يتسابق الكثير من السياسيين والصحفيين وبعض الأطراف السياسية هذه الأيام في الحديث عن الفدرالية باعتبارها الوصفة السحرية والحل الأمثل لمشكلة نظام الحكم في اليمن. ومع أن البعض ممن يطرحون هذا الخيار يدركون بخبث ماذا تعني لهم وكيف أنها تحقق لهم بطريقة مباشرة أو غير مباشرة مصالحهم ومآربهم إلا أن الكثير ممن يتحدثون عن الفدرالية أصبحوا كا"الببغاء" يرددون هذا الخيار دون أن يعرفوا ماهية الفدرالية؟ وما المقصود بالنظام الفدرالي؟ وما هي الدول التي يناسبها تطبيق مثل هذا النظام؟ وهل تناسب طبيعة وظروف دولة كاليمن تطبيق مثل هذا النظام؟ وماهية عيوب ومخاطر تطبيق النظام الفيدرالي؟ وفي اعتقادي لو أن الكثير من هؤلاء قرأ واطلاع على طبيعة النظام الفدرالي ومميزاته وعيوبه والظروف والبيئة المناسبة لتطبيقه لتراجع الكثير عن أقوالهم ومقترحاتهم، ولكن؛ ولأن الظاهرة (الببغاوية) هي السمة الأبرز على معظم متعاطي السياسة ومنظريها في اليمن فإن ترديد مصطلحات جوفاء دون أدراك لمعانيها ومدلولاتها هي الخيار الأمن من مناقشة قضايا واحتياجات الناس الحقيقية ومشكلات الوطن وأبنائه. ويمكن من خلال استعراض سريع للنظام الفدرالي وماهيته معرفة المخاطر والمشكلات التي يمكن أن تنشأ في حال تطبيق هذا الخيار في اليمن. فالفدرالية تعني دولة اتحاد وهي دولة مركبة من عدد من الدول أو ما يسمى بالوحدات الداخلية ويتم فيها تقسيم السلطات بين الحكومة المركزية وبين حكومة هذه الوحدات؛ فتكون للسلطة المركزية اختصاص الدفاع والخارجية والتعليم في بعض الدول فيما بقية السلطات من اختصاص الحكومات المحلية. ولذلك فالدول التي تتلاءم طبيعتها مع النظام الفدرالي كما يجمع على ذلك كل علماء وفقهاء السياسة هي الدول التي تكون لها إحدى الحالات التالية: الحالة الأولى: عندما تكون مساحة البلاد شاسعة مثل: أمريكا أو روسياوكندا والصين...الخ؛ وذلك بسب الصعوبة التي تواجه الحكومة المركزية في بسط نفوذها على كامل أرضي البلاد، فتلجأ إلي الفدرالية؛ حتى تساعدها الحكومة المحلية في بسط ونفوذ هيبة الدولة، وكذلك تلجأ مثل هذه الدول للفدرالية لعدم قدرة حكومة مركزية واحدة إدارة بلد ذات مساحة جغرافية واسعة. الحالة الثانية: حين يكون هناك تعدد عرقي ولغوي أو ديني وسلالي في الدولة مثل: كندا أو الهند أو ماليزيا..الخ والذي يعني اختلاف في المعتقدات والعادات فتأخذ هذه الدول بالفدرالية؛ وذلك لصعوبة إصدار قوانين وتشريعات واحدة لجميع مواطنيها وخاصة قوانين الأحوال الشخصية مثل: الزواج ،الإجازات ،الأعياد الدينية..وغيرها. الحالة الثالثة: وهي حين تكون هناك عدة دول في منطقة واحدة وهي بحاجة الي الوحدة فيما بينها فتتخذ الفدرالية التي تكون طريق إلي الوحدة الاندماجية. وقد تم تطبيق الفدرالية في عدد من الدول التي تنطبق عليها احدى الحالات السابقة وحقق نجاح نسبي في بعض الدول وفشل في عدد أخرى من الدول بل وكان سبب في تشظيها كما حصل مؤخراً في السودان. عيوب النظام الفيدرالي مع أن النظام الفدرالي يساهم وبشكل نسبي في حل إشكاليات بعض الدول التي تعاني من أحدى الحالات السابقة إلا أن له عيوب ومخاطر كبيرة ما يجعل الكثير من الدول والشعوب تكف عن تطبيق مثل هذا النظام نظراً للمشاكل والصراعات التي تظهر عند تطبيقه وأبرز هذه العيوب: 1 النظام الفدرالي يكلف ميزانية الدولة نفقات باهظة بسب طبيعته المعقدة من حيث ازدواجية الكثير من السلطات والأدوات فيه..