قد تكون حريات الصحافة والتعبير حقوقاً دستورية لكل وسائل الإعلام، فهل للحكومات حق في تحديد أطر تلك الحريات عندما يكون أمنها القومي معرضاً لتهديد!؟ من واقع تجارب دول الديمقراطيات الراسخة أو كما تسعى كذلك فإن الولاياتالمتحدة أبان حرب الخليج الثانية احتكرت المعلومة الخبرية بالكامل، ومنعت جميع وسائل الإعلام نشر أي خبر عما يدور على جبهات القتال بدون الرجوع إلى قيادة قوات التحالف المشتركة.. إلا أن هذه الدولة المتحررة إلى حد الفوضى وتراشق الرصاص في الشوارع، والاغتصاب على نواصي الأرصفة لم تجد بين آلاف الوسائل الإعلامية صحيفة واحدة تحتج على الاحتكار أو «التأميم» الرسمي للإعلام.. فياترى لماذا استسلم الجميع؟ وماذا لو أتت الحكومة اليمنية بالشيء نفسه في ظروف مماثلة!؟ الأمر برمته مرهون بالأمن القومي الامريكي، وبما يؤكد أن حماية الأمن تتقدم على حماية الديمقراطية والحريات الفردية أو الفئوية والحزبية وغيرها.. وهذا درس يجب أن تتعلمة حكوماتنا العربية التي تنتهج الخط الديمقراطي، لأننا نعلم جميعاً أن الحصانة الديمقراطية التي ظلت بأيدي وسائل الإعلام أبان اشتعال الفتنة في صعدة كانت سبباً في تأجيج الفتنة، وتعقيد المواقف والمواجهات، وبرأيي كان ذلك خطأ رسمياً فلت من تكتيكات المؤسسات المعنية. مناسبة الخوض في هذه القضية هو الوضع الراهن على الساحة اللبنانية، والعدوان الصهيوني على الأمة الذي تسعى اسرائىل إلى توسيع رقعته ليطول سورياً أيضاً.. فخطورة المرحلة تضع جميع القوى الوطنية أمام مسئولية توحيد خطابها الإعلامي، وكبح جماح صحفها من الشطحات والتداول الطائش للمعلومة الخبرية. أمس كان هناك إجماع برلماني يمني معهود على ضرورة دعم نضال وجهاز شعبنا العربي في فلسطين ولبنان.. وترجمت مختلف القوى السياسية في البرلمان لوحة رائعة من التضامن وتوحيد الصف في مواجهة عدو مستهتر بكل القيم والشرائع الدولية والعقائد الدينية.. لكن الذي ينقص هذا الموقف أن تنقل هذه القوى رؤاها إلى وسائل إعلامها، وتصدر تعليمات صارمة إلى إدارات تحرير هذه الوسائل بعدم الخروج عن الثوابت العامة التي التقت عليها تحت سقف مجلس النواب.. بل أيضاً على الدوائر الإعلامية في الأحزاب تبني حملات التعبئة المعنوية، وقيادة مؤسساتها بما يحصن الساحة المحلية من أية دعوات مشبوهة أو مضللة قد تشطح إليها بعض الأقلام. إن خطورة التحدي الراهن يملي على الجميع مسئولية الانتقال إلى خطاب واعٍ، وواضح بعيداً عن حسابات الأمس التي كان الجميع يضعها للموسم الانتخابي، ويشحنها بالانفعالات والمهاترات والمناكفات وغيرها من الأساليب التي يقصدون منها تقليل شأن الخصم، والتقليل مما يمكن أن يأتي به. أمس كانت مختلف القوى السياسية في البرلمان تشيد بموقف القيادة السياسية لليمن، وتشد على أيدي الأخ الرئىس في المضي قدماً بهذا الموقف اليمني المشرف، وتؤكد ضرورة مساندته على الصعيد الشعبي والحزبي.. ومن هنا فإن أولى مقتضيات المساندة هي برمجة اتجاهات التعبئة الإعلامية، ومنع الأقلام الملوثة من تشويه الموقف اليمني، والوقوف بحزم بوجه كل من يحاول تفسير المواجهة مع الكيان الصهيوني على أساس مذهبي، أو مناطقي، أو حزبي أو غير ذلك. ولا شك أن كبح جماح الإعلام من الشطحات غير المسئولة لا بد أن يقوم على أساس محاصرة الخطاب الصهيوني وكتم أصواته من اختراق أوساط الرأي العام المحلي، إلى جانب تعزيز معنويات المواطن بكل نصر تحققه المقاومة، وبكل أمل وثقة بالنفس يجب غرسها في نفوس أبنائنا كي نضمن أنهم لن ينهزموا قبل بدء المعركة.