مرّت دقائق عدّة وصاحبي في مطار أديس أبابا يقف منتصباً كالقلم يحلق في عشرات الحقائب ليلتقط واحدة منها تخصّه دون جدوى، ووقفت إلى جانبه نتطلع سوياً إلى حقيبته بين الحقائب الكثيرة التي تدور حلزونياً فوق أسلاك معدنية متحركة ذهاباً وإياباً، ولكننا عجزنا عن رؤيتها!.. سألته عن لونها وشكلها، فأخبرني، وكنا كلما وجدنا إحداها بنفس المواصفات سرعان ما نسحبها بعيداً لنكتشف في نهاية المطاف أنها ليست حقيبته المفقودة، فنعيدها إلى حيث كانت. لانزال متسمرين في وقفتنا أمام حمّال الحقائب المتحرك ونحن نشخص ببصرنا صوبه دون فائدة!. وعندما بدأت الحقائب تتناقص الواحدة تلو الأخرى ظهرت علامات القلق على وجه صديقي، معتقداً بأن ثمة خطأ قد حدث؛ كأن يكون عامل الشحن في مطار صنعاء قد كتب عليها بلداً آخر غير وجهتنا، والحقيقة فقد جاريته الشك باعتبار أن ذلك ليس غريباً، فقد حدث معي ذات مرة وأنا مسافر إلى القاهرة أن توجهت حقيبتي إلى «نيروبي»!. اضطررنا بعد أن أعيتنا الحيلة أن نتجه إلى المسؤول عن الحقائب في المطار لإطلاعه على الوضع، وأخبرناه بأنه لم يعد سوى ثلاث حقائب ليست بينها الحقيبة الضائعة. والحقيقة فلقد كان الرجل لطيفاً وهو يطلب من صديقي تهدئة عصبيته، ووعده باتخاذ كافة الإجراءات للتأكد مما إذا كانت الحقيبة الضائعة قد وصلت أم لا..!. عُدنا مرة أخرى إلى حيث تدور الحقائب الواصلة في المطار، ووجدنا أن كل المسافرين قد اصطحبوا حقائبهم، ولم تعد هناك غير حقيبة واحدة، سألت صديقي: أليست حقيبتك؟! وعندما أجاب بالنفي طلبت إليه التأكد، فقام بسحبها والتأكد منها، وبعد برهة انفرجت أسارير وجهه، وقال: وجدتها.. إنها هي، وحتى يتأكد أكثر فتح جانباً منها وأخذ ينظر إلى ثيابه وأشيائه في داخلها قبل أن يطابق الرقم الذي بيده والرقم المربوط على ممسك الحقيبة!!. وبينما كنا نسحب خلفنا الحقيبة الضائعة كان المسؤول الأثيوبي يسألنا عما إذا كنا قد وجدناها أم لا.. وبصوت واحد أجبنا: «ثانكيو». وعندما سألت صاحبي لاحقاً عن أسباب عدم معرفته لحقيبته؛ أخبرني بأنها حقيبة جديدة لم يتعود عليها بعد!.