الدولة العميقة ومن يدعمها هدفهم إضعاف الإنتقالي والمكاسب الجنوبية    اعضاء مجلس السابع من ابريل لا خوف عليهم ويعيشون في مأمن من تقلبات الدهر    تحميل لملس والوليدي إنهيار خدمة كهرباء عدن مغالطة مفضوحة    وصمة عار في جبين كل مسئول.. اخراج المرضى من أسرتهم إلى ساحات مستشفى الصداقة    بن عيدان يمنع تدمير أنبوب نفط شبوة وخصخصة قطاع s4 النفطي    بريطانيا تُفجر قنبلة: هل الأمم المتحدة تدعم الحوثيين سراً؟    بيان عاجل لإدارة أمن عدن بشأن الاحتجاجات الغاضبة والمدرعات تطارد المحتجين (فيديو)    برشلونة يرقص على أنغام سوسيداد ويستعيد وصافة الليغا!    أسرارٌ خفية وراء آية الكرسي قبل النوم تُذهلك!    متهم بقتل زوجته لتقديمها قربانا للجن يكشف مفاجأة أمام المحكمة حول سبب اعترافه (صورة)    استعدادات حوثية للاستيلاء على 4 مليار دولار من ودائع المواطنين في البنوك بصنعاء    لاعب منتخب الشباب السابق الدبعي يؤكد تكريم نجوم الرياضة وأجب وأستحقاق وليس هبه !    ليفربول يسقط في فخ التعادل امام استون فيلا    إنجاز يمني تاريخي لطفلة يمنية    "نكل بالحوثيين وادخل الرعب في قلوبهم"..الوية العمالقة تشيد ببطل يمني قتل 20 حوثيا لوحده    جريمة قتل تهز عدن: قوات الأمن تحاصر منزل المتهم    سيف العدالة يرتفع: قصاص القاتل يزلزل حضرموت    إشاعات تُلاحق عدن.. لملس يُؤكد: "سنُواصل العمل رغم كل التحديات"    ما معنى الانفصال:    مقتل عنصر حوثي بمواجهات مع مواطنين في إب    برشلونة يتخطى سوسيداد ويخطف وصافة الليغا    اليمن تجدد رفضها لسياسة الانحياز والتستر على مخططات الاحتلال الإسرائيلي    البوم    غروندبرغ يحيط مجلس الأمن من عدن ويعبر عن قلقه إزاء التصعيد الحوثي تجاه مارب    شهداء وجرحى جراء قصف جوي ومدفعي إسرائيلي على شمالي قطاع غزة    انخفاض أسعار الذهب إلى 2354.77 دولار للأوقية    السفيرة الفرنسية: علينا التعامل مع الملف اليمني بتواضع وحذر لأن الوضع معقد للغاية مميز    السعودية: هل يرد رونالدو صفعة الديربي لميتروفيتش؟    مباحثات يمنية - روسية لمناقشة المشاريع الروسية في اليمن وإعادة تشغيلها    الامم المتحدة: 30 ألف حالة كوليرا في اليمن وتوقعات ان تصل الى ربع مليون بحلول سبتمبر مميز    الاكاديمية العربية للعلوم الادارية تكرم «كاك بنك» كونه احد الرعاة الرئيسين للملتقى الاول للموارد البشرية والتدريب    احتجاز عشرات الشاحنات في منفذ مستحدث جنوب غربي اليمن وفرض جبايات خيالية    صراع الكبار النووي المميت من أوكرانيا لباب المندب (1-3)    من أراد الخلافة يقيمها في بلده: ألمانيا تهدد بسحب الجنسية من إخوان المسلمين    دموع ''صنعاء القديمة''    فريق مركز الملك سلمان للإغاثة يتفقد سير العمل في بناء 50 وحدة سكنية بمديرية المسيلة    في افتتاح مسجد السيدة زينب.. السيسي: أهل بيت الرسول وجدوا الأمن والأمان بمصر(صور)    ماذا يحدث في عدن؟؟ اندلاع مظاهرات غاضبة وإغلاق شوارع ومداخل ومخارج المدينة.. وأعمدة الدخان تتصاعد في سماء المدينة (صور)    احذر.. هذه التغيرات في قدميك تدل على مشاكل بالكبد    تشافي: أخطأت في هذا الأمر.. ومصيرنا بأيدينا    ميلان يكمل عقد رباعي السوبر الإيطالي    هل تعاني من الهم والكرب؟ إليك مفتاح الفرج في صلاةٍ مُهملة بالليل!    رسميًا: تأكد غياب بطل السباحة التونسي أيوب الحفناوي عن أولمبياد باريس 2024 بسبب الإصابة.    رسالة صوتية حزينة لنجل الرئيس الراحل أحمد علي عبدالله صالح وهذا ما ورد فيها    تحرير وشيك وتضحيات جسام: أبطال العمالقة ودرع الوطن يُواصلون زحفهم نحو تحرير اليمن من براثن الحوثيين    اشتراكي المضاربة يعقد اجتماعه الدوري    وزير المياه والبيئة يزور محمية خور عميرة بمحافظة لحج مميز    بدء اعمال مخيّم المشروع الطبي التطوعي لجراحة المفاصل ومضاعفات الكسور بهيئة مستشفى سيئون    المركز الوطني لعلاج الأورام حضرموت الوادي والصحراء يحتفل باليوم العالمي للتمريض ..    وفاة أربع فتيات من أسرة واحدة غرقا في محافظة إب    أفضل دعاء يغفر الذنوب ولو كانت كالجبال.. ردده الآن يقضى حوائجك ويرزقك    بالفيديو...باحث : حليب الإبل يوجد به إنسولين ولا يرفع السكر ويغني عن الأطعمة الأخرى لمدة شهرين!    هل استخدام الجوال يُضعف النظر؟.. استشاري سعودي يجيب    قل المهرة والفراغ يدفع السفراء الغربيون للقاءات مع اليمنيين    مثقفون يطالبون سلطتي صنعاء وعدن بتحمل مسؤوليتها تجاه الشاعر الجند    هناك في العرب هشام بن عمرو !    بسمة ربانية تغادرنا    قارورة البيرة اولاً    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدكتور السقاف: حرب 94 صُمِّمَتْ على أساس إلغاء الوجود السياسي للجنوب وأساءتْ إلى هُويّة الإنسان
نشر في الاشتراكي نت يوم 22 - 05 - 2013

قال الدكتور عبد الرحمن عمر السقاف عضو الامانة العامة للحزب الاشتراكي اليمني عضو مؤتمر الحوار الوطني أن من مساوئ حرب صيف 94م، أنها صُمِّمَتْ على أساس إلغاء الوجود السياسي للجنوب واتُخِذَتْ الكثير من الإجراءات التي يقف في مقدمتها إخراج شريك تحقيق الوحدة الذي هو الحزب الاشتراكي من السلطة من أجل إلغاء اتفاقيات الوحدة، لأنّ الحزب حينها كان هو ممثل الوجود السياسي للجنوب.
