في البدء لابد لي من الاعتراف بأني قد احترت كثيراً في اختيار العنوان الملائم الذي يمكنه اختزال حقيقة ماسيرد في السطور القادمة، وقد امتدت الحيرة لتطال كل الجمل في هذا الموضوع ومع هذا كله كتبت لعلّي أتجاوز حالة القهر والحزن التي انتابتني بالأصالة عن نفسي التي تلقي بي في متاهات القهر والحزن وإخوانهما إن كان لهما ثمة إخوان كلما رأيت مشهداً يغيب عنه الانصاف والعدل والرحمة . ويحضر الاستغلال والظلم والقسوة بدلاً عن ذلك، ونيابة عن ذوي المشاعر الانسانية النبيلة الذين إن رأوا مارأيت لأصابهم ما أصابني وربما أكثر لأنهم أرق حساً وإحساساً وأكثر عدلاً وإنصافاً ورحمة. المشهد يحكي بالصوت والصورة حكاية الاستغلال البشع الذي يمارسه البعض ممن يوصفون وبسهولة بأنهم أكلة لحوم البشر، وهم بشر بالطبع لكنهم قد تخلوا عن مواصفات الإنسان السوي تحت وطأة الطمع والجشع وعلى حين غفلة من القيم الدينية والأخلاقية عموماً التي تحرم الاستغلال وأكل جهود الغير وحقوقهم. ولكي أدخل في الموضوع وأتجاوز الحيرة التي تكتنف القول أعتذر سلفاً لمن قد يصيبه شيء من الحزن فوق أحزانه مما يحس أو يسمع ويرى فربما تتكرر هذه المشاهد وغيرها في أكثر من موضع. ما رأيته ، أن هناك شركات يقال إنها شركات نظافة وضعوا تحت نظافة مائة خط هذه الشركات تبرم عقوداً مع المؤسسات العامة أو الخاصة لتقديم خدماتها في تنظيف تلك المؤسسات أو المنشآت مستخدمة في ذلك بني آدم ، يتم توظيفهم لهذه المهمة والصح والأصح يتم استغلالهم في هذه المهمة استغلالاً لايخطر على بال إنسان.. والشاهد بل والشواهد كثيرة، فقد سوّلت لي نفسي بعد طول ملاحظة أن أسأل عن المبلغ الذي يتقاضاه العامل المُستغل من قبل بعض هذه الشركات فأصابني ما أصابني حين جاء الجواب أن أكثر العمال حظاً لايحصل على أكثر من خمسة آلاف ريال مقابل عمل شاقّ ومجهد لساعات طويلة خلال اليوم.. لم تنته الحكاية بعد، فهذه الشركات تحصل على مبالغ ليست هيّنة مقابل خدماتها بمعنى أنها تبيع جهد وتعب هذا العامل أو العاملة بعشرات أضعاف ماتعطيه.. هذا من ناحية ومن ناحية أخرى من خلال عدد العمال في المرفق الواحد ودون أدنى اعتبار للعدد المطلوب من العمال بالنظر إلى حجم المنشأة حيث يتم تقليل عدد العمال قدر المستطاع من أجل الفائدة والحكاية لم تنته أيضاً ففي واحدة من المؤسسات التي تتولى تنظيفها إحدى الشركات تم تقليص عدد العمال إلى أربع عاملات تتعدى أعمارهن الستين عاماً في حين أن حجم هذه المؤسسة يقتضي وجود عشرة عمال أشداء على الأقل وهذا ما كان حاصلاً من قبل أن يتعاظم الاستغلال ويبلغ أشده في هذا الزمن. أربع عاملات ظهرت عليهن علامات البؤس وتقاسيم الزمن الأغبر كما يقال وقد بلغن من الكبر عتيّا، لولا الحاجة ولولا الفقر ولولا أن أبواب البدائل مغلقة ولولا.. ولولا.. إلى ذروة المأساة ماقبلن بهكذا استغلال وهكذا ظلم وهكذا متاعب ورفع صوت المشرف عليهن كلما وجد آثار تقصير في هذا المكان أو ذاك في المؤسسة المترامية الأطراف كثيرة المساحات والممرات، وكل هذا من أجل أربعة آلاف ريال في الشهر الواحد، وفي ظل صمت الانصاف والعدل وإلحاح الحاجة قبلن بالمشقة والعناء المرّ وقبلن بالظلم، فلولا رمضان لأكثرت من لعن الحاجة والفقر ولعن المستغلين من أصحاب الشركات الذين يتعمدون استقدام ذوي الحاجات الملحة من الأرامل واليتامى والعجائز.. ليس حباً بهم ومراعاة لظروفهم، ولكن لأن هؤلاء يقبلون بالشيء الأهون من لا شيء ويقبلون بالاستغلال مع علمهم به، فقط لأن الحاجة لاتسمح بالرفض ولاتسمح بترك العمل. إنهم يتاجرون بجهود الفقراء والمساكين وذوي الحاجات الملحة، إنهم يأكلون جهود هؤلاء جهاراً نهاراً، فهل من قانون يحمي هؤلاء المساكين والضعفاء من ظلم واستغلال أصحاب شركات النظافة غير النظيفة، الملوّثة بالاستغلال والظلم.؟!