قبل عامين من الآن، وتحديدا في مثل هذا اليوم "الأحد 18 – 9 -2011م" شهدت العاصمة صنعاء مجازر وحشية ضد شباب الثورة على مدى (3) أيام متتاليه ، قبل أن تتطور المجازر إلى اعتداءات عنيفة لقوات النظام السابق, على قوات الفرقة الأولى مدرع المنضمة للثورة, وامتدت حينها المواجهات من شارع الزبيري وسط العاصمة إلى حي القاع، وجزء كبير من ساحة التغيير, سقط خلالها أكثر من 150 شهيداً ومئات الجرحى والمصابين، ناهيك عن ضحايا عمليات القنص التي كانت تطال شباب الثورة بين كل فترة وأخرى, من مختلف الأحياء والمواقع التي كانت تتمركز فيها قوات النظام السابق. تبدأ حكاية المجزرة - التي وصفت بأنها من أشد المجازر دموية التي شهدتها الثورة الشبابية السلمية في اليمن بعد مجزرة جمعة الكرامة التي كانت اللحظة الفارقة في تحول مسار الثورة من الشبابية الى الشعبية , ولا زالت صدى ذكراها حاضرة في عقول الملايين من أبناء الشعب اليمني حتى اليوم - إثر انطلاق مسيرة جماهيرية حاشدة يوم الأحد 18-9-2011م أعلنت عنها اللجنة التنظيمية للثورة الشبابية الشعبية السلمية تنفيذا لبرنامج التصعيد الثوري الذي أعلن عنه الشباب في مختلف ساحات الحرية وميادين التغيير، وكانت هناك مسيرتان في نفس اليوم الأحد عصراً؛ الأولى باتجاه كنتاكي مروراً بسيتي مارت والثانية من شارع الزراعة مروراً بالقاع، ومن ثم شارع الزبيري, وانطلقت المسيرة الأولى من شارع الزراعة بساحة التغيير بصنعاء إلى جولة الكهرباء، حيث وقعت المجزرة في وسط القاع وراح ضحيتها 29 شهيداً وعشرات الجرحى، واستخدمت فيها مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة من قبل قوات الأمن وبلاطجة النظام، كما أصيب فيها عدد من نشطاء الثورة من ضمنهم الدكتور محمد الظاهري أستاذ العلوم السياسية جامعة صنعاء و عضو المجلس الوطني لقوى الثورة, والأستاذ أحمد القميري عضو الهيئة العليا للتجمع اليمني للإصلاح. واصل شباب الثورة زحفهم إلى جولة كنتاكي، وتمكنوا من نصب خيامهم في المنطقة التي كانت حينها تعتبر خطاً أحمر لدى نظام المخلوع صالح، وفي صباح اليوم التالي خرجت مسيرة الاثنين 19-9-2011 إلى جولة كنتاكي ، مرة أخرى، وارتكبت قوات نظام الرئيس المخلوع مجزرة أخرى راح ضحيتها 25 شهيداً وعشرات الجرحى , ولم توقف المجازر المروعة شباب الثورة عن محاولتهم الحثيثة للتقدم بعيداً عن جولة كنتاكي والمضي قدماً، لكن عنف المواجهات العسكرية التي اندلعت حينئذ حالت دون خروجها من مربع منطقة الدائري وساحة التغيير. ومع انتهاء اليومين التاليين- الثلاثاء والأربعاء 20 و21سبتمبر، كان عدد شهداء الثورة قد تجاوز المائة شهيد، إضافة إلى مئات الجرحى. ثوار يتذكرون المأساة.. واطفال تحت وقع الرصاص الطفل أسامة عبدالرحمن الوافي "من أبناء محافظة تعز جبل حبشي أحد جرحى جولة كنتاكي في يوم الاثنين 19/9/2011م, رغم صغر سنه إلا أنه قدم لليمن ما عجز عن تقديمه الكثير من السياسيين والنخب التي تدعي قدرتها على التغيير, فيما هي لا تزال تجيد فن التنظير ليس إلا, خرج مطالبا الحرية ومناشدا العدالة رافضا للظلم حد قوله، رغم أن مرارات المعاناة والظلم لم يكن قد تجرعها من النظام بعد!! نظرا لصغر سنه الذي لم يتجاوز ال 14 عاما. اصبع يده الصغيرة "الخنصر" مبتورة, نتيجة إصابته بتلك الشظايا ولا يستطيع أن يكتب بها بعد أن بترت بفعل تلك الشظايا , وإصبعه "البنصر" تم عمل زراعة عظم لها في مستشفى جامعة العلوم , كما كانت نتيجة تلك الاصابة تهشم عظم مرفق الساعد الايمن مع جزء من المفصل , وتم إجراء له عملية زراعة عظم له في الاردن على حسابه الخاص , يحمل في قلبة كثيرا من الآمال والتفاؤل لا يعرف اليأس الى قلبة سبيلا , ودعناه وهو يقول "لا يهمني أي شيء ....