وأضاف السقاف في حوار أجرته صحيفة الثورة الرسمية معه أن الحزب الاشتراكي في رؤيته التي قدّمها لمؤتمر الحوار الوطني الشامل في فريق القضية الجنوبية والمُتعلق في ما هي جذور القضية الجنوبية أشار إلى أنّ الوحدة تحققتْ بطريقة استعجاليه، وأنّ اتفاقيات الوحدة لم تتناول وتُجسِّد وتُبقي على نقاط القوة التي كان يمتلكها الجنوب وعلى مزاياه، سواء في الجغرافيا السياسية أو في المجال الاقتصادي والمزايا الحقوقية التي كانت للمواطن في الجنوب ومزايا سيادة القانون الذي كان سائداً في الجنوب.
وتحدث السقاف حول مُجمَل ما يمر به الوطن وما رافقَ الوحدة منذ قيامها.. فإلى الحوار:
حاوَرَهُ/ فايز محيي الدين البخاري
23 عاماً من عمر دولة الوحدة، كيف تقرأها؟
- الوحدة في اليمن هي صيرورة سياسية تاريخية تمّت بأشكال مختلفة ولم تأخذ شكلاً واحداً مستقراً، ثمَّ إنّها لم تشتمل على الجغرافيا اليمنية كلها، ومن هنا ففهم الوحدة وحصرها في هذا البُعد السياسي فقط يظلم تاريخ اليمنيين ككل، وأنت تلاحظ حتى التركيب الجغرافي لليمن، لو أخذتَهُ بصفة شمال وجنوب، فستجد أنّ الطبيعة الجغرافية في اليمن تكاملية بين مختلف أجزائه وبالذات الشمالية والجنوبية، وخير مثال على ذلك الأمطار التي تهطل في المرتفعات الشمالية بعد تبخرها من مياه البحار في الجنوب والشرق والغرب ثم تعود سيولاً نحو الجنوب والغرب والشرق، فحتى الطبيعة الجغرافية في اليمن طبيعة تكاملية، والجغرافيا حتى في الأزمنة السابقة كانت تتحكم بمعاش الناس وتاريخهم، وهذا صنعَ نوعاً من التداخل بين مختلف المناطق اليمنية وأسّسَ لوحدة ذات طابع ثقافي حضاري، لكن مشى تاريخ اليمن فيما بعد في تطوره السياسي إلى حالة من جغرافيا سياسية، ولم تكن هناك دولة سيطرتْ على كل اليمن الطبيعي، ولو نظرت في الدول التي نشأتْ حتى في العصر الإسلامي ستجد أنها كانت متعددة.
ولكن هناك دولا قبل الإسلام حكمت اليمن الطبيعي من ظفار شرقاً وحتى مدينة الطائف شمالاً كما كان في عهد أسعد الكامل؟
- كانت موجودة تأخذ أشكالاً تحالفية، حتى طبيعة التطور التقني والحضاري لا تسمح بسيطرة المركز الواحد لعدم وجود طرق المواصلات والسيارات كما هو الآن فإذا ما حدثتْ مشكلة يكون التواصل بسهولة، فالوحدة كانت معنوية أكثر من كونها تجسيداً ماديَّاً لشكل دولة.
والمهم في الحالتين أنّ كل تلك الدول نشأت وهي تأخذ في مساحتها التكوينية أجزاء من الشمال وأجزاء من الجنوب.
ومع الزمن ومع دخول العصر الاستعماري والرأسمالي نشأتْ جغرافيتان سياسيتان تحددت بموجبهما حدود للشمال وحدود للجنوب بواسطة الاحتلال العثماني في الشمال والاحتلال البريطاني في الجنوب، وهم المسؤولون عن هذه الحدود.
فمن ناحية الجغرافيا السياسية لا تستطيع أن تقول إنّ الشمال والجنوب كانا واحداً، ووجود الجغرافيتين السياسيتين شمالاً وجنوباً حتى قبل قيام ثورتي سبتمبر وأكتوبر عامي 62م و63م خلَقَ تمايُزاً في الثقافة السياسية المعاصرة بين المجتمعين أو الشعبين اللذين كانا موجوديْن.
وحين جاءت الوحدة في فترةٍ كان العالم يتشكّل من جديد نتيجة لانتهاء الحرب الباردة وسقوط المعسكر الشرقي، ومع انتهاء الحرب الباردة عادت كل أُمّة إلى تاريخها الخاص كما حصل في يوغسلافيا التي تمزقت إلى دويلات حسب تاريخها الوطني الخاص وثقافتها وقوميتها.
وهكذا فعندما تحققت الوحدة اليمنية فإنّما عادَ اليمنيون إلى تاريخهم الخاص ولم يكن في الأمر غرابة، وتجسّدتْ في شكل دولة واحدة وبمضمون فكري وسياسي لدى النخبة الحاكمة متناقض بشدة، وهذا لم يساعد على الاستيعاب، إلى جانب مشروع خاص كان موجودا لدى النُخَب في الشمال مؤسسا على ثقافة وذهنية ترى نفسها المركز، وبقية المناطق أطراف تُضَمُّ للمركز.
وهذا مخالف للتاريخ نهائياً، لأنه لم يكن الجنوب في يوم من الأيام جزءاً من الشمال سياسياً ولا الشمال جزءاً من الجنوب سياسياً، الوحدة السياسية تحققت في 1990م وتحولت اليمن إلى جغرافيا سياسية واحدة.
الأخذ بالأفضل
وهل المعضلة الرئيسية التي رافقت قيام دولة الوحدة هي اعتبار بعض النخب في صنعاء أنّهم الأصل والجنوب هو الفرع الذي عاد لأصله؟
- هذه واحدة من المشكلات، لأنّ في ضوئها لم تبقَ ذهنية ولكن انتقلت إلى أبعاد عملية.
