اليوم.. ندخل الربع الثاني من القرن ال«15» الهجري، على صاحب الهجرة أفضل الصلاة والتسليم.. ومع ذلك ما زلنا نجهل الكثير من أمور حياتنا وعلاقاتنا وسلوكياتنا ومجافاتها للعقيدة الإسلامية وأخلاق الإسلام.. بل إن هناك من يعتقد ويرى أنها جزء لا يتجزأ من أخلاقيات ديننا الإسلامي الحنيف. في الغرب، وأعتقد بل أجزم أن معظمنا يعلم الكثير عن الغرب، والكثير عن طبيعة حياتهم، وكذا علاقاتهم وأخلاقياتهم وسلوكهم.. واحذروا أن تقيسوا تعاملهم مع الآخرين وتحكموا على أخلاقهم، لأن أخلاقهم فيما بينهم ومع أنفسهم صادقة وأمينة، فهم لا يكذبون على بعض، وأمناء في تعاملاتهم، وواضحين «طبعاً الساسة ليسوا كذلك».. إن الذي عاش في الغرب منا وهم كثيرون يعلمون أن مواعيدهم مضبوطة، أمناء في بيعهم وشراهم، يهتمون بالنظافة في الجسد والملبس والمنزل وحول المنزل وفي الشارع وفي مكان العمل، يحافظون على الوقت ويستغلونه، يحترمون القوانين والأنظمة، لا يحكون عن بعضهم بسوء «أي لا ينمّون»، لا يؤذون الجار.. فتصور أنهم في أفراحهم لا يرفعون صوت الموسيقى ولا يرفعون صوت المذياع حتى يخرج عن إطار منزلهم خوفاً من إزعاج الجيران، ولا يضعون مكبرات صوت في الأفراح، يحترمون ويحافظون ويصونون الممتلكات العامة كالحدائق والحمامات والإنارات في الشوارع والمقاعد والطاولات المتوافرة في الحدائق العامة وكبائن التلفون ومكائن المشروبات المثلجة في الأسواق، لا يرمون المخلفات في الأماكن العامة، وإن قضوا فيها وقتاً في فراغهم وإجازاتهم ما إن ينتهوا إلا ويرفعوا مخلفاتهم إلى صناديق القمامة، لا يؤذون شجرة أو زينة، ولا يحدثون ضوضاء، ولا يأتون سلوكاً أو عملاً يعلمون أنه مؤذٍ للبيئة أو الإنسان، حتى سيرهم في الطريق العام كلّ يسير حيث يجب أن يسير ويحرص على عدم عرقلة السير للمشاة أو الراكبين.. إنها حياة مضبوطة ومرتبة ومنظمة ومستقرة لا يرتكب أحد أو يأتي فعلاً يعكر صفوها. حتى الزيارات.. يصعب جداً أن تزور أحداً في بيته أو في عمله دون موعد مسبق، أو أن تعزم نفسك عنده وتفرض نفسك دون عزومة مسبقة.. فحياة الإنسان هناك مخططة ويرفض تماماً أي إخلال بذلك التخطيط من صديق أو قريب.. ويعتبرون الزيارة المفاجئة سلوكاً غير لائق ولا أخلاقي. عندنا على العكس حين ترد الزائر أو ترفض عزومته عندك لنفسه نقول عنك إنك «مش قبيلي»، ونقول «قليل أصل»، ونقول «دون أخلاق»، ونقول «إنك لا تكرم الضيف» كما جاء في الإسلام.. والحقيقة إنهم على الحق ونحن على الباطل.. لأنهم في هذه يعملون بأخلاق الإسلام الذي لا يقبل مثل هذا السلوك.. ففي كتاب الله جاء ما ينهي عن دخول البيت قبل الاستئناس «حتى تستأنسوا..»، والاستئناس هو الإحساس بقبول من تزور لزيارتك.. وطبعاً لا يمكن أن تُستأنس بقبول زيارتك إلا إذا كان مستعداً لاستقبالك.. والاستعداد لا يحدث إلا بموعد سابق.. وأيضاً يجب الاستئذان بالدخول، أي الانتظار حتى تدعى، وعليك أن تنتظر في غير مواجهة الباب، ويجب أن تجلس بعد الإذن لك بالدخول حيث يرى صاحب البيت أن تجلس.. كل هذه من آداب الإسلام، فالإنسان مستور في بيته لا يجب أن تفاجئه بزيارتك، أيضاً ربما تكون ظروفه العائلية غير ملائمة، وقد يكون غير مستعد لاستقبالك لأنه مضطر للخروج لأمر يهمه، كما أنه لم يعمل حساباً بأنك ستعزم نفسك، وما شابه ذلك.. وعليه فالرجل معذور إن رفضك ولم يستقبلك، وهو قبيلي ابن قبيلي، وأصل ابن أصل.. وأنت الذي تفاجئ الناس بزيارتك وتفرض نفسك على الناس دون تقدير ظروفهم وأحوالهم لست سوى متطفل، قوي الطباع، لا تتمتع بأخلاق الإسلام، ولا بالقبيلة والأصول، كما تعتقد في ذلك.. علينا أن نعي ديننا وأخلاقه ونتطبّع بها كي نكون أسوياء.