المهم هو ان تحقق الثورة أهدافها". يشتاق أسامه لمدرسته معاذ ابن جبل في شارع الرقاص بالعاصمة صنعاء التي تركها للعام الثاني على التوالي , يشتاق للعودة إلى فناء مدرسته واللعب مع زملائه وأصدقائه بعد أن حُرم منها بفعل شظايا مضاد طيران سكنت جسده البريء الطاهر في حي القاع, ولا تزال (4) من هذه الشظايا مستقرة في الحجاب الحاجز كما تفيد التقارير الطبية ذلك. الوركي.. جريح في الشيخوخة الجريح "عبدالناصر سعد مقبل الوركي" رغم كبر سنه إلا أنه شاب في حيوته ونشاطه وحماسة الثوري الذي لم ولن ينقطع رغم إصابته في أحداث جولة كنتاكي الدامية , والتي أدت إلى فقدانه لواحدة من حبيبتيه "عينيه" ليثبت لكل ثائر أن المقصود بالشباب هو النشاط والقوة والحيوية وليس من بلغ سنا أو عمرا معين كما قد يظن البعض. الوالد الوركي أحد أبناء محافظة عمران مديرية عيال سريح عزلة الورك أحد جرحى جولة كنتاكي في يوم الأحد 9 شوال 1432ه الموافق 18 /9 2011م , أصيب بطلقة ناريه في عينه اليمنى أدت الى تمزق العروق في الجهة اليمنى للرأس مما أدى إلى شلل وفقدان النظر التام بها, وصعوبة كذلك في السمع في الأذن اليمين حتى أصبح لا يسمع إلا بصعوبة بالغة خاصة في أذنه اليمنى كما يقول , تلقى العلاج في مستشفى جامعة العلوم والتكنولوجيا, مكث هناك قرابة شهرين, حتى تماثل للشفاء وأصبح فقط يرى بالعين اليسار, لا شيء يواسي آلمه كما يقول سوى أن يرى أهداف الثورة تتحقق كاملة غير قابلة للتجزئة أو التقصيد المريح كما تسير علية اليوم. إعاقة ووضع مأساوي الجريح "محمد المالكي" ليس هناك أصعب في حياة المرء من تحوله إلى شخص عاجز لا يقدر على توفير لقمة العيش لنفسه وأولاده, بعد أن كان شابا لا يحتاج الى دعم أو مساندة لأحد, كون العجز عن توفير لقمة العيش للأبناء إصابة نفسية أشد من الاصابة أو الاعاقة الجسدية التي قد يصاب بها المرء في أي مرحلة من مراحل حياته, كما هو حال كثير من الجرحى الذين لا يزالون يتقلبون على سرير الألم, وتصطلي في نفوسهم آهات الحرمان والحسرة.. محمد المالكي يختزل لنا هذا المشهد المأساوي الذي لا نستطيع البوح به من خلال مجموعة أسطر أو مدادا حبر من قلم قد يجف قبل أن نبدأ بتصوير هذا المشهد المأساوي الذي يعد نموذجا لحال كثير من الأسر التي أصبحت تتجرع كثر من المعاناة بسبب الاعاقة والعجز الذي حصل لعائلها الكبير الذي تحول من شخص يعطي الأخرين الى شخص ينتظر مساعدة الأخرين. المالكي محمد من أبناء محافظة اب مديرية السياني في عنفوان شبابة أعطاه الله بسطة في الجسم وقدرة على تحصيل الرزق الحلال لأولاده البالغ عددهم (8) أولاد, كان يعمل في مزرعة للقات كان قد أستأجرها قبل حوالي 3 أعوام في مدينة البرح محافظة الحديدة, كانت توفر له مصدر دخل لا بأس به, جعلته يعيش مرتاحا مطمئنا مع أولاده, ولكن مع انطلاق الثورة وانعدام مادة الديزل لم يستطيع مواصلة عملة في مزرعة القات في مدينة البرح التي كانت تمثل مصدر الدخل الوحيد له ولأسرته عندها غادر الى العاصمة