وما مساوئ هذه الذهنية؟
- مساوئها أنّها أنتجتْ حرب صيف 94م، وهذه الحرب صُمِّمَتْ أولاً على أساس إلغاء الوجود السياسي للجنوب واتُخِذَتْ الكثير من الإجراءات التي يقف في مقدمتها إخراج شريك تحقيق الوحدة الذي هو الحزب الاشتراكي من السلطة من أجل إلغاء اتفاقيات الوحدة، لأنّ الحزب حينها كان هو ممثل الوجود السياسي للجنوب.
والهدف الثاني كان هو إلغاء أي شكل من أشكال الدولة القديمة وأي تجسيدات معنوية أو مادية كانت تمثلها تلك الدولة، وبالتالي تم ضرب الجيش وإلغاء القوانين التي كانت نافذة في الجنوب وإخراج الجنوبيين من المراكز الحساسة في الجيش والدولة ككل.
والهدف الثالث كان ضرب الهُويّة السياسية الوطنية المُعاصرة للجنوب وأي ارتباطات بالعصر موجودة في الجنوب.
على ذكرِ الشراكة أنا أعرف أنّه كان من الأساسيات في اتفاقية الوحدة أنْ يتم الأخذ بأفضل ما في النظامين والدولتين، حسب علمك ما الذي أخذته دولة الوحدة من الجنوب؟
- هذا كان مجرّد مبدأ نظري لم يناقش ولم يُبحَث بشكل جيّد حتى يقولوا ما هو الأفضل في الشمال وما هو الأفضل في الجنوب، أنْ تقول مُجرّد أفضل دون أنْ تُجسِّدهُ وتبلورهُ في اتفاق مُعيَّن وتحولهُ إلى إجراءات عملية وتبلّغ بها الشعب حتى يُحصِّنها فذلك ليس مُجدياً، ولكن الكل سكت عن تحديد ما هو الأفضل.
إذاً فقد كان التقصير هنا يشمل أيضاً الحزب الاشتراكي الذي سَكَتَ عن ذلك المبدأ في الوقت الذي كان يتوق كل المواطنين في الشمال إلى دولة النظام والقانون التي كانتْ سائدة في الجنوب؟
- نحن في رؤيتنا التي قدّمناها لمؤتمر الحوار الوطني الشامل في فريق القضية الجنوبية والمُتعلق في ما هي جذور القضية الجنوبية أشرنا إلى أنّ الوحدة تحققتْ بطريقة استعجالية، وهذا كان واحداً من الأسباب، النقطة الثانية أشرنا إلى أنّ اتفاقيات الوحدة لم تتناول وتُجسِّد وتُبقي على نقاط القوة التي كان يمتلكها الجنوب وعلى مزاياه، سواء في الجغرافيا السياسية أو في المجال الاقتصادي والمزايا الحقوقية التي كانت للمواطن في الجنوب ومزايا سيادة القانون الذي كان سائداً في الجنوب.
هذه الحالة الاستعجالية أنا شخصيّاً لا أُبرِّئُ منها أي طرف من طرفيْ تحقيق الوحدة.
إذاً على ذلك فقد أخطأَ المؤتمر الشعبي والاشتراكي، وهي حقيقة، لكن هناك مَن يقول من داخل البيت الجنوبي أنّ البيض لوحده يتحمّل عواقب تلك العجلة بدليل أنّ الغالبية داخل الحزب الاشتراكي كانت مع الوحدة التدريجية أو على شكل فيدرالية؟
- الذي تقوله أنتَ هو صحيح الآن لكن ممكن تُثبته في المقابلة بدون تعليق من قبلي.
أمّا بالنسبة للحالة الاستعجالية التي تمت في تحقيق الوحدة بين الشمال والجنوب فهي لم تكن لدوافع وأسباب اقتصادية كما تمَّ الترويج له بأنَّ الجنوب كان سينهار أو الشمال إذا لم تتم الوحدة آنذاك، فهذا غير صحيح.
أضفْ إلى ذلك أنّ الوحدة الاستعجالية لم تكن تعبِّر عن أنّ هناك تدخُّلاً دولياً من أجل فرض الوحدة، وثمّة بُعد ثالث يتعلّق بالأوضاع الصراعية السلطوية داخل الشطرين حينها، وربما هي التي عجّلت بإسراع كل طرف إلى توقيع الوحدة ممثّلاً بأشخاص أكثر من كونه ممثَّلاً بمؤسسات.
هناك من يقول من داخل الحزب الاشتراكي أنّ المسئولية تقع على البيض وحده لأنّه سارعَ للارتماء في أحضان الوحدة دون تريث كنوع من الهروب للأمام بسبب أنّه كان في تلك الفترة مُهمَّشاً مِن قِبَل رفاقه داخل الحزب الاشتراكي؟
- أنا في الحقيقة لم يكن لديَّ حينها هذا المستوى القيادي في الحزب الاشتراكي وكانتْ عضويّتي تكاد تكون في مستوى المُنظّمة الحزبيّة القاعدية ولم يكن لديَّ حضور يسمح لي بالاطلاع على هذه التفاصيل.
حين نناقش حدثاً أو موقفاً تاريخياً ليس إلّا بحثاً عن الحلول الكفيلة بمعالجته وليس لنكئ الجراح أو تحميل طرف أو شخص بعينه، وعليه أسألُكَ الآن ما السُبُل الكفيلة لمعالجة الواقع الذي نعيشه اليوم؟
- معالجة هذا الوضع يتطلّب معرفة ماذا جرى في البلاد من 94م وحتى اليوم، الذي جرى كان عميقاً وكبيراً لسبب أنّه تم خلال هذه الفترة محو الوجود السياسي للجنوب وطمس هُويّته المعاصرة، وتم كذلك السعي إلى إنعاش المجتمع القديم الذي كان سائداً قبل ثورة 14 أكتوبر عام 1963م، وهو مجتمع كان فيه الجنوبُ مُفرَّقَاً إلى سلطنات ومشيخات قبل توحيدها وإلى تعبيرات انتمائية قبلية ومناطقية.
تمّتْ محاولات مثل هذه وتم إفراغ الجنوب من سُلطات الدولة بحيث وُجِدَتْ أشكال أُخرى مُعبِّرة عن نفسها سياسياً تملأ ذلك الفراغ كما حصل في أبين حين تواجدت القاعدة وحكمت فترة أجزاء من المحافظة، وهذا كان أكبر تعبير عن غياب سُلُطة الدولة.
