ما أن صدر الإعلان الدستوري من السلطة الجديدة في مصر حتى كانت المفاجأة هو تسارع رفض القوى التي أسهمت في إسقاط الرئيس مرسي، أو أعطت الغطاء الشعبي مثل حملة «تمرد» وجبهة «الإنقاذ» وآخرين وهم يعترضون على الإعلان، وبدا الكثير منهم مذهولاً وفي حرج شديد من هذا الإعلان الدستوري؛ لأنه وجّه إليهم صفعة مبكرة أكثر من المتوقع؛ فهم لم يُستشاروا، ووجدا كمن يقول لهم: «انتهى دوركم يا شطار..!!» وثانياً أن الإعلان الدستوري جاء مؤسساً لمرحلة من تكميم الأفواه وتقييد الحريات وتكنيس الديمقراطية بصورة أظهرت كيف كان الإخواني (محمد مرسي) حريصاً على الحريات والديمقراطية ولكن بصورة لم ترضِ الآخرين أو قل بعيداً عن التوافق الثوري الذي ضاع من الجميع تقريباً. ستبدو مقولة: (أكلت يوم أكل الثور الأبيض) واقعاً في مصر بين قوى الثورة التي صفّقت لتقييد الحريات وإغلاق القنوات وحبس الناس دون سند قانوني. هنا نقف أمام خاصية عربية وطبع هابط مازال يصاحب العرب ويجعلهم في دوامة مستمرة من التخلف وتمكين الاستبداد، وهو ضياع معيار الدفاع عن حقوق الإنسان والحريات السياسية. الأصل أن هذه الحقوق هي حقوق مجرّدة منعها من طرف هو اعتداء على الجميع، وبغض النظر عن الخلاف والاختلاف وحتى الكراهية فإن واجب الجميع هو الدفاع عن هذه الحقوق عندما تُنتهك ضد أي طرف ولو كان خصماً، ونحن نسمع مقولة جميلة مثل: «أختلف معك لكنني مستعد أن أدفع دمي في سبيل أن تمارس حقك» أين هذه المقولة الإنسانية الراقية من موقف كثير من اللبراليين ودعاة الديمقراطية والحداثة من المجزرة التي تعرّض لها المعتصمون السلميون في القاهرة الذين ذُبحوا كا النعاج؟!. لم يتحدّث أحد، والداهية الدهماء أن بعضهم ذهب يبرّر للجريمة ويسوق تعليلات قناة «العربية» التي يخاصمها يومياً قبل الاتفاق على دماء المصريين نكاية بمن يختلف معهم بالرأي. ولو استعرضنا تاريخ الاستبداد وأسباب الضعف الشعبي والتشرذم سنجده بسبب لعب قوى الاستبداد على هذه التناقضات القائمة على الخصومة والفجور التي تضحّي بالقيم والحقوق والحريات العامة من أجل الانتقام من المختلف معه. إن ما نراه اليوم في مصر وردود فعل البعض المتسم بالتشفّي ومساندة الانتهاكات؛ تجربة سيئة توضح أن العرب لم يغادروا مربع الانتقامات والتعصب والتضحية بالسفينة وإغراقها على الجميع نكاية ببعضهم وبصورة متوالية كلما ضُرب طرف جاء دور طرف آخر لينتقم مردّداً: «ما يموت العرب إلا متوافيين» ليقضي الجميع حياتهم ونضالهم؛ ليس بتطوير تجربه الحريات والحفاظ على كرامة الإنسان وتطوره وإنما لتنفيذ انتقامات تضرُّ الوطن وحقوق الإنسان وكرامة المواطن. إنها الهمجية العربية التي لم تغادر مربع التخلف والأنانية السوداء. [email protected]