صنعاء, وهناك عمل مقوت في حي القاع, ومع انشغاله بعملة إلا أن الثورة لم ينساها فكان يشارك الثوار في مسيراتهم التي كانوا يطوفون فيها شوارع العاصمة. وفي يوم الأحد 18/9/2011م خرج مع زملائه للمشاركة في المسيرة السلمية التي دعا اليها شباب الثورة, خرج كما يقول وهو حامل كفنة بيديه, عازم في خلجات نفسة أنه لن يعود في ذلك اليوم, كونه كان يشعر أن شيئا ما يخفيه البلاطجة للثوار الذين أعلنوا في تلك المسيرة التصعيد الثوري, وعندما وصل مع الثوار الى جولة النصر (كنتاكي) كان على موعد حينها مع طلقة استقرت في ساق قدمه, والتي كان من آثارها فقدان 10سم من عظم الساق كما يقول الأطباء, حتى أصبحت قدمه معطلة لا يقدر العمل ولا السير عليها. ابرز المعاناة هي فقدانه لرجلة, كونها أصبحت غير قادرة على العمل ولا يقدر أن يتحرك إلا بعكازته, يريد كما يقول علاج لرجله ولا أريد غيرها أي شيء, ناهيك عن معاناته النفسية والاجتماعية التي يعاني منها جراء الاصابة, التي جعلته لا يستطيع توفير لقمة العيش لأبنائه, إضافة إلى عجزة عن توفير ايجار البيت الذي كان قد أستأجره في صنعاء ثم غادر بعد شهرين ليسكن في مدينة القاعدة بعد ان عجز عن دفع الايجار كما يقول. محمد عاد الى مصر من رحلته العلاجية التي غادرها في 26يناير 2011م ضمن الدفعة الأولى من جرحى الثورة الذين غادرو الى القاهرة للعلاج على نفقة الدولة والذين تم تسفيرهم عن طريق مؤسسة وفا لرعاية أسر الشهداء والجرحى. النهاري.. شاهد على هول الجريمة الجريح محمد قاسم النهاري.. يروي قصته، يقول: بعد أن أعلنت اللجنة التنظيمية عن خروج مسيرة يوم الأحد 18/ 9 / 2011 م وأعلنت أنها بداية التصعيد الثوري، كنا نعرف كلنا أنها ستكون مسيرة غير عادية وتصعيداً ثورياً جديداً لابد من دفع الثمن الغالي للحرية، وكانت هناك مسيرتان في نفس اليوم الأحد عصراً؛ الأولى باتجاه كنتاكي مروراً بسيتي مارت والثانية من شارع الزراعة مروراً بالقاع، ومن ثم شارع الزبيري وكنت أنا في المسيرة الثانة. ويضيف: كنت في مقر وكالة يمان الإخبارية نرفع الأخبار للأنترنت فطلب مني الشباب الجلوس معهم ومتابعة الأخبار وإنزالها، لكني صممت على الذهاب إلى المسيرة مع علمي ما سيحصل فيها، وقلت لهم خلاص سآتي لكم بالأخبار أولاً بأول. في بداية المسيرة في شارع الزراعة رأى محمد جنود اللواء الرابع التابع لمحمد خليل المنشق عن الفرقة الأولى مدرع، وهم يصوبون السلاح باتجاه المتظاهرين وأصابعهم على الزناد. تقدم العقيد ناصر العمري، الذي كان من أوائل المنظمين إلى الثورة، وطلب من أحد أفراد اللواء الرابع أن يؤم�'ن سلاحه، أي يغلق الأمان، ويبعد أصابعه من على الزناد "لأننا أخوة وما خرجنا إلا من أجلكم ومن أجل أبنائنا". ويضيف محمد: "لكن أفراد اللواء الرابع ثاروا في وجهه وكانت ستبدأ المجزرة من تلك اللحظة فتقدمت إلى العقيد ناصر العمري وأرجعته وأدخلناه وسط المسيرة، ولما وصلنا إلى منطقة القاع بجانب جامعة صنعاء القديمة ونحن في منتصف سور صنعاء القديمة، كان الأمن المركزي بمصفحاته وجنوده والحرس الجمهوري وأنصارهم من البلاطجة بجانب مؤسسة الكهرباء، متمركزين في نفس الجولة، وبدأوا بإطلاق مياه المجاري وقنابل الغاز وإطلاق الرصاص بشكل كثيف على المتظاهرين". ويتابع: "تدافع الناس للخلف وتزاحموا بسبب أن الشارع ضيق والمسيرة كبيرة، ووقفت بجانب سور جامعة صنعاء