"عندما تعصف النزاعات بالبلاد يتكاثر عدد الوطنيين".. لاوتسي شهد الجنوب في الأيام الماضية أحداثا مؤسفة، فقد تم استهداف مواطنين عاديين لمجرد أنهم قادمون من الشمال. لا علاقة للمواطن الجنوبي بهذه الحرب البائسة، ما هو معلن وحقيقي أن من يقوم بهذه الأعمال القذرة هو تيار داخل الحراك يدين بالولاء الأعمى لعلي سالم البيض الذي يسعى لتفجير الأوضاع، ومن ثم التفاوض على فك الارتباط. على هامش هذه الأحداث الدامية، تم استعادة الحديث حول الهوية الجنوبية التي يحاول الشماليون طمسها. حسناً، هذا حديث يطول، ومسألة كالهوية أكثر تعقيداً من رقصة البرع التي تبرهن على أن الشماليين هم من كانوا يحتفلون في مدينة عدن بمناسبة انتخاب الرئيس عبدربه هادي. في هذا المقال سوف استفيد من دراسة قمت بنشرها عن أسس بناء الدولة، مركزاً على الهوية بوصفها أحد الأسس التي يجب توافرها عند عملية بناء الدولة. يمكن القول وبثقة مرتفعة أنه على خلاف ما هو سائد، لا يوجد معنى محدد للهوية، وليس هذا وحسب، بل لا يوجد ما يشير إلى أن الهوية ذات ملامح ثابتة لا تتغير. كما هو واضح، فإن في اليمن ثمة من يدفع لصراع هوياتي تحت مزاعم لم تثبت صحتها بعد.. إذ يتحدث بعض من ينتمون للحراك الجنوبي المطالب بالانفصال وبطريقة فجة من أنهم ليسوا يمنيين من الأساس، وأن هذه الحقيقة كفيلة بفك الارتباط وتكوين دولة الجنوب العربي. ربما تحت وطأة المظالم التي تعرض لها الجنوبيون يمكن تفهم المطالب المتعلقة بالعودة لما قبل تحقيق الوحدة في العام 1990، لكن ما يصعب تفهمه هو الزعم أن الجزء الجنوبي من شبه الجزيرة العربية ليس جزءاً من اليمن. لقد نشأت أمة يمنية في هذا المكان من العالم وسيكون من الخطأ إنكار ذلك، فوفقاً لفريد هاليداي فإن الأمة اليمنية في الطرح القومي التقليدي أمة غابرة في القدم. ما يمكن التأكيد عليه في هذا الشأن، هو أن المضي في خلق هويات متعددة لإعطاء الانفصال مشروعية أخلاقية هو توجه سياسي وربما سلطوي ولا علاقة له بموضوع الهوية البتة. على سبيل المثال، ووفقاً للباحثة الغربية أوروسولا براون، وحدة اليمن كانت فكرة متجذرة بشكل كبير في وعي المواطنين اليمنيين في كل من الدولتين، وقد أجبر هذا الوعي الخاص كلتا الحكومتين على أخذه في الحسبان، فتاريخ اليمن الذي يعود إلى حوالي ثلاث آلاف عام، يسند الشعور العام بالإرث الثقافي المشترك حتى ولو لم ينشأ عنه وحدة في الأرض والسياسة. ربما من وجهة نظر البعض لا يجدر في غمرة الانفعالات المتطرفة التي تتحكم في سلوك وتصرفات بعض المكونات الجنوبية التي تطالب بالانفصال أن يتم الحديث عن حقائق التاريخ التي تشير ليمن واحد. لكن وجهة النظر هذه تميل لعدم المبالاة بالتاريخ، وهي مسألة تثير الاعتراض، ولا تقدر العواقب. ففي الحقيقة كما يقول الدكتور عبدالوهاب الأفندي إن "أي دعوة انفصالية هي بطبيعتها معادية للديمقراطية، لأن مثل هذه الدعوات لا بد أن تنطلق من إدانة جماعية لقطاع كامل من شعب الدولة (يتم تحديده عرقياً وثقافياً وجهوياً) ودمغه بأنه غير صالح للعيش معه تحت سقف واحد". بعيداً عن سياسات الانفصال التي غالباً ما تؤسس لمجموعة من الأعمال والأحكام الاقصائية، يمكن القول إن أول أزمة ستواجه الكيان الذي سينشأ في الجنوب في حال تحقق مطلب الانفصال هو ما يتعلق بالمسألة اليمنية على غرار القضية الجنوبية؛ بمعنى أكثر وضوحاً لن يكون مقبولاً لدى قطاعات واسعة من الجنوبيين التضحية بالهوية اليمنية وباسم اليمن، وهو الأمر الذي قد يؤسس لصراع على الهوية مرة أخرى. وفي العموم، يمكن أن تشكّل الهوية اليمنية برغم ما تتعرض له من حملات تشكيك أساساً لتدعيم عملية بناء الدولة، إذ يمكن أن يمثل التاريخ وحتى ذلك القريب منه جداً المتمثل في نضالهم الواحد ضد الاستعمار ونظام الإمامة أرضية لاستعادة شعور اليمنيين بهويتهم الواحدة. صحيفة الناس