إذاً فالمطلوب لإصلاح هذا الوضع هو تغيير بُنيوي كامل للبلاد وليس إجراءات إصلاحية فقد تجاوزنا هذا الأمر.
ولكن المواطن الجنوبي الآن يُحمِّل الوحدة كل الأخطاء بعد أنْ افتقدَ الدواء والتطبيب والتعليم المجاني وتوفير السكن والمأكل وغيره من الأشياء التي هي أساسيات الحياة الكريمة، ويحتاج لخطوات ملموسة تُعيد له كل سُبُل العيش الكريم، فما الحل؟
- الوحدة هي تعبير سياسي يتجسَّد بتعبيرات مادية، أنتَ حينما دخلتَ الوحدة في 22 مايو عام 1990م واستمرّتْ الوحدة قبل الحرب إلى سنة 1993م كان للجنوب وجود بشراكة ونديّة، فلابُدَّ الآن من البحث في الطُرق والوسائل التي بإمكانِها إعادة الجنوب إلى هذا الوضع من الشراكة، لأنّ القضية تجاوزتْ كونها مُجرّد قضايا تفصيلية تتعلّق بتفاصيل الحياة المعيشية اليومية، المسألة ليستْ هكذا، لأنّ الناس الآن ينظرون إلى الأمر ليس من زاوية يأكلون ويشربون فقط، لكن ينظرون للأمر من زاوية إنّهم يجب أنْ يشاركوا في القرار والسياسة والسُلطة والثروة وإعادة إنتاجها، وهذا يحتاج إلى تغيير بنيوي كامل، ومن ضمن هذه التغييرات البُنيوية أنّ السيطرة على البلاد يجب أنْ لا تكون بيد منطقة واحدة فقط أو قبيلة أو أُسرة، فهذا ما صنعَ المشكلة.
والجنوبيون شعروا بالظلم حين وجدوا أنّهم همّشوا لصالح أُسرة ومنطقة فيما هم مشاركون ب65% من مساحة دولة الوحدة وبالتالي يجب أنْ لا يُصبحوا صِفرا! وآخرون يُنتجون ثرواتهم من هذه المساحة ويغتنون والمواطن الجنوبي يراها أمامه ويفتقر! في هذه الحالة لا يكون الحل إلّا بتغيير البُنية كاملةً.
أوافقك الرأي بضرورة تغيير البُنية، لكن برأيك هل الوسيلة لتحقيق ذلك تكون الفيدرالية أم الحُكم المحلي كامل الصلاحيات؟
- الأهداف التي تطرحها فصائل الحراك قائمة على التالي : أولاً: يُريدون السيطرة على المساحة التي كانوا عليها قبل الوحدة وعلى ما تنتجه هذه المساحة من الموارد، ثانياً: يريدون أن يحكم الجنوب نفسه بنفسه، وثالثاً: يريدون أنْ يجسِّدوا ويعبّروا عن ثقافتهم السياسية المعاصرة دون أي تدخُّل.
إذاً المشكلة التي أراها أنا الآن أنهم يبدأون بوضع العربة قبل الحصان، يعني يقول لك : فيدرالية أو غير فيدرالية، والسؤال هو : إذا كانت هذه هي المطالب الأساسية للحراك، والحراك حي ومؤثِّر وفي نفس الوقت هي مطالب حقة، إذاً ما هو الشكل المناسب الذي يُتيح مثل هذا؟ بالمقابل تأخذ البُعد التاريخي لليمنيين وتعطي حق المواطنة المتساوية لليمنيين في كل مكان.
هذا الطرح الذي يجب مناقشته، لأنّه لابُدَّ بالأوّل من الاعتراف بأنّ هذا من حق هؤلاء الناس.
هذا شيءٌ مُسلَّمٌ به، فقط أنا أسأل ما الوسيلة الفاعلة لتحقيق ذلك؟
- طالما أنتَ سلّمتَ بها - أعني الطرف الآخر- لنتناقش دون إغفال الوشائج التاريخية بين اليمنيين ويكون ضمن هذا كله لليمني من أي مكان كان حق المواطنة في أي مكان في اليمن، إذاً السؤال : ما هي الطريقة أو الشكل المناسب لتحقيق هذا؟
ما وجهة نظرك أنتَ للحل؟
- لا أريد الإدلاء بوجهة نظر وأنا مُشارك في مؤتمر الحوار الوطني الشامل ولا أريد أنْ أفرض رأيا مُعيَّنا عندما أقوله الآن، لكن مضمون المسألة أو مضمون الحل هو أنْ يحقق ذلك، في مؤتمر الحوار تأتي مجموعة أفكار من زوايا مختلفة، وهذه الميزة أعطتْ الكثيرين قناعة بأنّ موضوعات الحياة تحتمل النظر إليها من أكثر من زاوية، وبالتالي يجب أنْ نقبل بعضنا البعض، هذه حقيقة موجودة دعونا ننظر إليها من أكثر من زاوية ونبحث إلى أين سنصل بها.
وهل القضية الجنوبية بما وصَلَتْ إليه اليوم فقط محصورة أسبابها بما حصلَ من اختلالات بعد الوحدة؟ أم هناك للصراعات التي حصلَت داخل البيت الجنوبي نفسه قبل الوحدة أثر فيما وصلَتْ إليه اليوم؟
- إذا أخذنا التاريخ المعاصر للدولة اليمنية سنجده يبدأ من عام 1962م في الشمال بعد الإطاحة بالإمامة، وفي الجنوب عام 1967م بعد جلاء الاستعمار البريطاني، وعمليّاً بدأَ التحضير لإنشائها في عام 1963م مع اندلاع ثورة 14 أكتوبر، وكانت الدولتان قد نشأتْ في ظل نظام عالمي يقوم على معسكرين شرقي وغربي لهما رؤية إيديولوجية مختلفة، وكان لهذا تأثير على كل بُلدان العالم الثالث وليس فقط على الجنوب! البعض يصوِّر الأمر وكأنّ هذا الأمر في الجنوب فقط، كثيرون للأسف لا يناقشون هذا النوع من الصراع الدولي وأثره في الصراع بين دولتي اليمن حينها، بل وداخل كل شطر أيضاً كان هناك صراع من هذا النوع، إذاً فتصوير إنّ الصراعات فقط كانت في الجنوب وهي التي أثّرتْ على الوضع اليوم وأنّ الشمال كان سليماً ومُعافى، هذا ليس صحيحاً ومُجافٍ للحقيقة، وبالتالي لا يمكن أنْ يؤدي إلى حلول منطقية طالما وهذا هو المُرتَكَز للرؤية.
