حين نتجاوز عثراتنا ، ونبدد (الأنا) المتضخمة في دواخلنا ، مقصين إياها عن سطوتها وجبروتها الذي لا يقاوم ، وتنكسر على عتباته كل مقاومة نبيلة لروح الإيثار والتضحية ، حينها تعاود الرحيل لحظة بعد أخرى إلى روابي (الكل) ، سعياً وراء اخضرار الحياة في تجلياتها المثلى ، عازفة لغة الوجود الآن ، ماتحة من رحيق الزمان ما كان ، غازلة من الآهات ما سيكون ، وهكذا تعتصر الروابي اخضرار الحياة مشكلة لون الفرح ، ونعومة المبتغى ، فيغدو العنت والمصاعب والآلام والقسوة والتوتر والخوف - في أحايين كثيرة - على أهل الفكر ، وحملة مشعل النور ، في زمن العتمة ، بلسماً لجراح الحرف ونزيف الكلمة الحياة ، فتأتي الثمار محملة بسنابل الروح ، قادرة على طرح ثمارها في صمت الحقيقة ، وإيثار الكبار، فتؤرق الأحرف دلالات ومعاني من ضمن وجه المشهد الثقافي الذي آن له أن يتلمس خطى التغيير والتحديث الذي تتغياه المعاصرة في وجهها البهي وديناميكيتها الحاملة لأدبيات المواجهة وتلقي صدمات الآخر الذي يعمد إلى تشظي هذه (الأنا) وإغراقها في داء الاغتراب الداخلي والخارجي المجتمعي ، فتصبح سهلة الانقياد ، وعديمة العطاء ، فتلوذ بالماضي في سطحيته وشكلياته الخارجية ، دون استيعاب وتواصل مع روح التاريخ ، وهمس التراث الحضاري والإنساني . من هنا نرى أن (الأنا) إذا رغبت في تجاوز ذاتها أو تظن أنها تفعل ذلك عليها - لحظتئذ - أن تسعى بقوة صوب الاندماج والتماهي مع المجتمع (الكل) ، ولا نعني بذلك أن تصبح أسيرة الواقع وتداعياته التي تكبلها بقيود متعارف عليها وقوانين مجتمعية تجاوزها التاريخ والحضارة والحداثة ، ولكننا نشير إلى أهمية أن تتعمق (الأنا) في قاع (الكل) وتتفحص ما طرأ ويطرأ على منظومته السياسية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية ، وأن تقف كثيراً عند المتغيرات الثقافية التي تتناوش المجتمع (الكل) لتعي خطورة هذه التغيرات الراسمة لشكل المنجز الثقافي في السنوات القليلة الماضية ، وتحلل بمنهجية مدى ضررها من عدمه على كينونة (الأنا = الكل) ومن ثم تعمد إلى تغيير مجرى النهر الثقافي بهدوء، لمصلحتها ، وتؤصل لوعي جديد أو - بالأصح - تكون جسر عبور يوصل ما انقطع من جريان لذلك النهر المعرفي والحضاري الإنساني ، فحين تستوعب هذه (الأنا) دورها ومكانتها وقيمتها عند (الكل) لاشك أنها تتجاوز ذاتيتها إلى فضاء الروح (الكل) وتراسل ذراتها المشكلة لها ، فيسهل عليها القيام بدورها الذي تقوقعت عنه في غمضة أنانية استسلمت لها ، فصارت مأزقها الذي لم تستطع تجاوزه وإن رغبت في ذلك ، ولكنها أصيبت بالشلل التام والعمى المجتمعي ، لذا لم يعد يحركها (الكل) كما كان سابقاً ، بل ترفس في ذاتيتها التي أسقطتها في هذا المستنقع الأناني، ولم تعد قادرة على الخروج منه إلا بجرح هذه (الأنا) التي تقتات على فضلات الآخرين ويصدق فيها قول الشاعر الغنائي الحضرمي سالم أحمد بامطرف : على حساب الناس تحلا عيشة الناقص بيحسّها في الرأس لي هو في الوحل راقص