعية، بينما يراها اخرون اكثر ميلا الى الانتهازية، بحيث انها تسمح لقطر ان تسلك طريقا لاعادة تنظيم الشرق الاوسط الذي غالبا ما لعبت فيه سوريا دورا يهدف الى ابعاد الدول المنافسة – تركيا، ايران، اسرائيل، السعودية وعملاء في لبنان. وقال سلمان الشيخ، مدير مركز بروكينغز الدوحة في قطر، ان "سوريا نقطة محورية رئيسة في الشرق الاوسط. ويمكن ان تكون سوريا هدفا مغريا جدا لاطراف خارجية لعدم الانخراط في الوضع، وانا على ثقة بان قطر ستندفع فيه". غير ان المطامح تسيطر على الدوحة، واقتصاد قطر يحمل مؤشرات في التفوق: حيث هنا اعلى نسبة نمو في العالم واعلى دخل للفرد. وقد سعى أميرها الى تسوية ما يمكن ان يعتبر غير قابل للتسوية. ويصفها يوسف القرضاوي، وهو شخصية إسلامية مصرية بارزة بأنها وطنه، وكذلك فعل علي الصلابي، وهو إسلامي ليبي ذو نفوذ. ولخالد مشعل، زعيم حركة "حماس" إقامة هنا، وتروج شائعات بأن حركة طالبان الأفغانية ربما تفتح لها مكتبا. وتوجد أيضا مدارس وشركات أميركية، اتخذت لها مقرات في أحدث المجمعات هنا. وقال حامد الأنصاري، وهو محرر صحافي، عن النمط القطري في ما يشبه المزاح: "أحضرهم إلى هنا، وأعطهم المال، وسيكون ذلك فعالا". وأثبت المال فعاليته أثناء الدور القطري في ليبيا. ويقول الدبلوماسيون إن مئات الملايين من الدولارات تم تحويلها إلى المعارضة، وكثيرا ما حولت من خلال قنوات استخدمتها قطر مع المغتربين الليبيين، وخصوصا الصلابي ورئيس المجلس العسكري في طرابلس عبد الحكيم بلحاج، الذي كان يقود التمرد الإسلاي في ليبيا ذات يوم. وأقيمت قناة للمعارضة الليبية في الدوحة. كما ارسلت قطر مستشارين تدربوا في الغرب، ساعدوا على تمويل وتدريب وتسليح الثوار الليبيين. لكن تفضيل قطر الظاهر للإسلاميين أثار غضب الشخصيات الأكثر علمانية. وينفي المسؤولون القطريون هذه الاتهامات، لكن غيرهم يلمحون إلى ان الشيخ حمد الذي أطاح بوالده العام 1995، يميل للشخصيات الإسلامية التي تردد صدى وجهة النظر الخليجية أكثر مما تروق هذه الشخصيات لقادة علمانيين مثل رئيس سوريا بشار الاسد. وقال الانصاري: "من الناحية التاريخية، يعتبر التعامل مع هؤلاء الناس أفضل من التعامل مع القذافي أو الأسد. ونعتقد ان الدين مهم، وهم يعتقدون ذلك أيضا". وثبت أن المحافظة على قنوات مع قوى متنوعة هو حجر الزاوية في سياسة قطر. وهي تستضيف قاعدتين اميركيتين، فيهما 13 ألف عنصر، ورحب لبنان بالأمير كبطل من جانب مؤيدي "حزب الله" العام الماضي لأنه ساعد في إعادة إعمار البلدات التي دمرتها اسرائيل عام 2006. وعلى العكس من السعودية والإمارات، تتمتع قطر بروابط وثيقة مع الإخوان المسلمين بفروعها المختلفة في ليبيا وسوريا ومصر، ومع شخصيات مثل رشيد الغنوشي، الإسلامي التونسي، وكلهم من المؤكد تقريبا أنهم سيلعبون دورا حاسما في الجيل المقبل من السياسات العربية. ولكن يوجد فيه ايضا ما يمكن وصفه بأنه المعادل القطري للقوة الناعمة: وهو تأثير قناة "الجزيرة"، التي أنشأها الأمير ويقوم بتمويلها، وتعكس أكثر فاكثر السياسة القطرية الخارجية، والعلاقات مع القرضاوي الذي له شبكته الخاصة من الإسلاميين النافذين في المنطقة، وبراعة الأمير الخاصة في إشراك قطر بالصراعات الممتدة حتى أفغانستان وإقليم دارفور في السودان. ومؤخرا ترك المدير العام ل"الجزيرة"، وضاح خنفر، منصبه وهو ما اعتبره بعض الصحافيين جزءا من تصميم قطر على إرضاء دول مثل السعودية والأردن، وكلاهما غضبت من أسلوب "الجزيرة" الإخباري. وتدعي برقيات موقع "ويكيليكس" من العام 2009 أن قطر عرضت تغطية "الجزيرة" كورقة مساومة. وقال صحافي كبير هناك إنه "مع أنه لم تصدر اي أوامر، فقد تغيرت تغطية الجزيرة للأحداث في سوريا بشكل لافت في شهر نيسان (أبريل)". واضاف الصحافي: "استطعنا الشعور بالتغيير في أجواء التغطية".