أكد أكاديميون وكتاب على ضرورة متابعة نتائج مؤتمر اليمن إلى أين الذي نظمه مركز المعلومات والتأهيل لحقوق الإنسان ( HRITC ) في القاهرة أواخر يناير الفائت، معتبرين المؤتمر بداية لطرح أكثر منهجية لمطالب الثورة الشبابية في الساحات. كما دعا مشاركون في ندوة "اليمن إلى أين؟ تحليل طبيعة المسار الثوري" التي عقدها مركز المعلومات مساء الأحد، 12 شباط، 2012 في المنتدى السياسي بساحة التغيير بصنعاء إلى دعم الانتخابات الرئاسية المبكرة المقرر إجراؤها في 21 فبراير الجاري، مؤكدين أنها خطوة في طريق الاستقرار السياسي. الندوة حسب المدير التنفيذي لمركز المعلومات والتأهيل لحقوق الإنسان توفيق البذيجي جاءت امتداداً لمؤتمر القاهرة ووثيقته، ولمناقشة مخرجاته من أجل الخروج برؤى تنفيذية يمكن العمل عليها على الواقع. وفي الندوة طالب استاذ علم الاجتماع في جامعة صنعاء الدكتور فؤاد الصلاحي بدعم الانتخابات الرئاسية المبكرة باعتبارها خطوة في طريق الاستقرار السياسي قد تعمل على صناعة استقرار دائم، مطالباً بإشراك كافة فئات المواطنين في الحوار وبناء الدولة في المستقبل. وقال الصلاحي: "أتصور أن المسار الثوري لم ينتهِ، ولم يحقق أهدافه بعد، وكان الهدف في مؤتمر القاهرة ألا ننتظر العمليات الإجرائية من خلال حركة الشباب في الساحات، بل من أجل تحليل أعمق لمقتضيات المرحلة المقبلة". وانتقد تغييب الشباب عن الفعل السياسي، وإقصائهم من كافة الترتيبات السياسية، محذراً من قدرة القوى التقليدية التي قام الشباب بثورتهم ضدها على إعادة إنتاج نفسها كنظام جديد لا يختلف كثيراً عن النظام السابق، مصراً على استمرار الثورة كفعل وليس كساحات أو خيام. وتساءل عن إمكانية بناء دولة تحقق المساواة للمواطن وتعلي من قيمته وتحقق التنمية الشاملة، فالدولة هي "الكيان السياسي الذي يحفظ البلد والشعب، ولا بد من صيغة سياسية جديدة وفق غرفتين تشريعيتين وحكومة لا مركزية"، ف"غالبية القوى تعمل على مشاريع ما قبل الدولة، ولا مجال لليمنيين مستقبلاً إلا أن يكونوا متساويين"، داعياً إلى إقامة نظام برلماني لأن النظام الذي سعت الثورة إلى إسقاطه كان نظاما رئاسياً. وأشار إلى مخاطر تهدد كيان البلد إذا لم يتم حل القضايا المصيرية للبلد كالقضية الجنوبية وقضية صعدة والأزمة الاقتصادية، وحسب رأيه لا أحد من العسكر وشيوخ القبائل وقيادات الأحزاب سيترك الفرصة للشباب لتحقيق أهداف ثورتهم، حيث "تمَّ تجاهل مواقف الشباب وآراء المثقفين منذ شهر يونيو الماضي لصالح القوى التقليدية التي ذهبت الترتيبات السياسية لصالحها، وأضاف: "أنا على المستوى الشخصي ضد المبادرة الخليجية والمحاصة في الحكومة، لكني مع الانتخابات التي يمكن أن تحقق التغيير، وعندما أنتقد السلطة فأنا أنتقد السلطة القائمة وظلها المعكوس في المعارضة. واختتم حديثه بالتنويه إلى أن أهم درس ينبغي لساحات الثورة أن تقدمه هو التفكير الجمعي، والقبول بالآخر ورفض الإقصاء. من جهته أبدى عبد الباري طاهر تخوفه من انهيار البلد بفعل التفكك وصراع الهويات التي وصفها بالقاتلة، مشيراً بدوره إلى أن الانتخابات الرئاسية المبكرة تمثل قاسم خروج اليمن من مأزقها الذي أوصلها إليه علي عبد الله صالح ونظامه. وتطرق إلى القضية الجنوبية التي أكَّد عدالتها وأهمية حلها أولاً، والحوار مع ممثليها قبل أن يضيق الوقت أكثر مما قد فعل، مستنكراً محاولات فرض المشاركة في الانتخابات بالقوة أو غيرها دون اعتبار لحرية مواقف كافة القوى منها. وقال طاهر: "لا بد أن نعمل معاً لوصول اليمنيين إلى ال21 من فبراير، من أجل أن يكون ما بعد هذا اليوم مختلفاً عما قبله تماماً، بإسقاط نضام صالح ومرتزقته، وإعادة صياغة يمن جديد يحترم هويات اليمنيين جميعاً باتجاه هوية مشتركة، وبناء دولة عصرية كهدف مشترك لليمنيين جميعاً". المتحدث الثالث من المشاركين في الندوة التي أدارها الناشط السياسي باسم الحاج، كان الدكتور معين عبد الملك المدرس بجامعة ذمار الذي رأى أن مؤتمر القاهرة كان بداية لطرح أكثر منهجية لمطالب الثورة الشبابية في الساحات، وغلب عليه الطابع التحليلي للواقع، حيث "الثورات تأخذ وقتاً طويلاً حتى تقوم بتحويل المجتمع إلى فضاء ديمقراطي، وفي اليمن ثمة ثورة ضاربة في عمق المجتمع الذي لديه نسبة عالية من الأمية والفقر اللذان يمكن استغلالهما لخلق تبار مضاد للثورة". وقارن بين مستويات رفض المبادرة الخليجية والانتخابات الرئاسية المبكرة من حيث مواقع القوى الرافضة، فالحراكيون يرفضونها لعدم معالجتها للقضية الجنوبية، والشباب يرفضونها لأنها بحسب رأيهم التفاف على ثورتهم، لكنه يرى أن الانتخابات ضرورة للخروج بالبلد نحو الدولة الديمقراطية خلال عامين، فاليمن ليست تونس ولا مصر، لديها صراعات داخلية أنتجت ثورة احترمها العالم أجمع. ودعا الشباب إلى اختيار ممثليهم في الهيئات والنقابات المختلفة، وعدم خوض صراعات عنيفة مع القوى السياسية خلال الفترة المقبلة، والاكتفاء بالصراعات الناعمة ومرن، حتى لا يؤدي هذا الصراع –بحسب رأيه- إلى إعادة إنتاج القوى التقليدية لنفسها بفعل قوتها وقدرتها على الاستفراد والإقصاء. وفي الندوة التي قرأ فيها مطهر البذيجي وثيقة القاهرة التي صدرت في الجلسة الختامية لأعمال المؤتمر الوطني "اليمن إلى أين؟ نحو رؤية معاصرة لبناء اليمن الجديد" الذي عُقد خلال الفترة من 23، 24 يناير الماضي..ختم الدكتور معين حديثه بالدعوة إلى صياغة استراتيجية لاستمرارية الثورة، وإنتاج دستور يمثل ثقافة وليس وثيقة مكتوبة.