ارتفعت أسعار بعض السلع والخدمات خلال الأسبوعين الماضيين مثل البيض والعدس وبعض أنواع الأرز، وهناك منتجات غذائية اختفت خلال الأسبوع الماضي من الأسواق وكان الحصول عليها بصعوبة مثل الزبادي والحقين، لأسباب غير معروفة، وهو الأمر الذي أثار مخاوف المواطنين من ارتفاع أسعار السلع والمنتجات الأخرى بشكل تدريجي وفي ظل غياب تام للأجهزة الرقابية المعنية بالتزامن مع ما تشهده البلد من أحداث أمنية وسياسية. منذ أسابيع وأسعار الخضروات والفواكه في ارتفاع مستمر، حيث وصل سعر الكيلو الطماط إلى 600 ريال فيما وصل سعر الكيلو البطاط إلى 300 ريال والكيلو الموز إلى 200ريال والبامية إلى 500 ريال وغيرها من المنتجات. ومثل هذا الارتفاع لم يأت بالصدفة بل نتيجة الانفلات الأمني والمواجهات المسلحة التي وقفت حجرة عثرة أمام المزارعين في انتاج وتوصيل المنتجات الزراعية إلى الأسواق، وبالتالي فأن فارق السعر وضعف الدخل اليومي بمثابة كابوس يؤرق الكثير من المواطنين خاصة ذوي الدخل المحدود. معظم ملاك المحلات التجارية والبسطات والباعة المتجولين يشكون ضعف الحركة الشرائية وتكدس المنتجات خاصة التكميلية بنسب متفاوتة. ففي الوقت الذي يرى البعض أن المواجهات المسلحة الأخيرة هي السبب، يرى آخرون أن الفساد واستنزاف أموال الشعب وارتفاع المشتقات النفطية هو من أوصل البلد إلى هذ الوضع الاقتصادي الهزيل. ما يزيد الطين بله هو أن تزايد التقطعات في الطرق الطويلة لقاطرات نقل المشتقات النفطية والبضائع من عدن والحديدة إلى المدن الأخرى، ويتضرر الجميع من هذه الأعمال، القطاع التجاري والمجتمع. تأخر وصول البضائع يخلق حالة من الهلع والقلق لدى المواطنين. تدهور مستمر رسميا أكد وزير التجارة والصناعة في حكومة تسيير الأعمال سعد الدين بن طالب أن الاقتصاد الوطني يسجل تدهوراً متواصلاً "نتيجة تصارع القوى على حكم صنعاء ومحاولة العودة إلى خطف البلاد مرة أخرى". منتقدا طريقة إدارة الاقتصاد في السنوات الماضية، مضيفا أن "اقتصادنا كان يُدار بطريقة متخلفة ولم نستطع التحول إلى اقتصاد منتج". الوزير بن طالب حذّر في تصريح لصحيفة "الحياة" من استمرار الفوضى الأمنية مؤكداً ضرورة الوصول سريعاً إلى حالة مستقرة تقبلها غالبية الناس. وقال: نحن نعيش اليوم في صراعات أمنية وحربية وتيارات حزبية، بقوة السلاح وهو أمر غير جيد للحياة الاقتصادية". الآثار الاقتصادية السلبية لتلك المواجهات والحروب لا تقتصر على شريحة اجتماعية معينة، فالجميع يتجرع تبعاتها ابتداء من البساطين والباعة المتجولين وأصحاب المحلات التجارية التي أغلقت أو نهبت أو دمرت وصولا إلى ملاك المباني وسائقي الأجرة، إضافة إلى أن ما يتم استنزافه من أموال من خزينة الدولة على تلك المواجهات هي في الأول والأخير من أموال الشعب ويدفعها المواطن. فيما كان البعض يعلل تفاقم الأوضاع المعيشية والاقتصادية بقصور أداء الحكومة يرى البعض الآخر أن سبب التدهور الاقتصادي حاليا يعود إلى غياب أجهزة الدولة بشكل شبه كامل واحلال الجماعات المسلحة بدلا منها، وبالتالي فأن الانفلات الأمني ليس إلا نتيجة طبيعة لتلك الأوضاع القاتمة. تزايد شريحة الفقراء فاتورة الأزمات السياسية والأمنية يدفعها المواطن من قوته، تعمل انعكاساتها السلبية على إضافة أعدادا كبيرة من العاطلين وتزايد شريحة الفقراء وانعدام الطبقة المتوسطة في المجتمع. الشرائح الفقيرة هي التي تكتوي بنيران الأزمات من خلال تزايد معاناتها المعيشية وتحملها