{.. تنقّل جبران خليل جبران في الزمان والمكان، وتعددت محطات إقاماته وزياراته وتفاعلاته الأُفقية، فقد عاصر نيويورك الفتية التي كانت تعج بالتيارات الدينية والثقافية والفلسفية، وخرج من تضاعيف الشرق العربي بكل محمولاته التاريخية الحضارية الموغلة في التنوع والمثال “بكسر الميم” وتجول في أوروبا، وتماهى إيجاباً مع فضاءات الفعل المعرفي الذوقي، وتحصّن برؤى وقناعات ميتافيزيقية صوفية، فلم يفارق أناجيل قبوله بالتنوع، تلك التي كان يحملها معه في حلّه وترحاله، ولم يقف موقفاً عدمياً من الفكر الإنساني السابق على عقيدته، بل استقرأ الماضي البعيد وعكسه في أعماله الفنية ذات النفس الأسطوري. وبمناسبة لوحات جبران يجدر بالإشارة أن جبران أُعجب بالقامات الفنية للمدرسة الفلورنسية الإيطالية الرائدة، واعتمد المنهج الكلاسيكي في جُل أعماله التي تذكّرنا بفناني القرنين الثالث عشر والرابع عشر، مع شيء من الترميزات والانزياحات الواضحة، ولم تخلُ أعماله تلك من غنائية بصرية واضحة الملامح، بل إن تلك الغنائية كانت على تناص مع لغة الكتابة التي شكّلت الوجه الآخر لفنه. كتب جبران نصاً للنصوص المُتمازجة، لأنه جمع بين التشكيل والأدب والمنطق الرياضي لتعددية اللسان والبيان، وبهذا القدر بدت شموليته حاضرة في مبصراته الناطقة، ونصوصه الكتابية المموسقة، ولغاته المتعددة المُدوزنة. [email protected]