كان للفساد الإداري انعكاسات خطيرة أثّرت على مجمل أعمال الحكومات السابقة، لذلك جاء برنامج رئيس الجمهورية الانتخابي ليركز على هذا الجانب ، واعتبره من الأولويات ، وجاءت أول نقطة تدعو إلى «الإلتزام بمواعيد محددة لإنجاز معاملات المواطنين بيسر لدى الإدارات الحكومية» كما ركز على « تبسيط وتسهيل المعاملات الخدمية والحكومية بما يعزز بناء الثقة بين المواطن والأجهزة الحكومية» وقد حرص البرنامج على أهمية إنجاز معاملات المواطنين، حتى لا تستغل القوى المتربصة بأمن واستقرار الوطن الوضع المتردي للجهاز الإداري، فتسعى إلى إفساد الموظفين أو استغلال المعاملين المتذمرين، فتدفعهم إلى الإخلال بأداء واجباتهم أو للإضرار بالوطن. وأمامنا اليوم ثلاث مؤسسات، هي رمز لبقية المؤسسات، هذه المؤسسات هي جامعة صنعاء ووزارة الخدمة المدنية والمالية، هذه المؤسسات الثلاث تهدر من وقت اليمن الكثير نتيجة لامتلاكها جهازاً إدارياً عتيقاً غير مؤهل لتنفيذ القرارات التي تتخذ من قبل رؤساء هذه المؤسسات، فهناك تسييرات إدارية متخلفة تبدأ بالجامعة مروراً بالخدمة المدنية وانتهاء بالمالية تأخذ من الوقت حوالي سنة كاملة، ويرجع السبب في ذلك إلى تجزئة المعاملة على مراحل، حيث ترفع الجامعة إلى الخدمة المدنية بمطالبتها بالتسوية أو بإصدار فتوى بالمرتب الجديد، وبعد إجراءات معقدة تستمر بضعة أشهر، ترفع الخدمة المدنية إلى وزارة المالية مطالبة إياها بالتعزيز بالمبالغ المطلوبة، ويقتضي من أستاذ الجامعة أن يقضي بضعة أشهر إضافية في وزارة المالية، فإذا ما انتهى من ذلك، يعود من جديد ومن نقطة الصفر لمتابعة ما يسمى ببدل التحديث، وعندما يستكمل الدائرة يعود من جديد لمتابعة بدل طبيعة عمل. والسؤال الذي يطرح نفسه: لماذا لا تقوم الجامعة بالمطالبة بكل ذلك مرة واحدة؟ ثم لماذا لا تصدر وزارة الخدمة المدنية الفتوى وفق الاستراتيجية التي وضعتها لنفسها ولبقية الوزارات والمؤسسات الأخرى؟ ولماذا لا تقوم المالية بتعزيز الزيادة المطلوبة سنوياً لكل موظف دون مراجعة، طالما القانون الإداري ينص على ذلك؟!. يبدو أن الأمر مقصود من قبل البعض وخاصة الموظفين المختصين الذين ينفذون أجندة خارج استراتيجية الدولة، ولعلنا نلفت انتباه الاخوة رئيس الجامعة ووزير المالية ووزير الخدمة المدنية إلى ضرورة إلغاء نظام العروض المتبعة في تسيير شئون هذه المؤسسات التي مازالت من بقايا النظام العثماني.. فكل صغيرة أو كبيرة يحرر بها الموظف المختص عرضاً ، وطبعاً هذه العروض تخضع للإبتزاز لأن الموظف المختص يحرر العرض وفق رؤيته وليس وفق رؤية القانون ، لأن القانون واضح ولا يحتاج إلى مثل هذه العروض، فالعرض يخضع القانون لرغبة الموظف المختص. لهذه الأسباب وغيرها أعطى البرنامج الانتخابي لرئيس الجمهورية الأولوية للإصلاح الإداري الشامل من أجل أن يدفع بنا لأن نبحث عن المستقبل في إطار هذا الإصلاح الذي ينهض على قاعدة الإنجاز بكامل شروطه وعناصره ، وفي ظل الفجوة القائمة بين رؤساء المؤسسات وبين الموظفين المختصين تحولت الوظيفة وكأنها ملكية مجانية يستغلها الموظفون في حالات كثيرة لجباية الدخل غير المشروع إضافة إلى ذلك، فإن ماهو حاصل يدل على أن الاستراتيجيات تتخذ من دون مراعاة الإمكانات الفعلية، لذا لم تتجه الخطط إلى تصحيح الاختلالات وتنفيذ المهمات الاستراتيجية. إن ما ورد في البرنامج الانتخابي للأخ رئيس الجمهورية يعكس اهتماماً كبيراً في تحرير الوظيفة العامة من البيروقراطية وأدائها المتقاعس وتكاليفها العالية، والبرنامج يدعو إلى تغيير عقلية الموظفين تجاه الوظيفة العامة من شعور بأنها حق مكتسب تمكن من تحقيق مردود مادي إلى أداة للمشاركة في الإنتاجية الوطنية صحيح أن إمكانيات تحويل الجهاز الإداري سلوكياً وفنياً إلى مفاهيم الإنجاز التي تعتمد الموضوعية في اتخاذ القرار، وتعيين الإدارات على أساس معايير العلم والخبرة تتطلب وقتاً كافياً، لكن ذلك لا يمنع من إحداث تغييرات هيكلية تساعد على تحولات رئيسية تترجم ما ورد في البرنامج. نحن نعلم قدرات الأخ رئيس الجامعة وكذلك وزير المالية ووزير الخدمة المدنية، لكن هذه القدرات تصطدم بالبيروقراطية المكتبية، وللتخلص من ذلك لابد من اعتماد نظام الشباك الواحد.. صحيح أن نظام الشباك الواحد موجود في وزارة المالية، لكنه غير مفعل ولا تتم الإجراءات إلا بالمتابعة الشخصية لها إضافة إلى أن الموظف في قسم المحفوظات يطلب طلبات ليست من اختصاصه، فيتعرض الكثيرون للابتزاز .. إن نظام الشباك الواحد سيحسن من كفاءة الأداء ويخفض من هدر الوقت والمال. إن الجميع يدركون أن الخلل في الإدارة يخلق مواقف ومشاعر لدى الأفراد تسيطر على الثقافة الاجتماعية وما يترتب على ذلك من تشكيك في مصداقية البرنامج الانتخابي، فإذا كنا مع اليمن الجديد وصادقين مع رئيس الجمهورية فليعمل كل منا ومن موقعه لإنجاز ذلك البرنامج، لأن العمل به يعد شرطاً ضرورياً لإنضاجه وبناء المؤسسات التي يدعو إلىها. هذه دعوة لكل من الدكتور/خالد طميم والأستاذ/نعمان الصهيبي والأستاذ/حمود خالد لمتابعة ما يجري في مؤسساتهم من قبل الموظفين المختصين الذين ينتهكون آدمية الإنسان وحقه في المواطنة، والفساد مرض عضال قادر على إفراغ أي نظام سياسي مهما كان شكله من مضمونه، ويقضي على أي إرادة إصلاح أو تغيير حقيقي في الحياة السياسية والاجتماعية.. الفساد الإداري يعمل على تدمير الحس الوطني ويدفع المتضررين إلى الحقد على الوطن .. إن البرنامج الانتخابي للأخ رئيس الجمهورية هو برنامج مرحلي هدفه تأمين الشروط الدنيا من الاستقرار الإداري والأمن الوظيفي، والشعور بالكرامة وبعث الروح الوطنية.