إذ يوجد لكل سلطة إدارية نوعان: يتبع أحدهما سلطة الولاية ويتبع الأخرى السلطة الاتحادية في المركز. فمثلاً هناك قضاء ومحاكم تتبع المركز وأخرى تتبع الولاية وهكذا في الكثير من المنشأة وهو ما يودي إلي تضخم في الجهاز الإداري وحاجة كبيرة للمباني والموازنات والموظفين ولذلك فهولا ينفع في الدول ذات الداخل المحدود، بل إن دولة مثل اليمن لم تستكمل أنشاء البنية التحتية للحكومة المركزية بعد نصف قرن من تأسيسها، فلا تزال الكثير من المؤسسات والهيئات والوزارات بدون مباني وتعمل في شقق بالإيجار، ولا تزال الحكومة عاجزة عن تنظيم أبسط مقومات الدولة الحديثة كترقيم الشوارع فكيف سيتم تنظيم دولة بعدت حكومات مركزية ومحلية لأكثر من إقليم وبما تحتاج كل حكومة محلية من مباني وموظفين وجهاز إداري ؛مما يعني إن تطبيق الفدرالية سيؤدي إلي انهاك الموارد الموجودة ..هذا إن لم يكون بداية الصراع بين المركز والأقاليم حول الثروات السيادية التي تتواجد في الأقاليم وسعي كل إقليم للسيطرة على الثروات التي تتواجد فيه مما قد يؤدي إلي انهيار الحكومة المركزية الذي لن تجد أي موارد تحت سيطرتها فتكون النتيجة تفكك البلاد. 2 ومن عيوب النظام الفدرالي أيضا تعقيداته الشديدة في توزيع السلطات بين الحكومة الاتحادية والحكومة في الولاية وبخاصة في السلطة التشريعية والتنفيذ والإدارية وعادةً ما يثار نزاع بين السلطات المركزية والسلطات المحلية في الولاية، فعادةً تقوم السلطات التشريعية في الولاية بمناقشة قضايا هي من اختصاص السلطات التشريعية في المركز والعكس وكذلك أحيانا تقوم الحكومة المحلية بممارسة سلطات من اختصاص حكومة المركز والعكس أيضاً مما قد يودي إلي الكثير من المشاكل.. وغالباً ما تنتهي النزاعات لصالح حكومة الولايات صاحبة السلطة الفعلية فتصبح حكومة المركز صاحبة سلطة نظرية من الناحية القانونية ولكن لايستطيع تطبيق هذه السلطة على الأرض، هذا الي جانب الخلافات التي تنشأ حول الثروات والموارد الاقتصادية، وأحقية كل طرف ونسبته في هذه الثروات والموارد. ويمكن للمتابع البسيط التنبؤ بالخلافات التي قد تنشأ في اليمن في حال تطبيق الفدرالية من خلال الاطلاع على بعض الرؤى التي تتحدث عن الفدرالية ومعالجة قضية الثروة ، فمع أن الثروات السيادية في أغلب الدول الفدرالية يتم توزيعها حسب السكان وليس حسب المنطقة التي تتواجد فيها الثروات إلا إن أحدى هذه الرؤى وهي الرؤية التي قدمها حيدر العطاس للمؤتمر الجنوبي الأول في القاهرة تقول : الثروات النفطية والمعدنية والسمكية ملكاً للإقليم ويدعم الإقليمان المركز بحصة يتم الاتفاق عليها . . 3مايمكن ملاحظته أيضاً في الدول الفدرالية هو تفتت اللحمة الوطنية وتزايد نزعة الاستقلال لدى كل ولاية وربما الانفصال مع مرور الوقت كما حصل في جنوب السودان، بل أن أغلب حركات التمرد في العالم هي نتيجة النزعة الاستقلالية التي استشعرها سكانها ؛نتيجة الحكم الذاتي وتطبيق النظام الفدرالي، وهو يؤكد أنه في حال تطبيق هذا النظام في اليمن فإنه سيؤدي إلي تكريس النزعة المناطقية في البلاد التي تكرس في عهد نظام الإمامة والاستعمار، وحاولت ثورة سبتمبر وأكتوبر القضاء ،ولكنها قد تعود بقوة هذه المرة في حال تطبيق الفدرالية ، بل أننا قد نتفاجأ بعد سنوات من تطبيقها إن ابن تعزأوعدن وحضرموت قد يصبح غريب كالمواطن الأجنبي في صنعاء وكذلك العكس هذا إن لم تعود شعارات مثل(عدن للعدنيين)وغيرها من الشعارات المناطقية. 