مثل كل الآفات الضارة التي حلت بهذا المجتمع ، تبرز ظاهرة الغش في الامتحانات العامة، ولايدرك أحد مدى المخاطر وحجم التداعيات التي تفرزها هذه الظاهرة العجيبة الا حينما يذهب إلى صنعاء ليجد مئات الطلاب الذين يتكدسون أمام بوابات الكليات الجامعية والعسكرية والإدارة العامة للبعثات، حاملين شهادات النجاح بمعدلات تفوق « التسعينات» بكثير راجين منك أن تكتب لهم تقديماً إلى الإدارة، كأول مؤشر على الفشل في الحياة العملية. لن أقول ان الأمر هين، بل خطير جداً ولايقل شأناً عن مفهوم الإرهاب وان اختلفت الوسائل، وتعددت الغايات، فالهدف واحد والرغبة في تدمير الوطن واضحة. وفي تقديري أن المخاطر التي تنجم عن ظاهرة الغش تتلخص في : «إحباط ويأس مدمر في نفسيات المتفوقين» ممن حرصوا على تحقيق معدلات عالية لم تصل إلى (الثمانينات) الا بالمشقة البالغة والجهد المضني، والسهر الطويل ويجدون أنفسهم عديمي الحيلة أمام كتائب القادمين من المدارس الريفية والمناطق النائية، ذات المنسوب المرتفع من الوعي الاجتماعي القائم على التمنطق بالأسلحة الخفيفة والثقيلة داخل وخارج قاعات الامتحانات، والحاشية والمرافقين وكل مايمهد لنشر الفوضى والعبث أيام الامتحانات تتلاشى القيم الحميدة في أهمية المثابرة والمذاكرة والجد والاجتهاد والحرص على التحصيل المميز طول العام، فينشأ عن ذلك جيل معقد وبائس تتراكم في أعماقه مشاعر الاحتقار والانتقاص من الآخر الذي انقض على فرصته في دخول الكلية الجامعية أو العسكرية أو العثور على منحة دراسية خارج الوطن. ناهيك عن أن من لديهم القدرة على تسريب الإجابات النموذجية إلى قاعات الامتحانات، لديهم القدرة أيضاً على فرد عضلاتهم واستخدام نفوذهم في توفير فرص أفضل للوساطات في البعثات أو الكليات العسكرية أو الجامعية. أما الخطر الحقيقي والمميز فهو في تكديس المخرجات من الطلاب الذين لم يتمكنوا من الالتحاق بالجامعة رغم أحقيتهم في هذا الاستحقاق المشروع، وتصبح الدولة في مواجهة فعلية أمام جيش جرار من الطلاب الذين يرون ان الفوضى والاستهتار قد شكلت في مجموعهما سداً منيعاً يحول بينهم وبين تحقيق رغباتهم... وانظروا أيضاً لحجم الإفرازات الاجتماعية الضارة التي يخلفها هذا الكم الهائل من العاطلين من الطلاب الذين أقفلت في وجوههم كل المنافذ والسبل فيرتفع عدد المقاوتة والمحششين والمتسكعين في شوارع المدن أو ماضغي القات في القرى والبلدات اليمنية.. ليس هذا اكتشافاً جديداً ولكنها الحقيقة وهذا مايحدث. ثم تكون الطاقة أكبر لوعلمنا أن الرشوة تمارس دوراً مخيفاً في تضييق الخناق على هؤلاء المجاميع الطلابية، فلايجدون مفراً من أن يرفعوا أكفهم إلى السماء راجين من الله أن ينزل مقته وغضبه، على هؤلاء العابثين والمستهترين والوصوليين وأصحاب الأيادي المرتعشة غير القادرة على البناء إنها مهام عاجلة ينبغي أن توضع في أولوية برامج العمل أمام الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، ولايكون حلها بعصا سحرية، ولكنها تقتضي قرارات حاسمة وشجاعة لا تقبل المهادنة أو التراخي.. الخطر كبير، والمشكلة تتفاقم وقديماً قيل: «إن الحقيقة المؤلمة خير ألف مرة من الأكذوبة المريحة«