يخوض الشعب السوري ثورة أسطورية لم يعرف العالم لها مثيلا، إنه ومنذ 15 شهرا يخرج إلى الشارع مع إدراك كل من يخرج أنه قد يكون قتيلا أو مختطفا معتقلا يمارس عليه التعذيب الرهيب أو جريحا قد لا يجد دواء بل قد يختطف من المشفى. يمارس نظام بشار حربا قذرة على الشعب بما فيها الاغتصاب للنساء والذي يمثل واحداً من أدوات الحرب القذرة لمحاولة كسر إرادة الخصم، ويستخدم سياسة الأرض المحروقة، ويعمل لإشعال حرب أهلية بين السكان. على الرغم من ذلك فإن الشعب لم يكف عن التظاهر والاحتجاجات والثورة، يسطر أروع الملاحم ويثبت للعالم أنه مهما كانت المؤامرة عليه ومهما كان التواطؤ على الشر ضده ومهما كان الثمن فإنه سيظل ثائرا. النظام الهمجي على الرغم من أن مقاومة الثورة الشعبية السلمية عملية عبثية، وغير مجدية إلا أن نظام بشار واجه الثورة المطالبة في البداية بإصلاح النظام بحرب شرسة شاملة، وكانت أولى خططه محاولة تجريد الثورة من سلميتها، فزعم منذ الأيام الأولى بوجود جماعات مسلحة بل صور التلفاز الرسمي مسلحين ثم حاول تجريد الثورة من شعبيتها بالزعم أنه له شعبية. إن النظام لا يحق له بأي حال ادعاء شعبية، إنه هنا يفقد شرعيته في مواجهة احتجاجات شعبية كونه يظهر الشعب منقسما بين من يسعى للتحرر من الفساد من الاستبداد والطغيان ونصرة نظام الطغيان والفساد، إنها شعبية زائفة مصطنعة من واجب النظام الإصغاء لمطالب الشعب أو فئات من الشعب، وإذا طولب بالرحيل فليرحل فلا يحق لنظام الدفاع عن الذات فمهامه حماية الأمن والسلم. لقد فشل النظام في إفقاد الثورة سلميتها وشعبيتها وهاهي في تأجج مستمر. الشيطان يعظ حين يخطب بشار يتقمص شخصية القائد الذي يختار كلماته بعناية، وتغليف خطابه بأحاديث عن الاستراتيجية والدولة. لكنه في نهاية المطاف يخلط خلطا شنيعا بين النظام والدولة ويتحدث عن الدولة ويقصد ذاته، الدولة تسامح، الدولة تصنع.. الخ!! لا يختلف بشار عن غيره من الأنظمة العربية إلا أنه أشدها قسوة، وأكثرها وقاحة. لقد عمل منذ البداية على تجريد الثورة من سلاحها المتمثل في سلميتها وحرص على عسكرتها أكثر من حرصه على تجريدها من شعبيتها وقد راهن على أن المذابح وممارسة التعذيب والقتل والحصار سترغم الشعب على الاستسلام، كما راهن ولا يزال على وجود من يبرر له ما يفعل والشماعة المفضوحة الجماعات المسلحة. لقد ثبت وفقا لما نقله ويكيليكس عن علي مملوك، رئيس مخابرات أنه قال للأمريكيين إن لنا علاقات منيحة بالقاعدة وإذا أردتم تقديم خدمات فنحن مستعدون وأطلق أبو مصعب السوري مخطط تفجيرات لندن، وخرج شاكر العيسي من عباءة النظام وشاكر العبسي صاحب جماعة «فتح الإسلام» لقتل الفلسطينيين في طرابلس لبنان. وأخيرا يستخدم بشار أحاديث نبوية ويحاول إلباس خطابه دينا لكنه في الواقع مفلس، إنه نظام ساقط لا محالة وكل ما يفعله هو قطع جميع خطوط الرجعة بحيث يغدو اجتثاثه هو السبيل الوحيد لبقاء سوريا. إيران، حزبها، روسيا، الصين.. حلف الإثم والعدوان إنه حلف معلن ويقف موقفا معاديا للشعب السوري وتماهي في النظام وهذا الحلف يتكون من إيران وحكومة المالكي في بغداد وحزب الله في لبنان وروسيا والصين، وهذه القوى يجمعها قواسم مشتركة من أهمها الوثنية السياسية والأصنام البشرية، فالصين نظام الحزب الواحد وروسيا نظام بوتين مدفيدف نظام الحزب الواحد فعليا والتعددي شكلا، أما إيران والعراق وحزب الله فإن تلك القوى يجمعها مع نظام الأسد الرابط العقائدي الطائفي من قوى شيعية على الرغم من أن الطائفة النصيرية المعروفة بالعلوية في سوريا مصنفة لدى الاثني عشرية والزيدية والسنة باعتبارها