المشكلة الجنوبية بدأتْ داخل دولة الوحدة، وعلينا أنْ نعالجها من هذا المنظور.
هناك إجماع شمالي على ضرورة معالجة قضية الجنوب في الوقت الذي تتفاقم ضد أبناء الشمال الكراهية والدعوة إلى طردهم ومضايقتهم وقتل بعضهم بدعم وتمويل مِن قيادات تاريخية كانت يوماً ما على رأس الحزب الاشتراكي ومع ذلك يصمت الحزب عن إدانة تلك القيادات وتلك الكراهية الممنهجة وهو صاحب الباع الأطول في تحقيق الوحدة وقد بلغ به الإيمان بها إلى محاولة فرضها بالقوة عن طريق دعم الجبهة الوطنية في الشمال؟
- أولاً لا أتفق معك في أنّ الحزب الاشتراكي جرّبَ فرض الوحدة بالقوّة، الصراع الذي جرى بين الجبهة والنظام في صنعاء هو لأسباب داخلية بحتة، فقد شعرَ أعضاء الجبهة أنّهم مقصيين عن الشراكة في السُلْطَة.
ولكن شعارات الجبهة كانت ترفع مطلب الوحدة بالدرجة الأساس والحزب الاشتراكي يدعم؟
- كل دولة دعمَتْ المعارضة في الشطر الآخر، مثلاً في الأيّام الأولى لاستقلال الجنوب تمَّ تسميم الآبار في شبوة وقتل المواشي ومطاردة المدرسين وقتلهم بواسطة الجماعة التي لجأتْ إلى الشمال وكانت تُدعم من حكومة الشمال.
أوافقك في أنّ الحكومتين في شطري اليمن سابقاً دعمَتْ كل واحدة منهما المعارضة ضد الأُخرى، ولكن أليس من واجب الحزب الاشتراكي التبرّؤ من تلك القيادات التي تنادي بتمزيق وطن دون الاصغاء لداعي العقل في حل المشكلات في إطار البيت الواحد؟
- أولاً أنا لا أُحب مناقشة الأمور بهذه الصيغة لأنها تجتزئ المسألة بينما الأفضل هو الرؤية بشكل كامل.
بعد حرب صيف 94م أدان الحزب الاشتراكي اليمني الحرب والانفصال، وهذه الإدانة تؤكِّد الوحدة اليمنية من ناحية وتؤكِّد بُعدها السلمي من ناحية أُخرى، بعد ذلك استمرّتْ السُلطة في اتخاذ الإجراءات لاستكمال مشروعها الذي بدأته في حرب 94م والذي يتمثّل في إلغاء الوجود السياسي للجنوب فبدأتْ بضرب الحزب ومصادرة أمواله ووثائقه والسطو على مقرّاته، فنشأَ داخل الحزب تيّار يُنادي بإصلاح مسار الوحدة والعودة إلى وثيقة العهد والاتفاق، ولكن رفضَ تحالف الحرب ذلك باعتباره المنتصر وليس مفروضاً عليه السماع من مهزوم!
ورحِمَ اللهُ البردُّني وهو يُجسِّد ذلك بقوله :
وأقبحُ النصرِ نصرُ الأقوياءِ بلا
فهمٍ سوى فهمِ كم باعوا وكم كسبوا
فهذه الحرب لم تكن لأجل مشروع وطني أو لصناعة نظام ليبرالي على نقيض الاشتراكية التي كانت الدولة تمليها أو شيء من هذا القبيل.
بعد ذلك بدأَ الحراك الجنوبي عام 2007م بالمطالبة بمسائل حقوقية وإذا بصحف تحالف حرب 94م توصِّف هذه الحركة التي بدأَ بها الحراك بأنّها حركة انفصالية دون أنْ يكون هناك أي ذكر لعملية الانفصال فيها.
وهل التوصيف للحراك الجنوبي بأنّه انفصالي أو عدم الاستجابة لمطالبه الحقوقية مسوِّغ لمَن يرفعون اليوم شعار فك الارتباط للتخلِّي عن هُويّتهم اليمنية والقول بأنّهم من الجنوب العربي مع أنّ كل حقائق التاريخ لا تدل على وجود مثل هذه التسمية؟
- سأقول لكَ شيئاً، أنتَ لا تستطيع الآن أنْ تتحدث بالطريقة التي يمكن أنْ يتحدّث بها الجريح، أنتَ تتحدث من موقع آخر وترى الأمور بطريقة مختلفة، لكن الجريح الواقع فيه الجرح يتأزم، وحرب 94م عندما بدأتْ أوّل شيء قامتْ به أنّها أساءتْ إلى هُويّة الإنسان في الجنوب، ومن ضمن هذه الإساءات محو تاريخه السياسي ونضالاته، ولاحظ معي عندما يكون متحف لبوزة داخله الصور والوثائق التي توثق لثورة 14 أكتوبر ولنشأة الجنوب الجديد فتأتي القوات العسكرية التي جاءت من الشمال وحوّلتْ هذا المتحف إلى مطبخ، فتصوّرْ كم يجرحك هذا وكم يشعرك بأنّ الإساءة إليك قد بلغَتْ مبلَغاً مسَّ كرامَتَك الشخصية، وبالتالي يُسمّى الحراك الجنوبي ب (ثورة الكرامة) قبل أنْ يكون ثورة سياسية أو مطلبية أو حقوقية.
أتفقُ معكَ في كل ما قلتَهُ، لكن هناك دولا انفصلَت عن بعضها ولا تزال تحتفظ بهويتها مثل كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية، ومؤخراً دولة جنوب السودان التي انفصَلَتْ عن السودان ومع اختلافهما بالعِرقية والديانة واللغة إلّا أنّها ظلّتْ متمسكة بهويتها وانتسبتْ بالتسمية للسودان، فكيف يتخلّى الحراك الجنوبي عن هُويّته اليمنية بهذه السهولة؟
- لا لا، اسمح لي هذه المناقشات يمكن واحد يسميها السفسطة، لماذا؟ أنْ تقارن بين شيئين ليس بينهما أي تشابه، هذا واحد، اثنان : أنْ تُطبِّق مفاهيم لزمن لا تنطبق على زمن سابق.
وبالنسبة لجنوب السودان هو يعتبر نفسه الأصل بحكم أنه في إفريقيا، وبالتالي فأولئك في الشمال هم عرب أتوا من شبه الجزيرة العربية وليسوا أصلاً، وهنا تحصل السفسطة التي أشرتُ إليها.
