ظهر الرئيس : صالح في 8 مارس 2011م بمنصة إستاد صنعاء الدولي أمام حشد هائل من مناصريه و أعضاء حزبه ليقول كلمته الأخيرة في أزمة اعتصام شباب اللقاء المشترك و شركائهم مقدماً مبادرة حقيقية و مناسبة لقطع دابر الفتنة الذي أطل براسه على اليمن منذراً بخواطر جمّة ، كان الرئيس الذي خبر في رئاسته كل أعوام العذاب و الهموم و التجليات و إنجازات السعادة مدركاً لأبعاد مؤامرة بارعة تستهدفه شخصياً و تذهب بشخصه إلى تعميق نظرية الفوضى الخلاقة عبر ابتعاث الضحايا و تأزيم الرأي العام و تمزيق الوطن الذي توحد بفضله في 22 مايو 1990م . تجسدت مبادرة الرئيس في ثلاث نقاط رئيسة : الإنتخابات الرئاسية المبكرة .. إقتسام الحكومة .. الأقاليم الجغرافية .. و أردف حريصاً أنه بهذا الحديث يجنب اليمنيين الاقتتال و يحقن دماؤهم .. لكن مشاعر الأزمة المصرية الحادة تعبيراً عن الغضب والتي نسختها وسائل إعلام الإخوان المسلمين أرادت تحقيق ما تعمق وجهه في صورة حسني مبارك و هو يغادر الحكم مكرهاً بحديث عمر سليمان المقتضب لقنوات التلفزة الفضائية . كان شعور النشوة و الخيال جامحاً في اليمن .. و كان المغرور الثري : حميد الأحمر يعتقد أنه سيجد ضالته في نزع رئيسه عن الحكم باعتلائه عرش الأزمة و تمويله لسبيل الثورة و الساحات . طموحه الفج صار هوساً غريباً لم يدنه أحد من عقلاء الأمة بل سعوا إليه و نفخوا في وثنيته المتغطرسة . و تسابقوا إلى إستنساخ مجمل التصريحات المصرية لشباب و ساسة القاهرة الغاضبين : لقد تأخر .. !! ، و كان : صالح حريصاً على أن اليمن شيئا آخر .. لكنهم أصروا على نسخ الثورة المصرية بكل تفاصيلها .. ففشلوا . بعد 10 أيام بالتحديد سقط خمسين شاباً ممن ذهبوا إلى ساحة جامعة صنعاء في صورة صادمة لكل العواطف اليمنية الإسلامية اللينة .. و عرف صالح أن عصر المبادرات انتهى .. و أن رفاقه و خصومه مصرين على تحميله ثمن الدماء التي أراقوها ببرود لتحقيق مخططهم الإنقلابي السيء .. و لأنه فهم اللعبة مبكراً و استوعب درس مصر جيداً ، فبمجرد وضع الانتخابات الرئاسية المبكرة على هرم شروطه الموضوعية لرحيله عن السلطة فإنه يضع خصومه في زاوية حرجة سرعان ما تخلصوا منها بإقامة وجبة غداء دامية و دسمة على شرف الثورة و التغيير . كان كل يوم يمر و الساحاتيون يقدسون صور الخيام و أشكالها و يعتبرونها بيت الله .. و ظله في الأرض .. و في أعقاب المجزرة الرهيبة التي حصدت أرواح شباب الكرامة ، كان وضع الخيمة يجر دماً . و من أحداث و صدامات المختبر المركزي إلى خيام كنتاكي العنيدة التي ذهبت بأرواح أربعين شاباً من ابناء البسطاء ، فيما الرئيس و الناس و العقلاء يصرخون .. لا تموتوا ..!! كان قناصة الإخوان المسلمين يقتلون ببرود و يذهبون بغيهم إلى إحراق مؤسسات الدولة لإثبات فشل النظام و انهياره . سعوا إلى إسقاط المحافظات .. للعمل على انهيار الحكم ، كانوا مستعدين لانفصال الجنوب عن شماله ، سلموا صعدة لحاكمها الحوثي ، ثم قاتلوه في ما جاورها نكاية بالنظام و ب : صالح بصورة اساسية .. و حين استهدفوا الرجل في جامعه الرئاسي كانوا يعرفون أنه سيموت ، لكن الله تعالى أحياه ، فوصف نفسه : بالشهيد الحيّ .. و هو محق في ذلك . لم يحن الوقت بعد للكتابة عن السنة الأخيرة . سنة القتل و الغضب و المشاعر المسنونة و الاتهامات و الثارات و حملات