طائفة باطنية مارقة خارجة من الإسلام، مع ذلك فإن إيران الخمينية جمعت قوى الشيعة بما فيها الباطنية «المصنفة غير مسلمة» مثل النصيرية والإسماعيلية والقرامطة والبهرة ووحدتها سياسيا، وموقف الحوثية والزيدية في اليمن، هو ذاته الاتحاد مع الباطنية. وأما مواقف إيران وحزب الله والحوثيين وروسيا والصين فمعروفة. السعودية وجامعة سايكس بيكو لا توجد منظمة تسمى جامعة الدول، إلا جامعة الدول العربية، ذلك أن الدول بطبيعتها لا تجتمع، إنها تعبير عن تعدد مصالح وصراع إرادات، وليست مصادفة أن يكون اسمها جامعة الدول العربية، بل إنها مقصودة من المملكة المتحدة البريطانية صاحبة المشروع، وقد نجحت بهذه الجامعة في إضفاء الشرعية على خارطة سايكس بيكو التي قسمت المنطقة العربية، فقيام جامعة الدول العربية إقرار عربي بتعدد الدول في المنطقة العربية التي يفترض أن تكون دولة واحدة، وليس مصادفة أن يكون مؤتمرات وزراء الداخلية والاتفاقيات الأمنية هي السائدة وأن مجلس وزراء الدفاع العرب لم ينعقد يوما. الجامعة والثورة السورية أثارت الجامعة علامة استفهام كبرى بشأن المراقبين فقد بعثت خمسين مراقبا في حين أن سوريا بحاجة إلى آلاف وفي اختيار الدابي رئيسا للمراقبين: ما الجهة التي اقترحته، وكيف تم اختياره بعناية ليكون منحازا للنظام؟ وأظهرت الجامعة أمية سياسية ضاربة وجهالة بأبسط مقومات صنع واتخاذ القرار. إن القرار يعرف بأنه القدرة على التنفيذ بأعلى قدر من النجاح والتوفيق وأقل قدر من الأخطاء والسلبيات، فالمقدرة على التنفيذ هي أهم خصائص القرار. في مناسبتين تتخذ الجامعة قرارا بالذهاب إلى مجلس الأمن ثم تدخل في جولة مفاوضات مع روسيا، وذلك خطأ بل خطيئة، إن الأصل هو ضمان الموقف الروسي قبل الذهاب إلى المجلس، لقد تعطل القرار بفعل الفيتو، أي أن الإرادة الجماعية العربية لم تحترم من قبل روسيا والصين، وهكذا أفرغ القرار في المرة الثانية. السعودية والجامعة وروسيا لو كانت السعودية جادة فإنها تستطيع أن تبلور إرادة عربية جماعية تجبر روسيا والصين على تعديل سلوكهما وذلك بالقيام باتخاذ إجراءات وتدابير على النحو التالي: - شراء مواقف بعض الأنظمة العربية التي تحتاج إلى معونات والتي لديها تحفظ على تأييد الثورة السورية. - توجيه الدعوة لروسيا والصين للحضور في جامعة الدول العربية. - اتباع عملية تفاوض شاقة مع الحكومتين تقوم على المقايضة والمساومة على مصالحهما في المنطقة العربية وأن الحكومات العربية ستقوم بتخفيض مستوى العلاقات إلى حد القطيعة -إن لزم الأمر- وأن الأسواق العربية ستتوقف عن الاستيراد من البلدين، وغيرها ودفع روسيا والصين إلى حساب خسائرهما الآنية والمستقبلية في حالة إصرارهما على موقفهما. على العكس من ذلك فإن الجامعة وأداءها المتخلف قد أغرى روسيا والصين وبالطبع إيران وحزب الله على التمادي بمواقفهم. وذلك يمكن تفسيره على هذا النحو: إن المملكة العربية السعودية اكتفت بالتصعيد ضد النظام في سوريا على المستوى اللفظي خشية من تفاعل الرأي العام في المملكة، فالتصريحات لامتصاص ما قد يحدث من غضب عام. أن الملك عبدالله تجمعه صداقة خاصة مع أسرة الأسد وكان معروفا أن فهد له صداقة خاصة مع صدام حسين. أن المملكة تخشى من نجاح الثورة السورية وأن الثورة العربية الراهنة قد تنتقل بالضرورة إلى المملكة. أن عملية استدعاء السفراء الخليجيين إجراء وحيد للتعبير عن الاحتجاج على النظام القاتل للشعب وهو إجراء بسيط. تركيا وقطر تنفرد كل من تركيا وقطر بالتأييد الواضح للثورة السورية وبذل جهود لمساعدتها وما يتصل بتركيا فإنه يؤخذ على حكومة أردوغان أنها