وأنا أقصد أنّه عندما تجرح الإنسان في هُويّته فإنّه يرتد، لكن هذه في رأيي ليستْ ثقافة الجنوبيين، لأنّهم تثقفوا على الانتماء إلى اليمن وعلى الوحدة، وهذه ليستْ أكثر من ردّة فعل تعيد الاعتبار إليهم.
على ذكر حرب صيف 1994م والتحالف الذي كان فيها وتصوير بعض الجنوبيين بأنّ الشمال اجتاح الجنوب من خلالها رغم أنّ الكثير من القوى الجنوبية انخرطَتْ فيها إلى جانب قوات الشرعية كما كانتْ تُسمَّى، بالله عليك هل كانت حرب 94م حربا جغرافية، أي شمال ضد الجنوب؟
- لا طبعاً، أنا من وجهة نظري لم تكنْ حربا جغرافيا، لكن كيفَ يفهمها الآخرون؟ هذا أمر متروك لهم، أنا كما أخبرتك أرى أنّ تقييم الوحدة يكون في سياق عودة الشعوب إلى تاريخها الخاص، وأنْ تأتي إلى الوحدة بعد سقوط أحد معسكري الحرب الباردة هو ذهاب في اتجاه تاريخك الخاص.
أعود وأسألكَ ماذا كانت حرب 94م؟
- حرب 94م كانت حرب مشاريع صغيرة بدرجة رئيسية، حرب مشاريع صغيرة للنخبة السياسية في الشمال المتنفذة التي تعاملت مع الجنوب بسلوك افتراسي.
لكن القوى المتنفذة في الشمال والجنوب غلّفتها بشعارات ليستْ في الواقع رغم أنّها كانتْ أزمة مع بعضهم البعض؟
- أنا أوصِّف لكَ الأمر بأنها كانت بناءً على مشاريع صغيرة، وهذا ما اكتشفناهُ بعد الثورة الشبابية الشعبية التي جاءت وهمشت الصراع على السلطة الذي كان يأخذ بُعدَاً عائليّاً وتوريثيّاً إلى الصراع من أجل التغيير، وجعلتْ الثورةُ التغييرَ في المتن والصراع على السلطة في الهامش، وهناك مَن يسعى اليوم ليعيد التغيير إلى الهامش وينقل الصراع على السلطة إلى المتن، لكن أشياء كثيرة تغيرتْ والتغيير ماشٍ ولو بصعوبات كبيرة.
برأيكَ لو كانتْ حرب 94م حرباُ مناطقية هل كان يمكن لجيش الشمال أنْ يعبر حتى كيلومتر واحد في أرض الجنوب الذي كان يملك من الجيش والعتاد ما يفوق الذي في الشمال؟
- الجنوبيون ثاروا من أجل مطالب حقوقية عام 2007م، وفي تلك اللحظة مع كل الجروح التي أساءَتْ إلى كرامتهم وبعد 13 عاماً من حرب 94م يجب علينا أنْ نقرأَ هذا الحدث من خلال تلك الوقائع، لكن فيما بعد ونتيجة زيادة التهميش والاستهزاء بمطالبهم لجأَ الجنوبيون إلى تجسيد هُويّتهم، ومِن أبرز أنواع الهُويّة الهادئة التي جسّدوها هي رفع العَلَم.
ياسيّدي إذا كُنتَ تُريد أنْ تهمِّشني وتُقصيني وتطمس هُويّتي وتحوّلني مِن مواطن إلى رعوي وتابع فأنا أعود إلى تجسيد هُويّتي التي أعطتني شخصيّتي فقد كان لي شخصية دولية وإقليمية وجئتُ إلى الوحدة طوعاً، وبالتالي فرفع العلم كان تجسيداً للهُويّة السياسية التي ترفض هذا التهميش.
تيّار فك الارتباط هل يمكن أنْ نلتمس له العُذر بأنّه قد سُدَّتْ أمامه السُبُل ولم يبقَ سوى الانفصال وتمزيق الجسد الواحد بما يترتب عليه من مأسٍ اجتماعية جمّة؟
- هناك حقيقتان لابُدَّ أنْ تأخذهما بعين الاعتبار ومناقشتهما في سياقها : الحقيقة الأولى: أنَّ التاريخ لا يعود إلى الوراء؛ وإنْ وُجِدَتْ متغيرات ستكون متغيرات تتفق وسيْر التاريخ، والحقيقة الثانية : إعادة رسم الخرائط السياسية في أي منطقة من العالم لا تستطيع عليها أي أُمّة عادية من دول العالم الثالث، فهذا يتم لدى الدول الكبرى التي تتنافس وتتصارع على هذا العالم بأكمله.
هذه كلها ترى الأمر بشكل يختلف عن هذه المطالب، مثلاً قد يكون هذا الأمر من مصلحة الدول الكبرى لكنها تنظر إليه في سياق تطور تاريخ هذا البلد وليس من خارجه، إلى جانب أنّهُ يتسق مع مصالحها.
وحين حصلت الوحدة في عام 1990م في ظل انهيار الحرب الباردة كانت هذه الوحدة تعبر عن أنّ اليمن انتقلَ إلى تاريخه الخاص بعيداً عن الصراع الدولي والإيديولوجي والطبقي، مثلما عادتْ ألمانيا بشقيها آنذاك إلى بعضهما البعض ودولتهم الواحدة، لكن بالنسبة لنا لم تكن الوحدة عودة إلى ماضٍ بقدر ما هو اتساق مع المجرى التاريخي إلى المستقبل لليمنيين كلهم، وهذا هو الفارق بيننا وبين الآخرين، ألمانيا كانت عودة لأنها كانت واحدة ثم انقسمتْ، لكنْ اليمن لم تكن واحدة لكنّها مشَتْ في هذا المجرى إلى التوحيد.
نحن إذا عدنا إلى تاريخنا في مجرى تطور مسارنا التاريخي وليس بالعودة إلى الماضي لأنه لم يكن الماضي يعطينا هذا الوضع الواحد.