4 ما يؤخذ على النظام الفدرالي أيضاً تقوية النزعات القبلية والجهوية بين أبناء الولاية أنفسهم، حين يبدأ التنافس على السلطة والثروة ويرفض أبناء كل قبيلة أن يكون حاكمهم في الولاية من أبناء القبيلة الأخرى؛ وذلك إن الصراعات تخف كلما توسعات أفاقها وتشتد كلما ضاقت هذه الأفاق ولتدليل على ذلك فإن الوحدة هي من أذابت الصراع بين الزمرة ،و الطغمة في الجنوب الذي بدأ بعد الاستقلال ولا تزال بعض أثاره إلي اليوم، والوحدة هي من أنهت الصراع بين أصحاب مطلع وأصحاب منزل الذي كان في الشمال؛ ولذلك فإن تطبيق الفدرالية قد يؤدي إلي عودة تلك الصراعات بأبشع صورها. تصورات من يطرحون خيار الفدرالية إذا كانت هذه هي مشاكل وعيوب النظام الفدرالي فلماذا هناك من يطلب بتطبيقها في اليمن ؟وهل من يطالبون بتطبيقها يطلبون بذلك باعتبار الفدرالية حل لمشكلة نظام الحكم؟ أم أن رؤيتهم للفدرالية كحل تنبع من تصورهم للمصالح والمآرب التي سيحصلون عليها. وبالاطلاع على الأشخاص والأطراف التي تطالب بالفدرالية، سنجدهم على النحو التالي: أصحاب مشاريع الانفصال الذين ينظرون إلي الوحدة باعتبارها المشكلة فيرون في الفدرالية الحل الأسهل للانفصال وربما الطريق إليه أو باعتبارها خط وسط بين الوحدة والانفصال ويعتبرون ذلك يخدم الوحدة و لا يعلمون بأن تطبيق الفدرالية سيؤدي إلي مشاكل تهون أمامها مشاكل الانفصال. وهناك من يرى بأن المشكلة كانت تولي السلطة رئيس أو رأس واحد زمام الحكم ولذلك فإن الحل هو أن يكون هناك أكثر من رأس وأكثر من أمير، في أكثر من منطقة وإقليم. وهناك مجموعة من السياسيين والصحفيين الذي يعيش أغلبهم في دول تطبق النظام الفدرالي ويسهم في تحقيق بعض النجاح التي تحققه بعض تلك الدول فأصبحوا يرون أن الحل هو "استيراد" الفدرالية وتطبيقها في اليمن دون مراعاة لأختلف الظروف وطبيعة تلك البلدان عن اليمن. وهناك جماعات أخرى حصلت على وضع استثنائي خلال فترة النظام السابق، بسيطرتها على مناطق جغرافية معينة ومع بداية الثورة وسقوط رأس النظام بدأت هذه القوى تشعر أن هذا الوضع لا يمكن أن يستمر فبدأت تبحث لهذا الوضع عن شرعية للاستمرار والبقاء فرأت في الفدرالية حل ولو مؤقتاً لمثل هكذا وضع. وهناك من ينظر للمسألة من خلال الانتماء الجغرافي للمنطقة التي ينتمي إليها ويرى بأنها قد نالت الحرمان من النظام السابق والحل هو فصلها وعزلها عن مناطق كانت أقل حرمننا أو ربما أكثر منها بل وبدأ يبشر بالأحلام والأوهام عن ميلاد محافظة كذا ولاية كذا. وهناك بعض القوى التي تعتبر نفسها ليبرالية وتدعم وتدعو إلي الفدرالية وهي لا تعلم بأنها ستكون الخاسر الأكبر فإذ تم تطبيق الفدرالية فان القوى التقليدية هي من ستسيطر لأنها من تملك القوة علي الأرض وليس "الكتبة " في الصحف ومدمني الفيس بوك فالواقع يقول بأن الحوثي سيسيطر علي الشمال والقاعدة على الجنوب ويتقاسم الإصلاح مع القبائل مناطق الوسط. هذه مجرد أفكار حول الفدرالية ومخاطرها لأن هناك من أصبح يرى بالفدرالية وكأنها قرآن منزل يجب أتباعها والأخذ بها، ومن يقول غير ذلك فقد كفر ،فقد تعرض أحدى السياسيين قبل أسابيع إلي هجوم حاد لمجرد أنه قال: أنه يرى بأن الفدرالية لا تصلح لليمن ومع أنه مجرد رأي فقد تعرض إلي هجوم حاد, وكأنه أرتكب خيانته عظمى وجريمة كبرى مع أنه مجرد رأي قد يحمل الكثير من الصواب.