أحمي نفسي من الغاز ومن الزحام حتى تراجع الناس وبقيت في المقدمة، وعندها وقفت مع مجموعة من الشباب لا نمتلك في أيدينا شيئاً سوى ما وجدنا من الحجارة والزجاجات الحارقة أمام زخات الرصاص من كل اتجاه. رأيت بعيني جنودا من الأمن المركزي ومسلحين بملابس مدنية وهم يطلقون الرصاص علينا بتصويب دقيق وليس عشوائيا، بينما كان البعض يطلق علينا الرصاص عشوائياً، واستمرينا في مقاومتهم حتى تراجعوا إلى الحارة المؤدية للمستشفى الجمهوري". يقول محمد فيما يشبه الشهادة على الأحداث أيضاً: "رأيت أشخاصاً بزي مدني من داخل مؤسسة الكهرباء يطلقون النار علينا، وكنا لا نستطيع أن نسعف الجرحى ولا ادري بمن أبدأ بالإسعاف وبعد دقائق جاءت مجموعة ما بين الخمسين إلى المائة من الأمن المركزي من جهة القاع شارع التوفيق باتجاهنا، لكن الشباب حاولوا إرجاعهم بالحجارة وسقط من الشباب جرحى وشهداء. كانت مواجهة كر وفر بيننا، هم بأسلحتهم ونحن بحجارتنا. بعدها رأيت جنديا فوق الطقم يطلق النار من الرشاش. كان يطلق النار بكثافة على الأرض بعدها الرصاص تنطلق مع الشظايا باتجاه المتظاهرين "يعني تتحول الرصاصة إلى عشر رصاصات مع الشظايا" وكانت أعداد الجرحى تتزايد، ولا نعرف بمن نبدأ، فكرت أن أتقدم إلى جانب الحديقة الصغيرة وأحاول التلويح للجندي الذي فوق الطقم بأن يوقف إطلاق النار كوننا سلميين، وفعلا تقدمت وسط زخات الرصاص وبدأت بالتلويح له بأننا سلميون وفتحت له الجاكت الذي كنت ألبسه في إشارة أنه لا يوجد لدينا أي شيء ما عدا صدورنا العارية، حتى وقع نظري على نظره ورآني ورأيته وربما أستطيع أن أعرفه الآن. كنت أظنه من البشر سيستجيب لتوسلاتي بأن يوقف إطلاق الرصاص، لكنه حول الرشاش باتجاهي عامداً وأطلق عدة رصاصات على الأرض بجانبي فأصابت أحد الإخوة بجانبي ورأيته وضع يده على مقدمة رأسه والدم يسيل بكل غزارة. حاولت الإمساك به لكنني أصبت بطلقتين من الرشاش سقطت على الأرض وارتدت علي�' فدخلت فخذي الأيمن وهشمت العظم تماماً فسقطت أرضاً وأنا غير مصدق بأنني مصاب. حينها تم إسعافي، ثم تم نقلي من مستشفى إلى مستشفى، ومن دولة إلى أخرى للعلاج وأجريت لي حوالي 9 عمليات منها زراعة عظام، والآن سأغادر إلى مصر مرة أخرى للعلاج". جريمة منحوتة على الأجساد الجريح "مالك محمد علي ثابت البعداني" من محافظة إب، يبلغ من العمر 39 سنة، متزوج ولديه4 بنات. كان يعمل مدير مبيعات في إحدى الشركات بمحافظة ذمار وكان غالباً ما يتردد على الساحة. في يوم 18 -9 -2011 كان في منطقة معبر بذمار وعندما سمع عن مجزرة القاع ندم كثيراً لعدم التحاقه بها، وفي نفس الليلة رجع إلى منزله القريب من جولة كنتاكي، ليخرج في اليوم الثاني 19سبتمبر 3 مرات إلى الساحة، وفي الرابعة أصابته رصاصة دخلت من الكتف الأيسر لتخترق القفص الصدري وبالقرب من القلب وتستقر في العمود الفقري. أدخل على إثرها العناية المركزة، وسببت له الإصابة تهشماً في الفقرة الثالثة من العمود الفقري، ومشاكل صحية في الرئة فأصيب بشلل نصفي رغم إجراء عملية في الأردن. مالك البعداني غادر الى مصر للعلاج ضمن الدفعة الاولى من جرحى الثورة الذين تم تسفيرهم عبر مؤسسة وفا لرعاية أسر الشهداء والجرحى والذي أحب من خلال هذه الذكرى أن يبعث بكل عبارات الشكر والتقدير للمؤسسة التي أضحت الجهة الوحيدة التي تخفف من معاناتهم وتقف معهم في كل وقت وحين.