كغيري ممن تابعوا التصفيات الآسيوية النهائية والتي أسفرت أمس عن صعود منتخبي العراق والسعودية إلى المباراة النهائية، أحسست بفرحة غامرة لما حققته الكرة العربية من تطور يشار إليه بالبنان، على أن المهم من ذلك هي تلك الإشارات التي لا تخلو من دلالة... والتي برزت على الساحة العراقية من خلال التظاهرات العفوية لكل شرائح وطوائف أبناء العراق التي أطلقت ابتسامة الفرح كاختزال للوجه الآخر لما يجري في هذا البلد العربي، حيث إن أصوات العراقيين الذين خرجوا إلى الشوارع مبتهجين بهذه المناسبة قد تجاوزت الخطوط الطائفية وتخطت الحواجز الأمنية، وكأنهم يصرخون ضد الرصاص، ويحتجّون على القتل وإباحة الدم العراقي، ويرفضون الميليشيات والتخندق خلف متاريس المذهبية والكانتونات الطائفية والعرقية. قرأت في وجوه العراقيين والعراقيات عبر الفضائيات وهم ينشدون للعراق وعروبته وقوميته لمناسبة فوز منتخبه أن الأوطان لا تهزمها الجراح مهما غارت في أجسادها النصال، وأن الدموع سرعان ما تجف، وتعلو على الشفاة ابتسامة الانتصار، وأنها أكبر من كل محاولات العزل والفرقة والتفتيت. لقد علّمنا التاريخ أن الشعوب العظيمة لا تسقط تحت سنابك الخيل القادم من الخارج، ولا يمكن ان تخمد جذوة الانتصار تحت أزيز الطائرات وراجمات الصواريخ.. قد تكون التضحية كبيرة، لكنها فداء للابتسامة التي تنتشر على وجوه العراقيين. في آخر المطاف.. وما قرأته على شفاههم كان بمثابة إعلان على تجاوز المحنة، وخروج مبكر من شرنقة اغتيال الفرح على نهري دجلة والفرات!. لقد تساءلت في قرارة نفسي: هل تكون ابتسامة الفرح بانتصار المنتخب علامة على تحول كبير في رحلة الركض نحو بداية جديدة لترتيب البيت العراقي من الداخل ؟! وإلى أي حد يمكن للسياسي أن يأخذ درساً من امتشاق العراقي المجرد من الانتماءات لابتسامته التي أطلاقها صادحة في وجه البارود والدم؟! بمعنى آخر: هل ينجح السياسي في رسم الابتسامة وإقامة السلام، وتوفير الأمن حتى تأخذ هذه الابتسامة طريقها إلى حيث زرقة الماء وتجوال العصافير تحت سماء بغداد؟. هل يتعلم الذين يتخندقون خلف متاريس الطائفية وعناوين الفيدرالية ويافطات المذهبية كيف تكون صناعة الفرح في ميادين المنافسة الرياضية بالنسبة إليهم دروساً يتعلمون منها أن التفاصيل الطائفية لن تكون بديلاً للأوطان المسيّجة بوحدة الانتماء والهوية ؟!. وما يمكن قوله عن العراق لا شك ينطبق على كل الأوطان من بغداد إلى تطوان !.