تحيي مصر، اليوم، ذكرى ثورة الخامس والعشرين من يناير، التي أسقطت الرئيس حسني مبارك، في ظل حالة استقطاب حادة بين المجلس الأعلى للقوات المسلحة وجماعة «الإخوان المسلمين» اللذين دعَوَا إلى الاحتفال بالثورة، وبين الحركات الاحتجاجية الشبابية التي دعت إلى التظاهر من أجل الضغط باتجاه استكمال أهداف الثورة، في وقت واصل المجلس العسكري محاولاته امتصاص غضب شباب الثورة بأن أعلن رئيسه، المشير حسين طنطاوي، رفع حال الطوارئ ابتداءً من اليوم، مستثنياً من هذا القرار جرائم البلطجة. وينتظر أن يشهد ميدان التحرير في القاهرة، والميادين الأخرى في بقية المدن المصرية، تظاهرات حاشدة، دعت إليها المجموعات الشبابية، للمطالبة بتحقيق أهداف الثورة، وأبرزها تسليم السلطة بشكل فوري إلى رئيس منتخب، والإسراع في محاكمة قتلة الثوار والفاسدين، واسترداد أموال مصر المنهوبة، بالإضافة إلى العديد من القضايا الاقتصادية والاجتماعية التي قامت على أساسها الثورة. وفي بيان بعنوان «مطلب واحد» نشرته على مواقعها على «فيسبوك»، قالت الحركات الشبابية، ومن بينها «6 ابريل» و«ائتلاف شباب الثورة»: «غداً سننزل جميعنا إلى التحرير، لا نطالب بسقوط الجيش، ولا نريد أن نهدم مصر، لكننا مؤمنون بأن الثورة سلمية، ونرفض أن يعتدي أحد على أي أرواح أو ممتلكات خاصة أو عامة». وأضاف البيان «نطالب بسقوط حكم العسكر ديموقراطياً، بتنحي الجيش المصري للمرة الأولى من ستين عاماً عن الحياة السياسية في مصر، وتركها للشعب ليحدد مصيره عن طريق انتخابات، ومن دون أي امتيازات خاصة، وبما يجعل المؤسسة العسكرية التي نحترمها تقوم بدورها التاريخي في الدفاع عن أراضي مصر». وتابع «غداً سننزل للمطالبة بانتخاب الرئيس في نيسان، قبل كتابة الدستور». واستباقا لهذه التظاهرات، حذرت وزارة الداخلية من «أعمال تخريبية» قد تتم في ذكرى الثورة. وقال وزير الداخلية اللواء محمد ابراهيم، في تصريحات نشرتها صحيفة «الاخبار»، انه «لن يكون هناك تواجد لأفراد الشرطة في الميادين التي ستشهد احتفالات بذكرى الثورة»، وإن «دور الشرطة سيقتصر فقط على تأمين المنشآت الحيوية والممتلكات العامة». وأضاف ان «أجهزة الأمن لديها معلومات عن اعتزام بعض الخارجين على القانون ارتداء ملابس عسكرية»، داعيا «كافة القوى السياسية التي ستشارك في الاحتفالات إلى تشكيل لجان شعبية لتأمين الميادين وعدم السماح لأي مخربين بالاندساس وسط المحتفلين». من جهته، أعلن المجلس الأعلى للقوات المسلحة أن هذا اليوم سيكون عطلة رسمية في كل عام احتفالا بالثورة التي أدت بعد عام إلى صعود كبير للإسلاميين الذين باتوا يهيمنون على أكثر من 70 في المئة من مقاعد مجلس الشعب الجديد. وحرصا منه على تجميل صورته التي اهتزت بسبب استخدام العنف ضد المتظاهرين، وبسبب الاتهامات الموجهة إليه برفض تفكيك نظام مبارك، وبالرغبة في الإبقاء عليه، أعلن المجلس العسكري أنه سينظم احتفالات عديدة من بينها عروض بحرية في الإسكندرية وعروض جوية في القاهرة ومعظم المحافظات. كما سيفتح المتاحف العسكرية مجانا أمام الجمهور، فيما قررت وزارة المالية إصدار عملات فضية خاصة لمناسبة ذكرى الثورة، في حين أعلن المجلس العسكري أنه سيتم تعيين مصابي الثورة في وظائف حكومية، وذلك بعد إصداره عفوا عن 1959 