الارتفاعات السعرية والتكاليف المعيشية الباهظة، لتزداد بالتالي فقرا. في المقابل تستفيد من الأزمات الشرائح الغنية من خلال استثمار ثرواتها لتوفير الاحتياجات الضرورية للشرائح الاجتماعية الفقيرة بتكلفة عالية، وبالتالي تزداد ثراء وغناء. الأسبوع الماضي شدّدت «مجموعة العمل الاقتصادية» المنبثقة من «مجموعة أصدقاء اليمن» التي يرأسها البنك الدولي، على أن التنفيذ الكامل للإصلاحات الاقتصادية أصبح حتمياً نظراً إلى اتّساع عجز الموازنة وتدهور الوضع المالي. أوضح «التقرير الربعي لمجموعة العمل الاقتصادية» المقدّم للجنة التيسير في مجموعة أصدقاء اليمن، أن إجراء الإصلاحات ذات الأولوية سيكون له أثر على الشرائح الفقيرة والأكثر فقراً في المجتمع على المستويين القصير والمتوسّط الأجل، لافتاً إلى أن «هذه الإصلاحات ترتبط بأخطار ومضاعفات يجب أن تتنبّه لها الحكومة وتتطلّب جهداً مشتركاً منها ومن المانحين للتغلّب عليها». مشيرا إلى أن الوضع الإنساني يزداد سوءاً بسبب الزيادة في أسعار الوقود، وإلى حاجة ملحة لمعالجة الحاجات الإنسانية في اليمن التي بلغت كلفتها خلال العام الحالي 592 مليون دولار، لمواجهة الحاجات الإنسانية ل 7.6 مليون شخص في توفير المتطلّبات الأساسية من الغذاء ومقومات التغذية الأساسية والصحة والمياه وخدمات الصرف الصحي وخدمات الحماية الأخرى. تشير الإحصاءات الرسمية إلى ارتفاع معدلات الفقر والبطالة في اليمن إذ يعيش ثلث السكان البالغ عددهم 25 مليون نسمة، على أقل من دولارين في اليوم وتقدر البطالة بنحو 35%، في حين تصل هذه النسبة بين الشباب إلى 60%. منسق الشؤون الإنسانية وممثل المفوضية العليا لشؤون اللاجئين في اليمن جوهانس فان دير كلاو، قال إن أكثر من نصف اليمنيين بحاجة إلى المساعدات الإنسانية. انخفاض الاحتياطي الخميس الماضي، قال صندوق النقد الدولي إن اليمن سيشهد زعزعة لاقتصاده إذا تأخر في تنفيذ إصلاحات اقتصادية. حذر الصندوق الذي يتوقع نمو اقتصاد اليمن بنسبة 5.1% في 2014، و4.4% في 2015-من أنه في حال تأخر تنفيذ الإصلاحات فإن ذلك سيزعزع الاقتصاد في الأجل القصير، وسيضر بالنمو في الأجل المتوسط، وأيضا بالتزام اليمن بأهداف الحد من معدلات الفقر. قال تقرير للصندوق إن غياب الإصلاحات سيفاقم عجز موازنة اليمن إلى 9% في العام الجاري، وسيهبط بالاحتياطي من النقد الأجنبي إلى ما دون المستوى الذي يكفي لتمويل واردات ثلاثة أشهر. صندوق النقد الدولي وافق في يوليو الماضي على تقديم قرض بقيمة 553 مليون دولار لليمن على مدى الأعوام الثلاثة المقبل مقابل تعهده بتنفيذ إصلاحات اقتصادية شملت أيضا زيادة العائدات الضريبية، وإزالة قوائم العمال الوهميين من كشوف الرواتب الحكومية. ملامح أزمة اقتصادية يتوقع خبراء اقتصاديون أن تواجه اليمن خلال فترة قد لا تتجاوز شهرين أزمة اقتصادية قد تكون الأسوأ في تاريخ البلاد وقد تقضي بشكل كامل على الاقتصاد اليمني وتعيده إلى ما قبل خمسة عقود من اليوم. قد تبدأ ملامح الأزمة فور استنفاذ الحكومة اليمنية كافة احتياطاتها النقدية من العملة الصعبة التي تراجعت خلال السنوات القليلة الماضية. يرى الخبراء أن مثل تلك الأزمة من شأنها أن تدفع الدول المانحة لرفض تقديم أي مبالغ مالية للحكومة كانت قد وعدت بها بسبب الاضطرابات الأخيرة وسيطرت جماعة الحوثيين على العاصمة صنعاء، حيث سترفض هذه الدول تقديم أي معونات مالية لانعدام أي ضمانة حقيقية في أنها ستتوجه للحكومة وليس لأطراف أخرى.