تسري في أوساط الشارع والبيت اليمني هذه الأيام ما يشبه الحمى الهستيرية مما جعل البعض من مراهقي العبث الحزبي يجزم بأن ما يقوم به من زوبعات إنما هي ممارسات حضارية وتنافس سياسي وترجمة للوعي المغلوط للديمقراطية الفوضوية التي امتلأت نفسه بها وتغذى بها عقله... وهي في الحقيقة ليست أكثر من تربية وتعبئة فاسدة وثقافة متطرفة تجاه الآخر كائناً من كان. وما علم هذا أو ذاك أن «الوطن أكبر منا» وتلك قيمة عظيمة حثّ عليها الدين، ونمت عليها وطنيتنا وحبنا لبلدنا، وعلينا استحضارها ونحن نشرع في ممارسة حقوقنا في الواقع الاجتماعي وعند قيامنا بتحمل أمانة تقييم ونقد الآخرين المتنافس معهم في الساحة حتى لا نلجأ إلى الكذب والتدليس والعبث بوعي وعقول الناس بحجة المنافسة الحزبية والتسابق في إقناع الناخبين، وتلك أعمال لا تمت إلى القيم الأخلاقية الرفيعة بصلة؛ إذ لا مسوغ لاستخدام لغة الحقد والكراهية. ليس الأمر كما نعلم ونعتقد ونمارس استحقاقاتنا الديمقراطية بشكل سلمي ومنافسة أخلاقية قبل أن تكون مصلحية أو ما يطلق عليها السياسيون الجدد بالمنافسة السياسية المشروعة. إن الممارسة المتعقلة والناضجة للحقوق الديمقراطية سواء للأفراد أم الأحزاب لا يمكن أن تنزل إلى مستوى يجعلها أشبه بركض العميان في وادٍ مترامي الأطراف، ويحكمون على ما حولهم بأنها عبارة عن أشياء وأشباح وأن لا شيء حاصل أو موجود يستحق منهم الرؤية، فكان العمى خيراً لهم، وكذلك هي لغة وثقافة الكراهية تجاه الآخرين. زراعة العقد الضارة والخبيثة في وعي الجماهير عمل إجرامي بكل المقاييس؛ لأنه في الحقيقة يفقد اليمنيين الثقة بأنفسهم ويزرع القنوط واليأس في قلوبهم، والإسلام ينهانا عن ذلك، وإذا كان هذا الأمر يمارس في المقايل والملتقيات العامة وفي الطرقات فكيف يربون ويوعون داخل المؤسسات الحزبية والمقرات النائية وفي الجمعيات والمدارس الخاصة والمغلقة. ثمة مظاهر وسلوكيات وأدبيات تصيب الناخبين بالعته وفقدان الثقة والرؤية نظراً لكثافة تلك اللغة السوداوية المستخدمة من قبل المتنافسين في الساحة اليمنية، وتلك مضارات وأمراض ستصيب المجتمع اليمني كله لاحقاً، وستنال منه ومن طاقته التنموية وثقته بقدراته الذاتية وتماسكه ونظامه الديمقراطي ومستقبله، إن لم نتنبه جميعاً لتلك العقد التي تغرس في وعي الناس وتفكيرهم ليتخلوا عن المسئولية وتحمل الأمانة. إن الوطن أهم وأكبر منجزاتنا على الإطلاق، وحمايته من العبث والجنون الحزبي مسئوليتنا جميعاً معشر أهل اليمن، ولنحافظ بصلابة على جسره الديمقراطي الذي يربطنا بالمستقبل الآمن المستقر المتماسك، وأن لا نبث بين الجماهير اليمنية ما يُعرف بثقافة حفاري القبور؛ لأن السحر حتماً سينقلب على الساحر، فشعبنا قد تجاوز تلك المنعرجات وأصبح راشداً وغير ساذج ولا متخلف ولا يقبل الوصاية من أحد.