معتقلاً يحاكمون عسكرياً، من بينهم الناشط مايكل نبيل، الذي أطلق سراحه مساء أمس. وأعلن المشير طنطاوي وقف العمل بحالة الطوارئ، إلا في مواجهة جرائم البلطجة اعتبارا من صباح اليوم. وقال طنطاوي، في خطاب متلفز، «اليوم بعد أن قال الشعب كلمته واختار (نوابه في مجلس الشعب)، فقد اتخذت قرارا بإنهاء حالة الطوارئ في البلاد باستثناء حالات البلطجة اعتبارا من صباح الخامس والعشرين من يناير». لكن حقوقيين مصريين اعتبروا أن الاستثناء يفرغ القرار من معناه. وقال مدير «المبادرة المصرية للحقوق الشخصية» حسام بهجت «ليس هناك أي جريمة يطلق عليها بلطجة في القانون المصري وبالتالي فان هذا يسمح بالاستثناء للشرطة بأن تعتقل أي شخص بدعوى انه بلطجي»، فيما رحبت الإدارة الأميركية بالقرار، معتبرة أنه «خطوة كبرى» نحو عودة الحياة الطبيعية في مصر. وتسري حالة الطوارئ في مصر منذ أكثر من ثلاثين عاما إذ فرضت فور اغتيال الرئيس المصري الأسبق أنور السادات في السادس من تشرين الأول عام 1981. وتوجه طنطاوي في خطابه إلى الحركات الشبابية قائلا: «يا شباب مصر، إن مصر تناديكم فأنتم عدتها وعتادها وأنتم من فجرتم ثورتها، ادعوكم إلى تأسيس كيان حزبي له دور سياسي يتطلع اليه الشعب»، مضيفاً ان «المجلس الأعلى للقوات المسلحة يؤكد دعمه الكامل لكم في هذا المجال حتى تتمكنوا من ممارسة الدور السياسي الذي نتمناه لكم». وفي بيان نشره موقعه الرسمي على موقع «فيسبوك»، دعا المجلس الأعلى للقوات المسلحة إلى الحفاظ «على روح 25 يناير التي وحدت ابناء مصر رجالا ونساء، شبابا وشيوخا، مسلمين ومسيحيين». كما طلب المجلس التغاضي عن اي اخطاء شابت المرحلة الانتقالية، مؤكدا انه ينبغي على الجميع الاعتراف بأن أي مرحلة انتقالية دائما ما تعترضها عراقيل ومشاكل. جماعة «الاخوان المسلمين» أعلنت من جانبها انها ستحتفل بالثورة، معتبرة أنها حققت انجازا كبيرا يتمثل في انتخاب مجلس الشعب الجديد. ورفضت الجماعة في تصريحات متكررة دعوات الشباب الى تقديم موعد انتخابات الرئاسة، او الى ثورة جديدة ضد المجلس العسكري. في هذا الوقت، استدعى مجلس الشعب المصري رئيس مجلس الوزراء ووزراء الصحة والعدل والداخلية لمناقشتهم حول ما قدموه لأسر القتلى والمصابين في الثورة. وفي بداية جلسة الأمس، رفض مجلس الشعب بيانا أدلى به وزير الدولة لشؤون مجلسي الشعب والشورى محمد أحمد عطية، الذي قال إن الحكومة عوضت أسرة كل شهيد بمبلغ 30 ألف جنيه (5020 دولارا)، وقدمت علاجا للمصابين. وقال رئيس المجلس سعد الكتاتني «أدعو رئيس الوزراء ووزيري الصحة والعدل للحضور أمام المجلس للرد على استفسارات النواب في قضية حقوق الشهداء وبطء العدالة في محاكمات قتل المتظاهرين». وطالب نواب باستدعاء وزير الداخلية أيضا فأضافه الكتاتني إلى القرار. وطالب أعضاء في المجلس بنقل مبارك الذي يعالج في مستشفى فاخر خارج القاهرة إلى سجن طرة في جنوبي العاصمة، لكن نواباً آخرين دعوا إلى ضرورة إعدام مبارك في ميدان عام. إلى ذلك، تقدم النائب عن «حزب الوسط» الإسلامي عصام سلطان بأول بيان عاجل في جلسة مجلس الشعب، وهو يتعلق بعدم صدور أي رد فعل من قبل الحكومة المصرية على قيام مستوطنين باقتحام قبر النبي يوسف في الضفة الغربيةالمحتلة. («السفير»، أ ف ب، رويترز، أ ش أ)