رفعت سقف التصريحات منذ البداية، وإنها لن تسمح بالمذابح وتكرار حماة غير أنها مع مضي الوقت أدركت أنها لا تستطيع العمل وحدها وأنها مرتبطة بعلاقات دولية، وأحلاف عسكرية، ومن ثم قدمت ما هو باستطاعتها والمتمثل في استضافة اللاجئين ومحاولة إمداد المحاصرين بالغذاء والدواء إضافة إلى استضافة قيادات عسكرية للجيش الحر. أما قطر فقد لعبت عبر الجامعة بما تستطيع وحاولت مساعدة المجلس الوطني، لكن يظل عمل شبكة الجزيرة هو الأكثر فاعلية أنها توثق لجرائم نظام بشار، ودخلت إلى الأرض السورية. الأردن والإمارات كان ملك الأردن قد طالب بشار بالتنحي لكنه صمت بعد ذلك، غير أنه لم يكتف بالصمت فقد قامت شرطته بترحيل لاجئين وإعادتهم إلى الأراضي السورية مع علم حكومته أنهم يساقون للقتل وكذلك فعلت الإمارات بترحيل سوريين بسطاء مؤيدين للثورة إلى سوريا، مع علمها بأن ذلك سوق لهم للجزار لذبحهم وهنا سجلت الحكومتان مشاركة مباشرة في الجرائم التي تستهدف الشعب السوري، إنها جرائم ضد الإنسانية. ويمكن تفسير موقف حكومة الأردن بأنه انسجاما مع الموقف «الإسرائيلي» أما الإمارات فإن آل نهيان، وآل مكتوم تربطهم علاقات وثيقة بعائلة الأسد، ويبدو أن أصولهم الطائفية واحدة. الإدارة الأمريكية والقوى الغربية سجلت الإدارة الأمريكية أرقاما قياسية في التصريحات والمواقف المتناقضة وكذلك شأن فرنسا وبريطانيا، إنها تصدر تصريحات تبدو فيها مؤيدة للثورة مناصرة لها وفي الوقت نفسه تصدر تصريحات تشجع النظام المستأسد على الشعب على التمادي في الحرب على الشعب. الصدمة أصيبت الإدارة الأمريكية بالصدمة من الثورة التونسية ومن الثورة المصرية وقد عبرت عن صدمتها علنا، حين وجه الرئيس الأمريكي اللوم إلى المخابرات المركزية CIA لأنها لم تتوقع الثورتين، وكان عنصر المفاجأة في الثورتين قد أربك القوى الغربية. امتصاص الصدمة الإدارة الأمريكية اضطرت لإدارة أزمة في التعامل مع الثورة المصرية، وقد قررت التجاوب مع الثورة بالضغط على مبارك بالرحيل، لكنها في المقابل وجدت فرصا لنقل السلطة إلى قيادة الجيش المصري ومن ثم العمل معها وعبرها لإرباك الثورة وعملية الانتقال وحتى لا تنجح الثورة نجاحا كاملا في اقتلاع النظام وإحلال نظام وطني محله. المجلس العسكري وحكومة الجنزوري واللجنة الانتخابية وأجهزة النظام الذي لا يزال قائما أشرف على عملية الانتخابات وأخيرا هذا الإرباك الواسع والصدمة الكبرى من نتائج الجولة الأولى للانتخابات. قوى الثورة لقد ساهمت قوى الثورة بنصيب وافر في إعاقة الثورة. وفي اليمن دخلت السفارة الأمريكية لاعباً رئيس وعملت على النظر إلى ما يعتبره مصالح أمريكية وتحولت المبادرة الخليجية «الأمريكية» إلى خلط أوراق وإلقاء ضباب كثيف تنعدم معه الرؤية وهاهي الحالة اليمنية لا تزال أسيرة لأحمد علي ويحيى محمد. العالم الظالم من طهران إلى واشنطن ومن موسكو إلى باريس ومن الرياض إلى لندن عالم متواطئ على الشر، إن القوى الغربية تريد إطالة أمد الحالة السورية، إنه عالم يجتهد في التلاعب بالألفاظ والمناورات الكلامية، ويشارك في شن حرب نفسية ضد الشعب السوري، مرة يتحدث عن نفاد الصبر ومطالبة بشار بترك السلطة، ومرة يحذر من حرب أهلية، ومرة يتحدث عن استخدام القوة، وأخرى يتحدث عن أنه لا يوجد أي حديث عن استخدام القوة، يلخص ذلك الرئيس الفرنسي الجديد حين يقول يجب استخدام القوة لكف النظام عن القتل لكن بقرار مجلس الأمن، وهو نقض الجملة الأولى بالأخيرة لأنه يعتمد على فيتو روسي صيني. الإدارة الأمريكية والقوى الغربية.. ما المفترض؟ إن الأصل والمفترض لو كانت الإدارة والقوى الغربية تريد إنهاء القتل في سوريا فإنها تستخدم تدابير منها: - التفاوض الجاد مع روسيا والصين ومساومتهما لتغيير مواقفهما ولديها أوراق ضغط. - لو افترضنا أنها فشلت في ذلك فإن بإمكانها الاتفاق في إطار شمال الأطلسي للقيام بعمليات جوية كما حدث في البوسنة، وكما حدث في صربيا بشأن كوسفو. - لكن في كل الأحوال تبدو الإدارة الأمريكية والقوى الغربية مشجعة لروسيا والصين، إنها تريح الغرب من الحرج، وتوفر للقوى الغربية الذرائع. ماذا يريدون؟ إنهم يخشون على أمن إسرائيل في تحرر الشعب السوري ولديهم قناعة قديمة تقول باستحالة استمرار دولة إسرائيل بجوار شعب أبي مثل الشعب السوري كما أن الغرب لم يغفر لشعب سوريا إجبار الاحتلال الفرنسي على الرحيل والتحرر منه في وقت قياسي، قرروا إرهاق الشعب لتركيعه بالانقلابات العسكرية المتتالية ثم بالتمكين للأقلية النصيرية التي ظنت أنها قد ركعت الشعب بالفعل. إنهم يريدون إطالة أمد الوضع الراهن حتى يزيد في المجازر، والدمار وتخريب النسيج المجتمعي السوري والتمكين للعداوة والبغضاء وإنهم يريدون أن يفرضوا شروطاً على الشعب السوري تتصل بإسرائيل وهم يدركون أن ذلك لن يكون إلا في الحالة التي تكون فيها سوريا مهددة بالانهيار. مبادرة عنان تدخل مبادرة عنان في إطار عملية إطالة أمد القتل للسوريين، لقد كان ممكنا تصديق أن المبادرة لإنهاء عملية القتل، لو كان هناك فترة زمنية محددة، إن البند الأول وقف النار وسحب الآليات العسكرية من المدن والأحياء والبلدات، وهذا البند لم ينفذ وذلك يعني سقوط المبادرة ثم إنها لم تتضمن أية إجراءات بديلة في حالة عدم التزام النظام غير أنها خلت من ذلك. الثورة والتنظيم يوجد إقرار على أن أداء المعارضة السورية والمجلس الوطني لم تصل بعد إلى مستوى الثورة، والشعب. صحيح أن هناك أزمة قيادة على مستوى الثورات العربية باستثناء تونس جزئيا على الأقل، وهذه الأزمة من نتائجها غياب الرؤية. إن المفترض في قيادة الثورة السورية: - تصنيف القضايا وفرزها إلى ما تقتضي الاتفاق ولا تحتمل الخلاف وأخرى هي تعبير عن التعدد والتنوع. على سبيل المثال فإن القضايا التي لا تحتمل الخلاف: - إسقاط النظام واستبداله. - المحافظة على وحدة الدولة. - المحافظة على الأمن والسلم والحيلولة دون الطائفية والفوضى والحرب الأهلية. - ذلك يتطلب توفر آلية سياسية وآلية عسكرية أمنية وإعلامية وعلاقات خارجية. - المفترض أن المجلس الوطني وظيفته نيابية ولكن أشبه ببرلمان، والمكتب التنفيذي أشبه بحكومة، وأن يكون الجيش الحر هو نواة للجيش، تكليف بعض العسكريين والأمنيين لإعداد خطط يستهدف إلى التحرير والمحافظة على الأمن في حالة سقوط النظام. إن قيادات الثورة بحاجة إلى مراجعة جادة، والارتفاع إلى مستوى شعبهم الثائر، والذي يمثل بثورته شرفا للبشرية كافة. وختاما.. * إن شعب سوريا جدير بالنصر، وإنه منتصر لا محالة، وإن بقاء النظام هو المحال. * إن الثورة السورية تنحت من النظام وتضعفه يوميا مهما بدا مكابرا، وفاقدا للشعور. * إن القوى التي تؤيد النظام هي في الواقع قوى معادية للأمة، ولا بد أن تدفع ثمن عداوتها مستقبلا طال الأمد أم قصر. * إن الذين يؤيدون نظام بشار من الأفراد داخل سوريا وخارجها يتجردون من الإنسانية وهم في الواقع أنصار الظلام أعداء الحياة، وهم يظلمون الشعب السوري ويشاركون نظام بشار في الإثم. * الاختباء خلف القضية الفلسطينية لم يعد مجديا، فالقضية الفلسطينية لا تتطلب إبادة الشعب في سوريا قرابين باسمها. * المظاهرات الأخيرة التي شملت معظم أحياء دمشق، ومعظم أحياء حلب، تدق أبواب القصر، وغدا -بإذن الله تعالى- تدكه.