التضليل و التهويل و فتاوى القمع و الإقصاء . لم يحن الوقت بعد للحديث عن وطن تحمل رئيسه عقوق و تخلف أكثر من عشرة قرون لتخرج عليه فصائل المعارضة المنقادة وراء تطرف إسلامي سياسي متهور باحثة عن معالم و ثقافة و علم أنجز فيهم ما أستطاع .. لكنه كان أمام موجة أقسى و ظلم أفدح و تخلف أعمق و غدر أوسع و جرح أكلم .. و رغم تدني المستوى الثقافي و لصدمة اليمنيين بهذا المشروع الثوري الزائف تمكن الرئيس المظلوم من تأكيد مظلوميته و إجادته الرقصة الأخيرة على رؤوس الثعابين التي يعشقها رغم لدغاتها الفاجرة هذه المرة . بعد عام و نيف .. أعلنت لجنة التغذية بساحة التغيير بصنعاء أنها لم تعد ملتزمة بمأكل الساحاتيين ، و على الفور عاد الثائرون إلى قراهم ، يا إلهي .. الثوار هنا يقتاتون و يموتون و يجاهدون و يصرخون و يسيرون و يؤزمون و يدمرون اليمن لأجل القليل من الرز و الكدم البائت .. إنهم جوعى و لكن ليسوا ثائرين .!! إبحثوا لي و لكم عن وصف و نعوت لهؤلاء الذين ظلوا في الساحات بلا مبرر ، سوى أن يُحرقوا و يتحولوا من قيمة مثلى إلى مجرد مرتزقة بيد الحزب الوهابي الأكثر تطرفاً في تاريخ السياسة اليمنية . و بأجر زهيد .. شهد كل من كان في الساحة أن عملية الإخلاء تضمنت دفع عشرين ألف ريال لكل صاحب خيمة يُوقع على تعهد بعدم الرجوع إلى الخيام . و قال هاشم الأبارة و هو من أوائل الثائرين أن الإصلاحيين يرشون على خيمة المركز الإعلامي السم و المبيدات الحشرية .!! أبحث بين الوجوه الثائرة عن غضبة جديدة لتوكل كرمان التي حصدت نوبل ، عن تحرك عسكري متذمر من قائد الفرقة الضعيفة – حامي الثورة و الساحة المدهش ، و لا أرى سوى تصريحات حميد الأحمر الذي اعتراه الشرف ذات حوار متلفز بدعمه الصريح للساحاتيين . ثم وجد أن الظفر بحنجرة صالح بعيدة المنال و المئال فقام على الذين ينفق عليهم بتوصيفات سيئة و تشبيهات محرمة نشرتها صحيفة نيويورك تايمز ، و شكلت تصريحاته صدمة حقيقية لكل الذين تعاطفوا معه و قدسوا قناته الملتهبة : سهيل . و تعاطوا معها على أنها مصدر الأخبار و مركز المعلومات الصريح و الصادق . إذا لماذا مات هؤلاء ، و لماذا تعمد الإخوان المسلمون تدمير القطب الإقتصادي العام في مقابل إحياء تجارتهم الخاصة . و الذهاب بدم الناس و البسطاء إلى الفراغ و الأهداف الخائبة الخادعة . لماذا لم يفهموا و يدركوا مبادرة الرئيس السابق بلا حطام أو فوضى أو ربيع ، و ما الربيع الآن سوى وحشة مظلمة يمكنها ذات ليلة أن تصحو على حكومة لا تقدر على دفع رواتب جيشها و موظفيها. ليس هناك هدف أو أهداف .. كل (ثائر) له برنامج خاص في رأسه ، و هناك أكثر من مائة و خمسين حركة . كل واحدة لها برنامج غير معلن و تريد أن تستولي على الحكم من داخل خيمة مدفوعة الأجر و النوايا . اليوم .. كل من كان يدفع أبناء البسطاء إلى الشارع و الصدام و الموت .. صار له مركزاً .. كمستشار أو وزير و أحياناً تجده مديراً عاماً لمكتب وزير الإعلام . !! . و كل من اقترب من الموت و لامس حدود عزرائيل .. قذفه حميد الأحمر في كرامته و منع عنه صدقة الثورة و سحت الحياة الدميمة . اليوم .. تنتصر منظمة (إرحلوا عن شوارعنا) التي اسسها الأستاذ : يحيى محمد عبدالله صالح كمؤسسة مدنية رافضة لكل أذية الثوار و الساحات و القسمات المتعالية و البهاريج المتخفية وراء شحنات و رقصات الأضرعي الخائبة . و مثلما إنتصرت هذه المنظمة التي أسست و اسهمت في بناء وعي شعبي عام بضرورة إزالة هذه الساحات المؤذية ، أجدني غاضباً من رفعها ، و اسأل .. ما كان جدواها ؟ ، و لماذا تعمد حزب التجمع اليمني للإصلاح إرهاق اليمن بهذه الصورة المؤلمة و دفع أبناء الناس إلى الجحيم و الصراعات الملتهبة و إحياء المذهبية و الطائفية و محاربة الروافض بأموال سعودية فجة . هل ينبغي حل هذا الحزب المتطرف و إدانة أعضاءه و كل متمرديه .. فما سبق يؤكد أن الرئيس السابق أمضى ما أراد .. و صاغ مبادرة نهائية أنهت فصول الفتنة و ضحى من أجل يمنه و شعبه برئاسته .. و لم يسلم من أذية الساخطين في الساحات .. و كنا نحسبهم ثواراً .. نناقشهم و نصطرع معهم و نعفو عن زلاتهم و يحتدم الجدل حتى يؤذينا و لا يؤذيهم .. حسبناهم كذلك .. لكنهم كانوا : كتيبة خرساء .. مستأجرين .. عمال سخرة لتنفيذ رهبانية الموت تحت ظلال الثورة الهلامية . كان أرنستو تشي جيفارا .. مؤمناً بالثورة الحقيقة في كل بلدان العالم المظلوم مدافعاً عنها .. و مستعداً للموت من أجلها .. قاد معارك التحرير في كل مكان ببندقيته و ماله و أفكاره و عزيمته و إصراره .. و في المقابل : بعث حميد الأحمر بأبناء قبيلته للدفاع عن وهمه و قصره ، و قبلها دفع أنصار حزبه للموت تحت غطاء الثورة و التغيير .. و بقي كما قال لصحافية أميركية : يرقبهم من شرفة المنزل و يقهقه كلما سقط شهيد .. كان شبق قناته : سهيل لمرأى الدم و الصراع و الرصاص مؤذياً و صادماً لعواطفنا و مشاهداتنا .. و بقي الشيخ هناك يقتسم غنيمة التغيير – أو هكذا يُخيل إليه – جيفارا قُتل على قضيته و ضحى بنفسه لفكرة قدسها و ناضل من أجلها طويلاً .. فأرتقى و أسهم في خلوده أكثر مما فعل رفيق ثورته المناضل فيدل كاسترو الذي جنح للحكم و الرئاسة . و هو بحق يمثل عندي قيمة الثائر الحقيقي الذي يخوض غمار الفكرة بقلب مفتوح و عقل مستعد للتضحية . لقد كان الرئيس السابق علي عبدالله صالح .. أكثر الثائرين سلمية .. و أنضج السياسيين حكمة و دهاءً . و أعظم اليمنيين فداءً و تضحية .. و أطيب الرؤساء حلماً و عفواً .. لقد تفوق هذا الفلاح البسيط القادم من إحدى قرى سنحان الفقيرة على كل براثن الأغنياء و أفخاخ الملوك و المشائخ المغرورين .. و ارتبط هذا الإنسان بقدرات الأرض و البساطة و التواضع فأسهم في خلق نفسه مجدداً و أعاد صياغة الوطن الموحد برؤى جديدة و مفاهيم أوسع .. لقد بقي هذا الزعيم بين أبناء وطنه معززاً مكرماً .. و رحل الباقون المستأجرون لأنهم لم يؤمنوا بالفكرة و لم يقدسوا وطنهم و عرضهم و باعوا كل شيء في مقابل الانتقام من شخص لم يكن ثأرياً على أية حال . أريد أن أغضب في وجه الجميع .. جميع من في ساحاتهم .. قاداتهم ، حركاتهم ، رؤسائهم ، مشائخهم ، حرائرهم ، .. لكن مدرسة الفلاح :علي عبدالله صالح التي تخرجت منها فتياً شاباً تمنعني من الغضب .. فأنحني لقطف وردة .. أرميها إلى ساحات الأذى .. علها تثمر في ملئ القلوب الكارهة بعبير الربيع اليمني .. الربيع الذي يسهم في اخضرار الوطن و نماءه .. و ليس كذلك الربيع المسخ .. !! رحلوا .. و بقيت شوارعنا شاهدٌ حي على اغتصاب قاس لم يجد إدانة واضحة من رجالات اليمن اللائي حسبناهم رجالاً .. !! رحلوا أخيراً .. و بقي : صالح وطناً .. و زعيماً و إماماً .. و إلى لقاء يتجدد .