الآن وأنتَ تشارك في مؤتمر الحوار الوطني كجنوبي واشتراكي هل أنتَ متفائل بأنّه سيوجد حلَّاً عادلاً للقضية الجنوبية وبقية المشكلات التي تعم أرجاء اليمن؟
- أنا متفائل لسببين : الأول: أنّ الحراك السلمي في الجنوب كان يعبر عن نفسه كحدث سياسي غير مألوف خرج عن الأحداث السياسية المألوفة والاعتيادية اليومية وكان يوازي في تواجده وزن تحقق الوحدة اليمنية، لأنّهُ وضعَ الوحدة اليمنية أمام سؤال : استمراريتها من عدم استمراريتها؟
بالمقابل تاريخ الشعب في الشمال مثلاً أعطى وبذلَ للثورة الشبابية الشعبية متأثراً بالمُعطيات التي جاءَ بها الحراك السياسي السلمي في الجنوب، وهذا جرى ضمن وحدة التاريخ الجديد لليمنيين خلال العشرين السنة التي كانت من عمر الوحدة، ووضعَ اليمن أمام سؤال آخر : في ظل التغيير هل تستمر الوحدة أم لا تستمر؟ لكن طالما وُجِدَ التغيير وُجِدَتْ آفاق أُخرى مختلفة عن أُطروحات 94م وما بعدها بشأن الوحدة.
من ناحية ثانية هناك في الأحداث ثلاثة أنواع : الأوّل: حدث سياسي اعتيادي، وهذا يحصل كما كانت أحزاب المشترك والمؤتمر يتفاوضون على قصص انتخابات وعلى قصص النسب، هذا حدث سياسي اعتيادي يومي، وأصبحَ شيئاً مألوفاً.
وهناك الحدث الثاني سياسي غير مألوف، بمعنى أنّهُ يأتي بلاعبين جدد لم يكونوا موجودين، ويجعل اللاعبين القدامى في السياسة يبدأون بالانتباه إلى أنّه ليس في أيديهم اللَّعِب كله.
في اليمن نشأتْ خلال ما بعد الوحدة قوى اجتماعية مدنية نُظِّمَتْ وأُسِّسّتْ في منظمات المجتمع المدني، وتلاحظ أنّ السلطة خاضتْ صراعات مع الصحفيين ومع المحامين وجرتْ أمور في المحاكم إلى الآن، وكان المحامون والصحفيون والمدرسون هم الذين يتصدون للنظام ويُحاكمون ويُعتَقلون، هذه كانت أحداث سياسية غير مألوفة حتى في تاريخ الشطرين.
وهناك حَدَث ثالث الذي هو الحدث التاريخي، وهذا الحدث التاريخي بداياته هو حدث سياسي؛ لكنّهُ يدخل ضمن فضاء تاريخي يجعل ما بعده لا يشبه ما قبله على الاطلاق، وهذان الحدثان اللذان فيهما الحراك السلمي الجنوبي جعلَ السلطة غير قادرة بعد الحراك السلمي أنْ تحكم الجنوب كما كانت تحكمه من قبل، ولمّا جاءتْ الثورة الشبابية الشعبية وتدافعتْ كل المعطيات من الناحيتين لم تعد السلطة قادرة على أنْ تحكم اليمن ككل كما كانت تحكمها، ومن هنا تلاشتْ قبضتها وضعفتْ قوتها، وبالتالي فهذه الأحداث التي جرتْ منذ 2007م واستمرّتْ تراكماتها إلى انفجار 2011م خلال هذه الفترة كلها كانت تضع الأحداث السياسية في فضاء تاريخي، لأنّ اليمن بدأَ يتشكّل بطريقة تغييرية بُنيوية شاملة بحيث تعيد ترتيب القوى وترتيب المصالح بطريقة تختلف تماماً عن ترتيب القوى وترتيب المصالح في ما بعد.
كانت في اليمن كثير من الأشياء تتعرقل لأسباب تتعلق بتنافس صراع دولي أو إقليمي داخل اليمن، وفي نفس الوقت كانت لهم أيديهم بداخل هذا البلد، وبلدنا صار مفتوحاً كما تعلم، لكن هذه المرة اتفقَ مسار تطور تاريخ اليمن إلى الأمام من أجل التغيير مع مصالح المجتمع الدولي، والتقاءُ هاتين النقطتين يعطينا تفاؤلاً كبيراً في نجاح الحوار.
كثيرون أمس ينظرون للحوار من خلال الكتابات وكأنه معزول، فيما هو في الحقيقة جزء من العملية السياسية التي تم إقرارها كمعطى لثورة 2011م، يعني تبديل لمراكز القوى السابقة القوية في السلطة، انتخاب رئيس جديد، تشكيل حكومة وفاق وطني، رئيس له مهام والحكومة لها مهام، بعد هذا معك هيكلة القوات المسلحة، معك الحوار الوطني الذي يمثِّل حضور الشعب في عملية التغيير، هذه كلها موجودة وبعدها ستأتي عمليات انتخابية لانتخاب رئيس جديد وبرلمان جديد، وهذه كلها عمليات مرتبطة ببعضها البعض لا يمكن النظر إليها بمعزل عن بعضها البعض، وهي ليست موجودة بتراتب رأسي بل هي موجودة في تجاور جغرافي، كل ما أنجزت طرفا يؤثر على الآخر ويسهل أمر بهذا الشكل.
من هذه المنطلقات لرؤيتي للأمر فأنا متفائل.
شيء كان في بالكَ كُنتَ تريد الحديث عنه وأنا أغفلتُه؟
- لم أكن أتوقع أنّكَ تسأل هذا كله... (يضحك) ثمَّ يُردِف : أتمنى من وسائل الاعلام المختلفة أنْ لا تركز بالنسبة للحوار الوطني على نصف الكأس الفارغة، وأنْ لا تظل تبحث داخل هذا النصف الفارغ عن الإثارة، يجب أنْ نتحدّث بشكل متوازن، فكل ما قرأتُه مما كُتِبَ عن الحوار الوطني لم أجد فيه تركيزاً على المعطيات التي تعطي للناس الأمل، مثلاً القوى التقليدية القبلية لم تأتِ إلى المؤتمر كممثلة للقبائل، لأنّ القبائل في مفهوم الحوار الوطني هي جزء من الشعب، وبالتالي قياداتها النخبوية السياسية حضرتْ إلى المؤتمر باعتبارها أعضاء في أحزاب، وهذا شيء مضيء يعبر عن تقدم إلى الأمام.
نقطة ثانية مثلاً تم تحييد العسكر عن السياسة، وبالتالي لا يوجد عسكر داخل هذا الحوار بحيث إنهم يهيمنون، وهذه من الصور المشرقة التي لم يُسلِّط عليها أحدٌ الضوء وهي موجودة، وللأسف اكتفوا بتسليط الضوء على فلان أيش قال على فلان، وزعطان ماذا قال عن علان؟
أيضاً مؤتمر الحوار الوطني يشكِّل مُعطىً جديداً بأنّه مؤتمر حواري يقوم على أساس بنائي، على أساس يبني دولة ويبني مجتمعاً جديداً بتصوّرات تُناقَش من قبل ممثلي الشعب بشكل أوسع يختلف تماماً عن المؤتمرات السابقة التي حصلَتْ في اليمن سواء التي حصلتْ في الشمال أو في الجنوب، أو عن المفاوضات السياسية بين طرفين الذين كانوا لا يناقشون إلّا القضايا التي تهمهم أو محل الصراع الآني ويخرجون باتفاق يُسمّى (الصفقة) لكن هنا لا توجد صفقة بل يوجد بناء، وإذا وُجِدَتْ صفقة فهي صفقة مع التاريخ.
هناك بُعد رابع مضيء في هذا المؤتمر ويتمثّل بالعَلَنية التي نقلتْ الجلسات العامة ليراها الشعب بعينه، وعينه تكون رقيباً وفي الوقت نفسه تساعد على تحسين الأداء داخل المؤتمر حيث والبعض يريد أنْ يُظهِر نفسه ويخاطب الآخرين بأي قولٍ من الأقوال، لكنها جعلتْ للشعب حضوراً وأعطته أملا، وفي هذه الفترة استطاعَ رئيسُ الدولة إصدار قرارات الهيكلة في ظل حضور الشعب بشكل كامل.
وهذه كلها مؤشرات إيجابية للمستقبل فلماذا لا نرى بعض مؤشرات من هذا الشكل ونركِّز عليها؟ بمعنى آخر إذا أنتَ لم ترَ ما أنجزتَ فسوف تضيّع ما أنجزتَ، إذا جَهِلتَ الإيجابي الذي فعلتَهُ فسوف تضيّعه لأنّك لم تدركه، والإعلام يجب عليه مساعدة الشعب لإدراك هذه الحقائق، وإدراك هذه الحقائق لدى الشعب يقويه 100%، أيضاً أجندة هذا الحوار تناقش قضايا كانت مناقشتها مِن المحرّمات.
مثل ماذا؟
- مثل أنْ تجد القضيةُ الجنوبية هذه المناقشة الحُرّة، وإدلاء كل ذي رأيٍ برأيهِ دون سقف، ونقل هذا الكلام أيضاً عبر شاشة التلفاز الرسمي ووسائل الإعلام المختلفة.
أيضاً القضايا المتعلقة بالدولة والحريّات والحقوق السياسية، قضايا كيفية بناء الجيش الوطني، والحديث عن الجيش كان من الأشياء التي لا يمكن أنْ تعطي فيها رأياً وهو الآن يُناقش من فئات مجتمعية واسعة، فكيف نحن لا ننظر لمثل هذه الحقائق المضيئة؟!
هذا الحوار يجري بعد حدث تاريخي تغييري كبير امتدّ لأربع سنوات كما أراهُ منذ اندلاع الحراك الجنوبي وتعثر الأوضاع في البلاد الذي شجعَ على قيام الثورة الشبابية الشعبية السلمية، إلى جانب تأثرنا بما جرى في الوطن العربي والزمن الجديد.
ألا ترى معي أنّ من أهم ما يصنع التغيير هو النظام البرلماني والقائمة النسبية، وهما ما كنتم في أحزاب المشترك تؤكِّدون عليهما قبل دخولكم في التسوية السياسية مع المؤتمر الشعبي العام بموجب المبادرة الخليجية، والآن أنا كمواطن أريد أنْ تحققوهما من خلال مؤتمر الحوار وأخشى أنْ تتراجعوا عنهما بعد أنْ خفَتْ صوتكم المنادي بهما؟
- الفرق في ثورات الربيع العربي بين تونس ومصر واليمن إنّ ثورة اليمن سبقتها تراكمات، وأنّها وُجِدَتْ قبلها حركة معارضة متماسكة شكّلَتْ كتلة تاريخية جمعتْ اليمين واليسار بشكل مختلف ونقلوا العمل لمصلحة البلاد من الرؤية الأيديولوجية إلى الرؤية السياسية وهذا قرّبَ المسافة بين أحزاب المعارضة، فلم تعد نظرتك للسياسة على أساس إنّها مصلحة محصورة برؤية معينة، سواء كانت طبقية أو دينية أو شيئا من هذا القبيل.
أعود وأقول لك القائمة النسبية ستضمن عدم انفراد أي حزب بالسلطة وبالتالي يشارك الغالبية في الحكم وتهدأ النفوس ويعملون لمصلحة الوطن، لماذا أغفلتم هذا بعد اشتراككم في الحُكم ولم نعد نسمع أصواتكم التي كانت ترتفع بقوّة متمسكة بها منذ 2007م ورفضتم الدخول في انتخابات 2009م إلّا بموجبها؟
- هي موجودة ضمن بنود الخطوط الرئيسية للدستور التي تناقش النظام الانتخابي، وهذا النظام ليس ذلك النظام الانتخابي الفردي التقليدي، بل الانتقال إلى النظام النسبي، لكن في الوقت نفسه هناك مَن يريد النظام الفردي قياساً على مصالحهم التي اعتادوا عليها، وهذا الموضوع سيكون موضوعاً صراعيّاً ولا بد من تحقيق توازن المصالح داخله.
هناك مَنْ يقول بأنّكم كنتم فقط تزايدون على حزب المؤتمر الشعبي العام بالنظام البرلماني والقائمة النسبية وبعد دخولكم السلطة تراجعتم عنهما ولا تذكرونهما إلّا على استحياء رغم أنهما لصالح الشعب؟
- بالنسبة للحزب الاشتراكي عندما ابتعدَ عن تفسير الواقع بواسطة الإيديولوجية انتقلَ إلى تجسيد المصالح الاجتماعية والوطنية عن طريق السياسة دون التخلِّي عن المبادئ والانحياز للمجتمع، ويمشي اليوم عبر تحويل هذه المبادئ إلى مفردات سياسية تتفق وطبيعة الأوضاع وتحويلها إلى أهداف استراتيجية أو تكتيكية ويمضي بهذا الشكل، فابتعاده عن الإيديولوجيا لا يعني تركه للمواقف المبدئية ذات الطابع الوطني والاجتماعي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.